مدارات

مؤسسة المدى تستذكر السياسي والكاتب المغيَّب..صفاء الحافظ..

المناضل الذي نذر نفسه لقضايا شعبه ووطنه

 


قحطان جاسم جواد.. تصوير محمود رؤوف
مرة أخرى نلتقي في بيت المدى في احتفالية استذكارية للمناضل والكاتب ورئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة صفاء الحافظ. وهو من مناضلي الحزب الشيوعي. وقد دفع حياته ثمناً لنضاله أيام النظام السابق.
ولد الحافظ في آب 1923 بمدينة هيت لان والده كان يعمل في محكمة هيت ثم انتقل الى الحلة مع عمه بعد وفاة والده. بعدها انتقل الى بغداد ليعيش حياة قاسية ويكمل دراسته الجامعية في كلية الحقوق.وحصل على بعثة الى فرنسا لأنه الثاني على دفعته وحصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة السوربون.
وعاد الى العراق عام 1953وقام بتدريس مادة القانون الدولي في كلية الحقوق. بعد فترة اسقط النظام الجنسية عنه وغادر العراق الى فرنسا وسوريا ولبنان. بعد عام 1958 أعيدت له الجنسية وعاد للتدريس.وعاد مجدداً للمطاردة من قبل النظام في عام 1963 بسبب نشاطه الشيوعي. وظل مختفياً لفترة طويلة. ثم عاد بعد عام 1968 لنشاطه العلني الى ان قبض عليه النظام واعتقله أثناء إيصاله لزوجته لعملها. ولم يعرف اي شيء عنه منذ اعتقاله ولحد اليوم.
قدم للاحتفالية الشاعر إبراهيم الخياط الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام للأدباء الكتاب في العراق:ـ
تواصل المدى احتفاءها بالرموز الوطنية العراقية من وجوه سياسية واجتماعية وأكاديمية وثقافية ومسرحية. واليوم نستذكر معاً علماً لا ننساه ولا ينساه العراق الوفي ,هو المثقف والإنسان الشجاع والمناضل الأبي في سبيل قضية وطنية وشعبية. وهو الوطني المدرك والواعي لأهمية وعلمية فكره ولفاشية أعدائه.
هو الأستاذ المخلص والذي جسد مقولة(الشخص المناسب في المكان المناسب) وليس مثل اليوم حيث اصبح (الشخص المناسب في الزمان المناسب)هو الذي أستشهد رافع الرأس شامخاً أمام جلادي شعبنا..
هو البطل الصامد.. أمام الدراكولا مصاصي دماء شعبنا.. كان السجن له بطولة وكان القيد له خلخالاً وكانت المشنقة له أرجوحة لا نه ببساطة جداً مثقف انحاز للعدالة والحرية والجمال.. لصفاء الحافظ لولسون مانديلا ضحايا الفاشية في العراق والعالم. مرة ثانية نرحب بكم.
د. حسان عاكف قال:-
ان المناضل صفاء الحافظ هو إنسان راق بخلقه وعلمه وثقافته ونضاله. اسهم في نشاط الحزب الشيوعي عبر اكثر من مرفق, كان فيه نموذجا للمناضل الذي نذر نفسه لقضايا شعبه ووطنه.
في حين ذكر الشاعر نصير فليح رفيق زنزانة الحافظ انه كان وودودا وصلبا ويهتم بزملائه ورفاقه ويقدم لهم النصح والعون. وكان صامدا في مراحل التحقيق ولم يلن او يتراجع عن أفكاره اليسارية بالرغم من المواقف الصعبة التي مر بها في المعتقل.

المحامي هاتف الأعرجي قال:-
بغية الوقوف على الرأي الموضوعي فيما يتعلق بالعمل على إصلاح الأجهزة القضائية وأهميته -أجريت حواراً هاماً مع أستاذنا (صفاء الحافظ) الشخصية الوطنية والعلمية الهامة. فكان هذا الحديث الذي بدأناه من ان الحركة التقدمية في العراق وخلال تطورها المستقل قد أعارت اهتماماً كافياً لمعالجة العديد من القضايا العامة في بلادنا ومن البديهي ان ينصب جل اهتمامها على بلورة برامج واضحة في المجالين السياسي واقتصادي، ولكنها مع ذلك حاولت صياغة برامج أولية في حقول التربية والتعليم والثقافية.. وغيرها.
الا ان المؤسف انه لم يحظ جهاز القضاء باهتمام الكتاب التقدميين المعنيين، رغم كونه من المرافق الحساسة ذات الصلة المباشرة بحريات وحقوق المواطنين , سيما بعد الضربة الموجهة الى النظام الإقطاعي وامتداد سلطة القضاء الى بعض المناطق الريفية والتي كانت تخضع سابقاً الى العرف العشائري الإقطاعي في النظام الملكي وما يسمى بقانون العشائر.
فقال الحافظ في حواره:ـ
ان القضاء وهو أداة المشرع، ملزم بتطبيق القانون. والقانون كما هو معروف يعكس إرادة الطبقات التي تمسك بإدارة السلطة. فالقاعدة القانونية إذن تصوغ العلاقات الاجتماعية طبقاً لمصالح معينة، فهي كلمة الحاكمين بما تعكسه من أوضاع اقتصادية وما تمليه من قيم، وما تنشئه من مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية. ومؤسسة القضاء هي احدى المؤسسات التي ينشأها القانون ويلزمها باحترام أحكامه. ولكن الجوهر الطبقي للقاعدة القانونية يمنع الجماهير الشعبية من الكفاح من اجل احترام مبدأ المشروعية وتقييد سلطة إدارة ومنعها من العبث بحقوق المواطنين، ودون احترام لقيود قانونية موضوعية. والشعب عندما يتمسك بالمشروعية يكف في الوقت نفسه عن النضال من اجل تغيير القوانين الفاسدة ذات المحتوى الطبقي الرجعي واستبدالها بقوانين تقدمية جديدة.
ان مبدأ المشروعية يعني ممارسة الحكم في حدود القواعد القانونية المعلنة، وطبقا لها، ومراقبة الأفعال في ضوء الأحكام القانونية القائمة، وضمان ان هذه الأحكام تتحول فعلاً الى واقع مادي.
وأخيرا يمكن القول والحديث للدكتور (صفاء الحافظ) انه يمكن ان يكون للقضاء دوره ا بتحقيق استقلاله عن التدخل المباشر بشؤونه وتلك كانت سمة النظام وطبيعة السلطة في ان يكون كل شيء في خدمة السلطة والسلطات.
في إشارة د. صالح ياسر رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة:ـ
باسم هيئة تحرير مجلة (الثقافة الجديدة) أتوجه بالتحية والشكر لمنظمي هذه الفعالية المكرسة للاحتفاء بذكرى وطني نبيل ومناضل باسل قارع النظم المختلفة وسلط استبداد والعسف مدافعا عن مشروعين كبيرين، المشروع السياسي ممثلا في انخراطه ضمن صفوف الحزب الشيوعي العراقي مناضلاً من اجل(وطن حر وشعب سعيد)، والمشروع الثقافي ممثلا في مجلة (الثقافة الجديدة) التي كانت له المبادرة في وضع لبناتها الأولى سوية مع مجموعة من النخبة الثقافية الوطنية الديمقراطية في بلادنا في عام 1953واستمر يرافق تطورها واستمراريتها عدة عقود , حتى اختطفته قوى الأمن الفاشية بتاريخ 4 شباط 1980حيث اختطف من الشارع وهو يقوم بتوصيل زوجته الى مقر عملها في شارع الرشيد.
واسمحوا لي هنا ببعض الملاحظات السريعة حول أهمية المشروع الثقافي الذي ساهم الفقيد الحافظ في بنائه واقصد به مجلة الثقافة الجديدة، التي كما تعلمون، تأسست في تشرين الثاني 1953.
لم تكن (الثقافة الجديدة) مجرد حلم راود مجموعة من المثقفين الرواد الذين بادروا الى تأسيسها، بل كانت تتويجا لجهود حثيثة ومثابرة حولت الأمر من مجرد حلم الى فعل ثقافي - سياسي نشيط , وبفضل جدية المعنيين بصدورها آنذاك وفي مقدمتهم د. صفاء ومسعاهم الثابت الى ان تتحول المجلة الى مطبوع جديد يقدم بحق فكرا علميا وثقافة تقدمية، سعت (الثقافة الجديدة) الى تجسيد الفكرة والحلم عبر ممارسة الصراع الفكري والثقافي من خلال نقد الواقع السائد، وتفكيك خطابات القوى المسيطرة، ونشر الثقافة الوطنية والديمقراطية مستقطبة قطاعات واسعة من النخب الثقافية والباحثين الجادين، وقد ارتبط ظهورها أيضا بالأجواء السائدة آنذاك في بلادنا وفي المنطقة والعالم بعد النتائج التي ترتبت على الحرب العالمية الثانية والنهوض العاصف لقوى الديمقراطية والاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية والسلام والاشتراكية، وقد ساهم ذلك كله في بلورة فكرة هذا المنبر الجديد وتحولها الى واقع ملموس لتكون(الثقافة الجديدة) ليس رقماً عادياً من أرقام الإعلام والصحافة بل مطبوعا يبشر بجديد نوعي في الفكر والثقافة ويؤسس لنقد الواقع بمختلف بُناه، ويساعد في إعادة بناء الوعي الاجتماعي.
وفي مقال لصفاء الحافظ قال عن العدد الأول لمجلة الثقافة الجديدة
طبعت من العدد الأول ألفا نسخة فقط، تقديرا بان هذا الرقم هو السائد في السوق وهو اعلى رقم لمجلة فكرية. وعند الاتصال بأكبر موزع للمطبوعات آنذاك. عواد شيخ علي، تردد الرجل في قبول توزيع مجلة ناشئة ربما تجد طريقها الى التحقيقات الجنائية فور طرحها في الأسواق، ولكن الذي حدث (وكان مفاجأة لأسرة تحرير الثقافة الجديدة قبل ان تكون كذلك بالنسبة للموزع او للأصدقاء) ان العدد الأول منها نفذ خلال أيام ,بحيث لم يتوفر عدد إضافي يمكن ان يرسل للألوية (المحافظات) التي بدأت تطالب بها. الواقع إننا كنا نشك في ان البائع الرئيسي في (باب المعظم) كان قد تواطأ مع التحقيقات الجنائية وباعها كل ما لديه. ولكن الموزع عواد أكد لنا ان كل النسخ نفذت بسبب إقبال القراء عليها. ولإسناد رأيه طالبنا بمضاعفة النسخ وهو مستعد لدفع قيمتها مقدماً خلافاً للعرف الجاري آنذاك.

_________________________

المدى للثقافة و الفنون - شارع المتنبي

صباح الجمعة/ 6 كانون الاول/2013