- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 08 آذار/مارس 2017 16:46
القرار السياسي وتداعياته
تناغم الأنصار مع القرار السياسي بالثورة بسرعة، رغم إن فكرهم يدعو الى السلام وحب الناس والعدالة الاجتماعية التي ناضلوا من اجلها سنوات خلت، ولازلوا يعملون من اجل السلام وخير الناس ومحبتهم.
ولكن كيف كان القرار؟
هل صحيح أن نناقش هكذا قرار اليوم، بعد اكثر من 35 عاما، شهدت الكثير من المتغيرات العالمية والعربية والمحلية، من إنهيار المنظومة الإشتراكية والإتحاد السوفيتي الى ثورات الربيع (الخريف) العربي الى الثورة العلمية المعلوماتية، الى ظهور الإسلام السياسي في المنطقة وعنف البعض من أطرافه، ومن هذا البعض دولة الخلافة الإسلامية (داعش)، التي احتاجت الى قراءة جديدة للصراع العالمي وكذلك دور امريكا وإنفرادها كقطب وحيد، جعلها الحاكم والناهي في العالم ولها جيوش وقواعد في جميع القارات من المحيط الى المحيط، أم إن الصحيح هو قراءة القضايا السياسية في وقتها وظروفها؟
قام النظام الدكتاتوري في العراق بهجمة كبيرة على القوى الوطنية العراقية ومنها الحزب الشيوعي العراقي، واعتقل وعذب الالاف منهم من اجل إجبارهم على التخلي عن حزبهم وبالتالي ان يحكم العراق لوحده، لأنه لا يريد ان ينافسه حزب اخر، برغم ان هذا الحزب وقع ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية معه في 16 تموز 1973 بحضور القيادة من الطرفين.
وشملت هذه الهجمة البربرية إعتقال الطلبة والعمال والموظفين وكل من له علاقة بالشيوعيين، وإجبارهم على توقيع البراءة حسب المادة 200 سيئة الصيت والتي تقضي يإعدام من يخفي إنتماؤه السياسي لحزب أخر غير البعث الحاكم. وقامت اجهزة البعث ومخابراته الإرهابية بتعذيب اعضاء الحزب الشيوعي لإجبارهم على التخلي عن الحزب، ومحاربتهم في أرزاقهم وحياتهم الشخصية والعلمية والعملية، وبأساليب حديثة ومستوردة من دول مختلفة. وقد أجبر ذلك الالاف من المناضلين على الإنتقال الى شمال العراق (كردستان) والى البلدان الاخرى من اجل الحفاظ على الكرامة وعدم الخنوع الى جبروت الدكتاتورية.
هناك سؤال ردده البعض، لماذا لم نوجه رفاقنا على التوقيع الشكلي على المادة 200 ونتركهم يعملون بشكل سري ونكون بذلك قد افشلنا خطط النظام؟
لقد سألنا احد الرفاق القيادين في ذلك وقال ان النظام لم يك يقف عند هذا الحد بل كان سيطلب من رفاقنا المزيد من الخدمات. وهذا ماحصل للرفاق الذين ساوموا في لحظة ضعف، حيث لم تتركهم الأجهزة الأمنية فواصلت إستعمال القوة والإعتقال والسجن وأيضا الأغراءات لدفع هؤلاء للإيغال بالمساومة. ودفع عدد منهم حياتهم حين رفضوا التواصل مع تلك الأجهزة.
يذكر لي أحد الأصدقاء نقلاً عن الامين العام لحزب التقدم والإشتراكية المغربي علي يعته، بأنه أجاب حين سألوه عن السر وراء تقبيله يد الملك بأنه مستعد لتقبيل رجليه أيضاً لضمان الإستقرار! يضيف الصديق الان دور هذا الحزب في تطور جيد ولكن تحت لواء الملك، فيما إستشهد أمينان عامان للحزب الشيوعي العراقي والمئات من قادته وكوادره وأعضاؤه، ليستمر في شموخ ويضمن موقعه في قلوب كادحي العراق! أليس على الشيوعين العراقيين أن يعكسوا واقع مجتمعهم وطبيعة تقييم العراقيين للإداء السياسي. ونحن نعرف ان المئات او الالاف من الشيوعيين قد استشهدوا في اقبية النظام نفسه في عام 1963 من اجل كلمة واحدة، هو شتم الإتحاد السوفيتي او سكرتير الحزب الرفيق الخالد فهد او اي شخصية اخرى، ووقفوا وصمدوا واستشهدوا !
لقد قام النظام الدكتاتوري بدراسة وضع الحزب الشيوعي العراقي في أعلى المستويات ووضع الخطط والخرائط والأساليب والطرق لإنهاء الحزب الشيوعي. وهذا ما وثقته الوثائق بعد سقوط النظام الدكتاتوري 2003. وقد سعت الأجهزة الامنية على ان يكون بعض اعضاء الحزب وأصدقائهم الذين يوقعون البراءة وغير ذلك جزءً من اجهزتهم برغم عدم الوثوق بهم ، فسماهم بـ (العائدون للصف الوطني)، إضافة الى انهم لفقوا الدعاية على الكثير من اعضاء الحزب الذين صمدوا امام تعذيبهم الرهيب، وقد حاولوا بأساليب خبيثة ودنيئة ان يشقوا صفوف الحزب من خلال الخطط التي ذكرناه انفا من التعتيم على المواقف والدعاية وغير ذلك من الأساليب الرخيصة.
ـ"إقتتال الأخوة" !!
بذل الشيوعيون العراقيون وقيادتهم وقتا طويلا وجهودا مضنية من أجل المصالحة بين الأحزاب الكردية خاصة الحزب اليمقراطي الكردستاني الإيراني والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، خاصة بعد إحتل الاخير مدينة اشنوية الايرانية وبمساعدة القوات الايرانية وفبركت قضية اختطاف جثمان ملا مصطفى البرزاني، القضية التي دبرتها الحكومة الايرانية. يقول أحد قادة الحزب حينها الرفيق الراحل احمد باني خلاني في مذكراته (ص 324-
"وحسب قناعتي إن المسألة دبرت من قبل بعض العناصر الواقعة تحت ضغط الايرانيين من بعض المسؤولين وذلك لاثارة انصار ومؤيدي حدك وبالأخص البارزانيين ليكونوا مهيئين نفسيا لتنفيذ المخطط الإيراني، خاصة بعد سيادة الهدوء ونوع من التعاون بين حدك وحدكا".
كما كان حزبنا وسيطاً بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، إبان إقتتالهم الذي استمر حوالي 3 سنوات، وبذلنا جهدا كبيرا من أجل ذلك. كانت اجتماعات المصالحة دائمة الإنعقاد في مقراتنا، حيث ينشغل الأنصار بتهيئة الأجواء المناسبة إضافة الى وجبات الغداء او العشاء وكل المستلزمات المطلوبة. وبذلت جهودا مشابهة لحل الإشكاليات بين باسوك والإتحاد الوطني وغيرها، دون أن تلقى تلك الجهود وفاءً مناسباً!
ومن خلال قراءتنا الى مذكرات رفاقنا الأنصار من قيادة الحزب نجد إن الحزب خسر الكثير من الوقت للتوسط وبذل الجهود لدرء هذا الإقتتال والذي سبب الكثير من الكوارث للشعب الكردي (بعد عام 1996 قتل حوالي 2500 من مناصري الحزبين ومن الشعب الكردي الأبرياء). وقد نشر الرفيق النصير فاتح رسول، احد قادة الحزب حينها في كتابه (صفحات من تاريخ كفاح الشعب الكوردي) العديد من المراسلات بين حزبنا والأحزاب الكردستانية من أجل مصالحة وتوحيد صفوف المعارضة.
كانت مساعي الحزب كما هو معروف في بناء جبهتي المعارضة (جوقد وجود) في عام 1980 أساسية. وكان للجبهتين دور جيد في تعزيز تلاحم البيشمه مركة والتعاون بين الأحزاب المؤتلفة. ولابد أن لا ننسى دور النظام الدكتاتوري والنظام الايراني والتركي في تخريب هذه الجبهات وخلق التناحر بين هذه القوى المعارضة وجعلها تابعا لها بشكل مباشر أو غير مباشر. يذكر الرفيق النصير احمد باني خلاني في مذكراته ص 304:
(عندما وصلت مقر حزب توده في مهاباد، وجدت كلا من علي كلاويز عضو ل.م توده، مسؤول منظمة الحزب في كردستان ورضا شلتوكي عضو م.س برفقة الوفد الايراني او بالأحرى ممثلي الامام، وكذلك رفيقنا ابو تارا (ابراهيم صوفي) الذي كان مسؤولا عن القوات المسلحة لحدكا (الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني). وبعد استراحة قصيرة بدأ نقاش هادئ وطويل مع ممثلي الامام واستفسروا عما نريده من أجل التعاون معهم. قلت نحن لا نريد منكم السلاح ولا العتاد ولا الأرزاق ولا النقود، ان ما نريده منكم هو السماح لنا بحرية التحرك لانصارنا على الشريط الحدودي وبصورة رسمية، وعلاج مرضانا في مستشفياتكم وفسح المجال امام رفاقنا ومرضانا وجرحانا بالخروج من طهران والعودة اليها والإلتحاق بنا.
قال ممثل الامام: وماهي كيفية التعاون معنا؟
قلت إننا نناضل ضد نظام صدام داخل العراق في المدن والأرياف وانتم من جانبكم تقاتلوهم بالطائرات والمدافع وجيش هائل من الباســدارية والجيش النظامي والبســـــيج (اي غير النظامين، كالأفواج الخفيفة في العراق اثناء حكم البعث).
سألني لماذا لاتقاتلون جنبا الى جنب قواتنا المسلحة؟
قلت ما قيمة مساهمة العشرات بل المئات من قواتنا مع قواتكم الكبيرة المؤلفة من مئات الالاف وماذا يكون حجمهم وتاثيرهم على النظام. اننا نعتقد ان نضالنا وبأسلوبنا الخاص داخل العراق يكون اكثر فائدة وتأثيراً.
طال النقاش بيننا لأكثر من 12 ساعة وفي الاخير قال إننا نلبي كل المطاليب التي ذكرتها ونزودكم بالعتاد والسلاح والأرزاق ونجهزكم بكل ما تحتاجونه بشرط ان تشاركوا مع قواتنا المسلحة وجنبا لجنب.
وحين لم نصل الى نتيجة او إتفاق قال إني مخول من الإمام بأن التقي معكم وأستمع الى ارائكم ومقترحاتكم لانقلها الى نفس الامام).
ويضيف الرفيق خيلاني:
(يريدون منا ان نكون استطلاعيين ونتقدم قواتهم المسلحة او نكون فرق تخريبية داخل المدن وكما هم يريدون، كباقي الأطراف الكردستانية العراقية. قلت لحزب توده انهم لا يعودون ولا يرسلون الخبر اليكم، انهم لا يريدون الحلفاء بل يريدون العملاء، وهذا امر مستحيل بالنسبة لنا(.
هذه وغيرها كانت تطلبها دور الجوار من أحزاب المعارضة العراقية، ان تكون تابعة لهم بكل شئ وتكون عكس مبادئك ووطنيتك وانتمائك الى بلد عشت به وترعرعت وتريد ان يكون فيه منارا للاخرين.