مدارات

الاجتماع العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية في لشبونة يتبنى توجهات للعمل المشترك

عقد الاجتماع العالمي الـ15 للأحزاب الشيوعية والعمالية المنعقد في لشبونة، البرتغال، في الفترة 8 - 10 تشرين الثاني 2013 بضيافة الحزب الشيوعي البرتغالي. وشاركت في الاجتماع وفود تمثل 75 حزباً من 63 بلداً في ارجاء العالم، كما تلقى رسائل تحية من 14 حزباً لم تتمكن لأسباب مختلفة من الحضور.
وعقد الاجتماع تحت عنوان "تعمق أزمة الرأسمالية، دور الطبقة العاملة ومهمات الشيوعيين في النضال من اجل حقوق الشعوب والشغيلة. هجمة الامبرالية، إعادة اصطفاف القوى على المستوى العالمي، المسألة الوطنية، الانعتاق الطبقي والنضال من اجل الاشتراكية".
ومثّل الحزب الشيوعي العراقي في هذا الاجتماع العالمي الرفيق سلم علي، عضو اللجنة المركزية ومسؤول العلاقات الخارجية.
وتناول الاجتماع بالتحليل، من بين جوانب أساسية عدة، تطور الوضع العالمي في سياق تعمق الأزمة البنيوية للرأسمالية وعملية معقدة لإعادة اصطفاف القوى على المستوى العالمي، محذراً من مخاطر جسيمة جراء هجمة الامبريالية. وفي الوقت نفسه، حيّا المشاركون وثمّنوا نضال الشعوب والشغيلة، وأكدوا مجدداً على الامكانات الفعلية التي ينطوي عليها الوضع الراهن لتطور النضال التحرري من اجل تحقيق تحولات عميقة في اتجاه مناهض للاحتكارات والامبريالية، ومن اجل الاشتراكية.
ولاحظ الاجتماع تعمق الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي تفجرت في 2008، مشيراً الى انها أبعد كثيراً من أن تنتهي، ما يفضح زيف خطاب الطبقة الحاكمة في البلدان الرأسمالية حول "انتعاش" اقتصادي مزعوم. وأكد الاجتماع تحليلات الشيوعيين حول طبيعة الأزمة وتطورها التي تبيّن انها أزمة إفراط في إنتاج وتراكم الرأسمال، وتعبّر عن احتدام تناقضات الرأسمالية، ما يكشف الحدود التاريخية لنظامها وراهنية النضال من اجل البديل: الاشتراكية.
وأدان الاجتماع سعي الامبربالية والرأسمال الكبير، والقوى الامبريالية الكبيرة ومؤسساتها العالمية والعابرة للحدود القومية، كالاتحاد الاوروبي، لأن تفرض على الشعوب والشغيلة ارتداداً اجتماعياً على مستوى حضاري باستهداف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والهجوم الشرس على الاوضاع المعيشية للجماهير الشعبية والشغيلة واعلان الحرب على سيادة الدول واستقلالها.
وِأشار الاجتماع بشكل خاص الى قسوة الواقع الذي تعيشه الشعوب وتأثير الأزمة والهجمة الرأسمالية على البلدان النامية، حيث تجد شعوبها ان حقها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية يُكبّل بمزيد من القيود. وفي هذا الاطار، لُفت الانتباه الى تأثير أزمة الرأسمالية على الزراعة والغذاء، ما يفاقم المخاطر على الأمن الغذائي لبلدان عديدة ويهدد نسبة كبيرة من سكان العالم بالمجاعة وسوء التغذية.
ونبّه الاجتماع الى المخاطر الناجمة عن تشديد السياسة العدوانية وسياسات الحرب والتدخل التي تنفذها القوى الامبرالية الكبرى وحلف الناتو. وأكد ان الحروب العدوانية وعمليات التدخل، وإثارة النزاعات الداخلية، وتشديد الاجراءات القمعية والاستبدادية، ووسائل السيطرة والتجسس، تمثل جزءاً من رد الرأسمال الكبير، المستند على القوة، على أزمة الرأسمالية، مستهدفاً بشكل أساسي الاحتفاظ بسيطرته على موارد ومصادر الطاقة واحتواء ثورات الشعوب ونضالها والتفجرات الاجتماعية المحتملة التي ينطوي عليها الوضع الراهن.
وعبّر المشاركون في الاجتماع العالمي عن تضامنهم مع النضالات المتواصلة في كل البلدان ضد الهجمة الامبريالية العدوانية، من اجل التقدم الاجتماعي والاستقلال والسيادة والسلام والحق في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومن اجل بناء بدائل عن الهيمنة الامبريالية تحقق السيادة والتقدم، والبديل الجوهري الحقيقي للبربرية الرأسمالية، المتمثل بالاشتراكية. وأكد الاجتماع مجدداً الدور المحوري للطبقة العاملة وتحالفها مع الفئات الاخرى المناهضة للاحتكارات في الدفاع عن حقوقها، وتحديداً الحق في العمل، ومن اجل الحقوق العمالية والاجتم?عية، ودفاعاً عن الوظائف الاجتماعية للدولة.

تضامن عالمي

وعبّر الاجتماع العالمي عن تضامنه مع كل الشعوب التي تقاوم سياسات التدخل والعدوان الامبريالية، خصوصاً شعوب الشرق الأوسط. وحيّا النضالات المتواصلة في هذه المنطقة ضد كل أشكال العدوان والاضطهاد، ومن اجل السيادة والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والوحدة الوطنية، كما في مصر وتونس. وجدد تضامنه مع الشعب الفلسطيني ونضاله من اجل الحقوق القومية، وايضاً مع شعوب اخرى في المنطقة هي ضحية سياسات العدوان والتدخل الخارجي، مثل الشعب السوري.
ولفت الاجتماع الى بروز عوامل مهمة في مناطق مختلفة من العالم لاحتواء هيمنة الامبريالية. وحيّا المشاركون وثمّنوا نضال الشعوب والشيوعيين وقوى تقدمية أخرى في امريكا اللاتينية، معتبرين ان عمليات النضال من اجل التقدم الاجتماعي وتأكيد السيادة في هذه المنطقة، اضافة الى التعاون المستند على التضامن، تمثل عاملاً مهماً وحافزاً على تطوير وتعزيز النضال المعادي للامبرالية. وأكد الاجتماع مجدداً تضامنه مع كوبا والشعب الفنزويلي والشعوب الأخرى في المنطقة.
كما شدد الاجتماع على اهمية النضال دفاعاً عن الحريات الديمقراطية، وضد تقدم اليمين المتطرف وكره الأجانب والعنصرية، وضد التطرف الديني والظلامية، وضد معاداة الشيوعية. وأكد ايضاَ التضامن مع الأحزاب الشيوعية وكل القوى الثورية التي تعاني القمع السياسي وحملات معاداة الشيوعية، تحديداً في القارة الاوروبية، التي تنفذها حكومات عدة بالاضافة الى مؤسسات كالاتحاد الاوروبي.
وتضمنت معظم مداخلات الوفود الى الاجتماع العالمي عرضاً لتجارب ملموسة للنضال في بلدان ومناطق مختلفة في العالم. وأكدت انه حتى في الظروف الصعبة الراهنة تتوفر امكانات لتحقيق تقدم على طريق التحرر وانجازات ذات طابع مناهض للاحتكارات ومناهض للرأسمالية.
الاشتراكية .. البديل للرأسمالية وأزمتها

وجرى التأكيد على أن الاشتراكية تبرز على نحوٍ متزايد باعتبارها البديل الأساسي الحقيقي للرأسمالية وأزمتها. والى جانب استخلاص الدروس من الأخطاء والتشوهات التي واجهتها المبادىء الأساسية للاشتراكية، مع تقييم الجوانب الايجابية لبناء الاشتراكية وما تعنيه للبشرية، والإقرار بعدم وجود نماذج للثورة، أكد المشاركون على الدور الحاسم للجماهير في بناء وإدارة المجتمعات الاشتراكية.

تعزيز العمل المشترك

وأكد الاجتماع على أن الوضع العالمي الراهن يجعل من الضروري بشكل خاص تعزيز التعاون بين كل القوى التقدمية والمعادية للامبريالية، وأولا وقبل كل شيء بين الاحزاب الشيوعية والعمالية من كل ارجاء العالم. واعتبر ان هذا التعاون هو أحد أقوى الضمانات لتعزيز نضال الشعوب وبناء البديل الاشتراكي. وفي هذا السياق، تبرز اهمية الاجتماعات العالمية للأحزاب الشيوعية والعمالية كفضاء لتبادل المعلومات والتجارب والآراء، ولإمكان تحقيق تقارب في المواقف اتخاذ قرارات بشأن مبادرات مشتركة. وأكد الاجتماع على استمرارية الاجتماعات العالمية وتطويرها.
وبعد انتهاء مداخلات الاحزاب المشاركة في الاجتماع، نوقشت مجموعة من المقترحات التي أعدتها "مجموعة العمل" المكلفة بتنظيم الاجتماعات العالمية السنوية، للعمل المشترك في الفترة المقبلة، الى الاجتماع العالمي الـ16. وبعد إغنائها بأفكار ومقترحات اضافية، تم إقرارها بالاجماع.
ورحّب الاجتماع بوجود ثلاثة مقترحات لمكان انعقاد الاجتماع العالمي الـ16 في أواخر 2014. وسيحدد موعد هذا الاجتماع ومكانه وشعاره خلال اجتماع لاحق لـ"مجموعة العمل" المكلفة بالتهيئة للاجتماعات العالمية ومتابعة تنفيذ ما يخرج عنها من توصيات وتوجهات للعمل المشترك.