مدارات

فرنسا.. اكثر من مليون متظاهر دفاعا عن حقوق "الشغيلة"

رشيد غويلب
منذ التاسع من اذار تجتاح فرنسا موجة عارمة من التظاهرات والإضرابات احتجاجا على إصرار حكومة الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند تمرير مشروع جديد لقانون العمل بالضد من حقوق ومصلحة الملايين في عموم البلاد. ففي الحادي والثلاثين عاشت فرنسا يوم التظاهر الكبير، حيث شارك 1,2 مليون متظاهر في 260 مدينة فرنسية. وجاءت التظاهرات تجسيدا لرفض 4 اتحادات نقابية عمالية ذات توجهات يسارية، مدعومين من الإتحادات الطلابية، العمال الأجراء، العاطلين عن العمال والمتقاعدين مشروع قانون العمل الجديد، والمطالبة بحقوق اجتماعية جديدة.

هذا ماتضمنته الفقرة لأولى من البيان الذي اصدرته 4 اتحادات نقابية عمالية بضمنها اتحاد نقابات CGTالذي يقوده الشيوعيون، والإتحادات الطلابية في مراحل التعليم المختلفة.

مشاركة شبابية متميزة

لقد تضاعف عدد المشتركين في حركة الإحتجاجات خلال ثلاثة اسابيع فقط. وتميزت التظاهرات بمشاركة واسعة للشبيبة فيها، اذ شارك في تنظيمها والتعبئة لها 22 منظمة واتحاد للشبيبة بضمنها اتحاد الشبيبة الشيوعية، والشبيبة الإشتراكية، وشبيبة النقابات، والشبيبة المدافعة عن البيئة، والمنظمات الشبيبة التابعة للحركة التسوية. والى جانب قيادات الاتحادات النقابية ومنظمات الشبيبة تقدم التظاهرة أيضا قادة أحزاب اليسار الفرنسي: بيير لوران السكرتير الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي، قادة أحزاب جبهة اليسار، المتحدث باسم حزب الخضر جوليان بايو، وعدد من قادة الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي الحاكم الرافضين مشروع القانون.
وتزامنت التظاهرة مع تنظيم إضراب في آلاف من المصانع والدوائر، ادي إلى شل الحياة في باريس وعدد من المناطق، وذلك لمشاركة العاملين في السكك الحديدية، ومرافق النقل داخل المدن. وشمل الإضراب المطارات والمستشفيات والبلديات والإدارة المحلية، والمدارس والجامعات وبعض شركات الإعلام ، وتسبب الإضراب في إغلاق مرافق سياحة هامة إمام الزوار مثل برج إيفل الشهير.
لقد أكدت فعليات الخميس اتساع وتنوع الحركة الاحتجاجية، ولم تعد تنحصر بالنقابات العمالية اليسارية، بل شارك فيها أيضا أعضاء اتحاد نقابات عمال CFDT الإصلاحي والذي تراهن قيادته القريبة من الحزب الحاكم على التفاوض مع الحكومة وتحسين مشروع القانون الحكومي. من جانبه قال ، أكد فيليب مارتينيز، السكرتير العام لاتحاد نقابات CGT الشيوعية، والذي تقدم التظاهرة في باريس " إن هذا القانون غير قابل للتحسين". وفي النهاية يجب على الحكومة الاستماع لصوت المتظاهرين والخضوع لإرادة الشعب وسحب مشروع القانون.

طبيعة مشروع القانون

و يتيح مشروع القانون للشركات امكانات تمديد ساعات العمل وخفض اجور ساعات العمل الإضافي، وتسهيل عمليات "تسريح" العاملين واستبدالهم من دون ضوابط. وهذا يعني تطوير نموذج عمالة رخيصة الثمن، وعقود عمل قصيرة المدى، وفي احسن الأحوال توسيع قطاع العمالة غير المستقرة رخيصة الاجور. وهذا يشمل التلاميذ والطلاب الذين يسعون إلى تمويل دراستهم بواسطة ممارسة أعمال قصيرة الأمد.
وتسمح "التسهيلات" ، بالالتفاف على عقود العمل ، بواسطة اتفاقات خاصة داخل المصانع، وهذا يضعف بشكل واضح دور النقابات، وخصوصا صلاحياتها في التفاوض بشان الأجور على مستوى قطاعات الإنتاج في عموم البلاد. وبهذا يترك الممثلون المنتخبون في مجالس المصانع وحيدين في مواجهة ضغط إدارات المصانع للوصول إلى استثناءات عديدة، بحجة خصوصية وضع المصنع المعين.
ولذلك شددت الحركة النقابية والحركة الطلابية على الحل الوحيد لهذه الأزمة والمتمثل بتراجع الحكومة وسحب مشروع القانون الذي طرحته، وفي الوقت نفسه عبرت عن استعداداها ّلللقاء بالحكومة وطرح مشروع قانون بديل وشامل يقوم على أساس الحفاظ على الحقوق الاجتماعية. وكان الرئيس الفرنسي قد تراجع قبل يوم واد فقط من اندلاع التظاهرات الحاشدة عن مشروع قانون يتعلق بتعديلات دستورية تسهل فرض حالة الطوارئ، وسحب الجنسية الفرنسية من المدانين بجرائم إرهاب، لفشله في التوافق مع المعارضة اليمينية على نص يمكن تمريريه في البرلمان ومجلس الشيوخ. ولهذا طالب قادة نقابيون الحكومة بتراجع مماثل فيما يخص مشروع قانون العمل الجديد، وقال فيليب مارتينيز: "ان اعتراف المرء بخطئه لا يعكس ضعفا، بل تجاوبا مع الشارع".

إصرار حكومي

وكما هو متوقع فان الحكومة مصرة على المضي بتمرير مشروع القانون، يقابل ذلك إصرار الحركة الاحتجاجية بالمضي قدما، معتمدين إشكال احتجاج جديدة. وعلى أساس مقترح الاتحادات الشبابية ستشهد فرنسا اليوم فعاليات احتجاج جديدة تتزامن مع بدء مناقشة مشروع القانون في اللجنة الاجتماعية في البرلمان الفرنسي. وستشهد البلاد في التاسع من نيسان حركة إضراب وتظاهر جديدة.

الاعتصام في ساحة الجمهورية

وفي تطور لاحق نصب ليلة الأحد مئات المتظاهرين الخيام في ساحة الجمهورية بباريس معلنين اعتصامهم تحت شعار "ليلة النهوض". وقام المعتصمون ببناء مسرح، وجاء الاعتصام عفويا، ويشبهه المشاركون فيه بحركة "لنحتل الوول ستريت" في الولايات المتحدة وحركة "غاضبون" الاسبانية التي اجتاحت اسبانيا عام 2011 ضد سياسة التقشف اليمينية. والمعروف إن الجمعية الوطنية الفرنسية ستبدأ في بداية أيار المقبل مناقشة مشروع القانون.