المنبرالحر

بيروسترويكا أمريكية.. بنكهة الكاوبوي / محمود جدوع

ان الازمة السورية التي سارت في تصاعد سريع جدا الى حدود الذروة وذلك بدق ناقوس الحرب منذ فترة وجيزة وكان ذلك هوالحد الاعظم للازمة، بعدها بدأت هذه الازمة بالانحسار التدريجي من خلال الاتفاق الكيميائي.
وبدأت الادارة الامريكية بتخفيف حدة لهجتها تدريجيا حتى وصلت في بعض الاحيان حد الكلام بصيغة ايجابية نوعا ما تجاه سورية في بعض اطلالات المسؤولين الامريكان. ويبدو أن هذه اللهجة الايجابية استمرت تجاه سورية وتسارعت بسبب حاجة جميع الاطراف الدولية الى تسوية هذا النزاع المحلي، ذي الابعاد الدولية بامتياز، مع الاخذ في الاعتبار مصالح الدول الاقليمية في هذا النزاع ويبدو ان هناك بندا ضمن الاتفاق الروسي الامريكي، بانه سيتم القفز على هذه الدول الاقليمية ومصالحها اذا رفضت هذه الدول الانخراط في هذه التسوية. فكل من سيرفض نتائج التسوية سيجد نفسه خارج السرب باحثا عن مقومات واوراق قوة تبعد عنه شبح التحول، الى دافع ثمن لتسويات الكبار والتي بالضرورة تكون دائما على حساب احد ما وبالتأكيد سيكون ذلك منطبقا على دول الخليج والتي لا تزال تعارض واقع حتمية التسوية بناء على المعطيات الحالية على الاقل وقد تعزز الاتفاق الكيميائي السوري ببداية اتفاق الملف النووي الايراني مما يعزز بداية التسويات بالمنطقة على المدى البعيد.

نبوءة كيسنجر: الانتفاخ لدرجة الانفجار!

كان ولايزال الطرف الامريكي عراب جميع أزمات العالم وآخرها كان الازمة السورية وقد شد من عزم حلفائه واتباعه للانخراط في ممارسة الضغوط والتدخل بكل اشكاله لتصعيد هذه الازمة حتى حافة الهاوية بالتحضير لعدوان ومن ثم بدأ فجأة يمارس سياسة التراخي والتخلي وبشكل مباشر عن الحلفاء والذين تم حشدهم سابقا لهذه المهمة وهذه السياسة اشتهر بها الامريكي منذ زمن بعيد مثل ما فعلوا في فيتنام وفي ايران الشاه ومصر وتونس والسعودية بشكل ما مؤخرا بالتخلي عن حلفائه ليترك لكل حليف النجاة بنفسه
كما يشاء وليتكيف بالتعايش مع الظروف المستجدة كما هو الحال الان في منطقة الشرق الاوسط خاصة بعد الاتفاق النووي بين طهران والـ 5+1 وقد اصاب حلفاءه بهلع وقلق بالغين . ان هذا السيناريو بشكله العام ليس بجديد كما اسلفنا لكن الجديد حقا هي الظروف الملازمة للتحول الامريكي على الصعيد الدولي والاقليمي من ناحية، وعلى الصعيد الداخلي الامريكي من ناحية اخرى وبالاخص الرفض الشعبي الهائل لسياسة العدوان والحروب الامريكية الخارجية وهو الامر الذي يستحق التوقف عنده جديا اضافة الى الازمة المالية المعروفة وتفرعاتها مثل ارتفاع الدين العام وغيرها من الامور المالية..ألخ.
فالنموذج الامريكي في التمدد اللاعقلاني عسكريا وسياسيا بدأت نتائجه تتوضح بتدرج وتسارعت وتيرته هذا العام وبشكل ملحوظ فالولايات المتحدة التي استفادت كثيرا من موقعها الجغرافي في كونها بعيدة عن ساحات الصراع الدولي المباشر منذ الحربين العالميتين اعتادت ان يكون الداخل الامريكي محيدا عن واقع هذه الصراعات لكن في الوقت الراهن بدأت نتائج التمدد العسكري والسياسي والمبالغ فيه تعطي النتائج السلبية الواضحة على الداخل الامريكي وبالاخص الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الامريكي علما بأن هذه الجوانب كانت هي العمود الفقري والرئيسي الذي يدعم السياسات العسكرية والنفوذ السياسي الخارجي ان الدليل على هذا الاستقراء والتحليل هو ان الاتحاد السوفيتي لم يكن تنقصه الترسانة العسكرية حين انهياره ومن الجهة الاخرى لم تستطع هذه الترسانة الضخمة المحافظة على وجوده بل اصبحت عبئا عليه وتصعب ادارتها خاصة خلال الفوضى التي رافقت هذا الانهيار، ما افضى بجزء من هذه الترسانة لتكون مادة للتجارة والتسويق في عدة مناطق من العالم.
لو توفرت الموارد الاقتصادية لما كان هناك من مبرر لحالة الخلاف الذي جمد اقرار الموازنة:
والحقيقة بان احد اهم صانعي السياسة الامريكية في القرن الماضي هنري كيسنجر تحدث بوضوح عن سيناريو التمدد الزائد للدولة بوصفه سببا لانهيارها لاحقا ونوه انذاك الى ان سرعة الانهيار ستكون اعلى بكثير من سرعة التمدد خارج حدود الدولة وقد أثبت هذا التحليل في الواقع صحته لحد ما وقد انطبق بحرفيته على المانيا النازية وللاسف على الاتحاد السوفيتي لكن ما فات المنظر كيسنجر ان هذا السيناريو سينطبق على امريكا لاحقا فهي ليست دولة تغرد خارج نطاق تجارب التاريخ ومفهوم حتمية النتائج وهذا ليس ببعيد.
ان المؤشرات التي نتحدث عنها في البنية الامريكية لقد بدأت بالظهور بشكلها الواضح منذ سنوات قليلة وان كانت غير ظاهره وقتئذ الا لقلة من المختصين والباحثين لكن ادارة الصراع التي انتهجتها الادارة الامريكية اتجاه الازمة السورية قد سرع بالكشف عن عورة الضعف الامريكي المتزايد خارجيا وداخليا وقد بدأت حالة تسليط الاضواء اعلاميا على جميع جوانب البنيان الامريكي والذي كان مجرد النقاش أو التشكيك في حدود قدراته ضربا من المزاح منذ بضع سنوات خلت علما بأن هذه الاضاءة الاعلامية المتزايدة على المشكلات الداخلية الامريكية ستؤول بالضرورة الى مزيد من التشكيك وبالتالي يؤدي الى فقدان الثقة بالمارد الامريكي والدليل على ذلك أن أمريكا تملك 48% من ثروات العالم ولديها 49 مليون جائع وهذا ما سيفقدها عاملا مهما من عوامل سطوتها النفسية والتي لها اثر بالغ في الثقة بقوة امريكا عسكريا واقتصاديا بشكل خاص فالدولار المطبوع عندهم وبدون أي رصيد والذي يعتبر رائد السطوة الاقتصادية الامريكية عالميا بدأ يفقد ركائز الثقة المستقبلية به مع الحديث عن احتمال ظهور أساليب تسعير جديدة للعملات أو انشاء عملات جديدة وصناديق تمويل جديدة تكون مقياسا جديدا للتسعير بدل الدولار وهذه الخطوة المهمة في حال حصولها مستقبلا ستكون ترجمة فعلية وحتمية للشراكة الاقتصادية والسياسية للعمالقة الكبار الداخلين بقوة لمعترك السياسة الدولية وخاصة دول البريكس وبالاخص روسيا والصين . كما ان هناك مؤشرات اخرى دخلت دائرة الاهتمام مؤخرا لعل ابرزها حالة افلاس بعض البنوك وبعض الشركات ومؤخرا مدينة ديترويت عاصمة صناعة السيارات في امريكا وهناك مؤشر آخر له اهمية كبيرة ايضا وهو تزايد حالة التململ لبعض الولايات الغنية من سياسة الانضواء تحت مظلة الحكم الفدرالي وهذا مؤشر لرغبتها بالانفصال تدريجيا علما بان هذا المؤشر له من الخطورة حيز واسع : لانه يشكل شرخا اوليا قد يفضي الى تصدعات لاحقة في البنية الاتحادية الامريكية وستكون هذه التصدعات موضع التنفيذ الممكن عند حصول أي خلل اقتصادي اوسياسي أو بيئي كبير نسبيا عندها سيتكون واقع امريكي جديد له تاثير بالغ على الساحة الدولية فيما بعد. ان عدم اقرار الموازنة أو اقرارها بشكل مؤقت وما يتبعها حاليا من ارتدادات وصعوبات تزداد يوميا هي انعكاس للواقع وترجمة حقيقية لحالة الانتفاخ والتورم السياسي والاقتصادي والعسكري الامريكي وبعيدا عن البحث في الجزئيات والتفاصيل فيما يتعلق باصدار سندات الدين الحكومية ورفع سقف الدين حتى 17تريلون دولار مؤخرا وهو ما يعادل الناتج القومي لكن الدين العام هو 70 تريلون دولار وهذا يعادل أربعة اضعاف الناتج القومي وهذا مؤشر افلاساً اقتصادياً كما هو معروف لكن عند تنظيم بنود الانفاق الحكومي مع الأولويات المختلف عليها مثل قانون أوباما للتأمين الصحي في السياسات الاقتصادية
الامريكية يمكن لنا القول ببساطة انه لو كانت هناك موارد اقتصادية كافية تغطي سقوف الانفاق لما كان هناك اي مبرر لحالة الخلاف الذي جمد اقرار الموازنة بالرغم من الاتفاق الاخير على اقرارها لمدة مؤقتة وهذا ما يقودنا الى الاستنتاج بان الاستثمار الاعلامي للقوة الاقتصادية الامريكية قد بلغ نهايته وواجهت السياسة الاقتصادية الامريكية الامر الواقع، ولتكون على المحك مباشرة وهذا ما كشف مقدار ضعفها الفعلي وحالة البحث عن مخرج ما أو حل لسكتة دماغية مؤلمة لوقت طويل. ولن تمر دون نتائج، سيكون ابرزها الانكماش الحتمي للسياسة الخارجية العدائية والتي اتسمت بالتمدد المبالغ فيهو خاصة بعد فضيحة سنودن التجسسية التي فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها في كل انحاء الكرة الارضية وخاصة عند حلفائها. ان هذا الشرطي الذي امسك طويلا بعصاه وصافرته لينظم السير في تقاطعات العالم لم تعد عصاه تؤلم ولا صافرته تخيف القوى الآتية بقوة الى هذه التقاطعات ولم يعد قادرا على تنظيم السير بمفرده وسوف يستعين بغيره من اللاعبين الجدد مضطرا الى حين احالته الى التقاعد في المدى المنظور غير مأسوف عليه.

البيرسترويكا... بنكهة الكابوي

اوباما .المتردد والحذر...قائد الفريق حاليا والذي يصارع لهضم التناقضات الحالية والسابقة التي أورثه اياها اسلافه وطبيعة نظامه غير الاخلاقية يبدو جليا انه لن يكون قادرا على فرض الاصلاحات السياسية والاقتصادية مع الحفاظ على الموقع الامريكي المتقدم بل على العكس تماما فكلما تحرك في هذا الاتجاه داخليا وخارجيا يسير النظام الامريكي بالتراجع وبدرجات متفاوتة في مختلف المجالات وهذا ما يقودنا للحديث عن المقاربة المختلفة لسيناريو انهيار الاتحاد السوفيتي والبيرسترويكا الغورباتشوفية والتي اطاحت بالنظام الاشتراكي بالرغم من عدالته بتوزيع الثروة واخلاقياته وانجازاته الباهرة في جميع مناحي الحياة بصورة دراماتيكية من قمة الهرم نزولا حتى قاعدته .
فغورباتشوف والذي ورث تأريخا مثقلا بالاعباء الباهظة التكاليف سياسيا واقتصاديا وعسكريا كان لزاما عليه العمل باصلاحات شاملة مبتدئا بتخفيض الوجود العسكري والترسانة العسكرية وقد اعلن ذلك امام الامم المتحدة عام 1988رافق ذلك انسحابات عسكرية من مناطق نفوذ بات الوجود فيها مكلفا خاصة مع التراجع عن السيطرة على افغانستان نهاية الثمانينات وانهيار الانظمة الموالية في الدول الاشتراكية وبعض الدول الافريقية والعربية ذات التوجه الاشتراكي ومحاولة القيام بتغييرات جذرية لمحاولة اعادة توجيه النظام السوفيتي بشكل ما وباتجاه التوازن بين العداء والحصار الغربي الخارجي وسياسة التوسع والدعم المبالغ فيه لمنظومة الدول الاشتراكية ودول كثيرة اخرى في العالم انذاك وبدون أي مقابل مع محاولة استيعاب التناقضات الفكرية والاقتصادية الداخلية ولكن محاولة التغيير لم تفلح للأسف الا في تغير النظام برمته وانهياره اجمالا . ان المقاربة مع الوضع الامريكي مع فارق الاهداف للنظامين العالميين آنذاك هي ليست ببعيدة عما سبق بل لعلها تقترب منه حد التطابق في التسلسل الزمني العام للاحداث مع التداعيات السابقة الذكر ولو بشكل مختلف ونؤكد مع فارق الاهداف فالتوسع الامريكي السياسي والعسكري الهدف منه فرض مناطق نفوذ تدين بالولاء المطلق ومنهوبة الخيرات للراعي الامريكي وهذا التوسع قد فاق حدود المنطق واضحت القوات الامريكية تجوب اصقاع العالم مع وجود القواعد العسكرية في اغلب القارات وهي ذات كلفة مادية عالية جدا تقدر ب250مليار دولار سنويا وذلك حسب تقارير امريكية مطلعة لفرض ايقاع الهيبة والخوف على كل الدول المناوئة وهذا التوسع العسكري المترامي الاطراف اصبج يمثل عبئا اقتصاديا ثقيلا مقترنا بتكلفة اجتماعية داخلية تمثلت بحالة التململ من المغالاة الامريكية في لعب دور شرطي العالم كما حدث في العراق والذي كلف الميزانية الامريكية بحدود 4 ترليونات دولار علما بأن هذا المبلغ يكفي لبناء 8 ملايين وحدة سكنية للامريكيين المحتاجين وآلاف القتلى والجرحى عندها جرت المطالبة الجماهيرية الواسعة بعدم شن الحرب على سورية والاكتفاء بالعودة والاهتمام بالداخل الامريكي الذي يحفل بالمشكلات الاقتصادية، ومن جهة اخرى فان حالة تسرب الانظمة الموالية للولايات المتحدة من تبعيتها بدأت بالظهور بشكل واضح وحتى الدول التي كلفت أمريكا غالبا مثل حالة العراق وافغانستان لقد خرجت منها صفر اليدين كما يضاف الى ذلك تزايد اعداد الدول المناوئة لها وحتى القريبة منها وفي حديقتها الخلفية كما يقال دول أمريكا الجنوبية والتي بدأت تنتظم في التشكيل المواجه لأمريكا والمتمثل بروسيا والصين ومجموعة شنغهاي، والذي يحمل صفة التجمع الاقتصادي حاليا، ولكنه بدأ بالتحول الى تشكيل سياسي. ولا يخفى أن حالة العداء والتوتر المتزايد تجاه سياسة الولايات المتحدة اصبحت فوق قدرة الولايات المتحدة على تطويع مثل هذه الدول مثلا دولة مصر التي كانت رهينة المساعدة الامريكية لفترة طويلة جدا وبدأ الحراك السياسي في هذه الدول باتجاه مغاير يعتمد على التوازن بدل التبعية
المطلقة على احسن تقدير اذا لم يصل حد العداء اجمالا كل ما تقدم من تناقضات وسياسات خاطئة ستفرض على الرئيس الامريكي اجراء تغييرات في التوجه الامريكي سياسيا وعسكريا واقتصاديا وقد بدأت ملامح هذه التغييرات فعليا مع الانكفاء الامريكي واضحا في الوضع السوري والايراني والافغاني لاحقا يرافق ذلك تفاقم المشكلات الداخلية بشكل حاد سيجعل من المتعذر الاستمرار في الانفاق العسكري الهائل والذي يشكل اساس السطوة والنفوذ الأمريكي عالميا وهذه الاشكالات الداخلية العميقة والتي اصبحت بحاجة ماسة الى معالجة ملحة بدءا من الضمان الصحي الى البنوك المتعثرة الى مشكلة سندات الدين الحكومية وغيرها من المشاكل والتي جزء كبير منها في بنية النظام الرأسمالي نفسه ستلزم الرئيس الامريكي بمعالجة ما ويجب ان يقوم بها ملزما أو عن طيب خاطر ولكنها في المحصلة ستحمل ملامح بيرسترويكا غورباتشوف والتي انهت الكيان السوفيتي ويبدو انها ستنهي الكيان الأمريكي ولو بشكل ما أو جزئي .

النصائح الضائعة لتدجين روسيا والشراكة مع الصين

بالعودة الى المنظر كيسنجر الذي تحدث عن نهاية الحرب الباردة ومستلزمات ادارة الحقبة اللاحقة من امريكا نجد أن نصائحه لا تخلو من بعد في الرؤية لكن لم تأخذ في الاعتبار السياسات المعتمدة من قبل صانع القرار الامريكي فالسيد كيسنجر الذي نوه بوضوح الى النمو الاقتصادي الصيني منذ ثمانينيات القرن الماضي أشار الى ضرورة اعتبار الصين شريكا مستقبليا حتميا لأن هذا النمو الاقتصادي سيترجم بالضرورة نفوذا عسكريا وسياسيا خارج حدود الصين ولذلك يجب على امريكا استيعاب تمدد الصين بشراكة تجعلها حليفا لا عدوا في المستقبل . اما بالنسبة الى روسيا فقد اكد كيسنجر على احتمال عودة نهوضها مرة اخرى ولذلك يجب على امريكا تطويعها لتصبح عنصرا تابعا ولا ينبغي اعتماد سياسة عدائية اتجاهها لتبقى ضمن نطاق التعاون مع الولايات المتحدة. وكما الأمر مع الصين فقد تصرف صانعو القرار بكثير من الصلف والتعجرف تجاه روسيا بدءا من تنحيتها في أي تسويات أو قرارات تخص أي بلد في العالم حتى لو كان ذا أهمية استراتيجية لروسيا كما حصل في غزو أفغانستان واحتلال العراق ثم وصلت حد انشاء الدرع الصاروخية على الحدود الروسية وهذا ما كان في الحقيقة استفزازا غير مسبوق واهانة صريحة لدولة بحجم روسيا والحقيقة ان بداية التمرد الروسي على العصا الامريكية لم تتضح حتى حصول مشكلة أوسيتيا عندما ضربت روسيا كل التهديدات الأمريكية
بعدم التدخل عرض الحائط وكانت هذه أولى البوادر على استعادة الدور الروسي تدريجيا حصته في السياسة العالمية . لقد نسى أو تناسى السيد كيسنجر في المنطق التأريخي أن دولة بحجم روسيا جغرافيا واقتصاديا من جهة وبحجم ارثها التاريخي من جهة أخرى لا يمكن تقزيمها وبعراقتها التي تمتد جذورها مئات السنين من المؤكد ان ذلك سيترك بصماته على الاحلام السياسية الروسية في أخذ دور يليق بحجمها الجغرافي والاقتصادي وبعراقتها الضاربة بالتاريخ .

ألمانيا: الصعود في الفراغ

ان الحديث عن جذور العراقة الروسية تاريخيا يستتبع بالضرورة الحديث عن المانيا ذات التاريخ المعروف والعابق بأحلام التوسع وقد تحدثنا في وقت سابق عن المؤشرات الواضحة في السياسة الالمانية حاليا وفي طياتها تحمل بداية تمرد ناعم على التبعية الامريكية خاصة بعد فضيحة التجسس الامريكية المعروفة بفضيحة سنودن والضعف الواضح للاتحاد الاوربي الغارق بمشاكله المالية العميقة فمنطقيا فأنه بغض النظر عن نقاش احتمالية الانهيار الامريكي فان وجود قوتين بحجم روسيا وامريكا حاليا لايمنع وجود لاعبين ذوي نفوذ اقليمي يمارسون أدوارهم بالتوازي مع االلاعبين الكبار خاصة اذا أخذنا حالة الفراغ الأوربية الواضحة والتي ستشكل بيئة ملائمة جدا لنمو اللاعب الالماني خاصة بوجود بنية اقتصادية متينة تعطيه القدرة على تطويع جيرانه بطريقة سلسة وفي حال التداعي الامريكي المحتمل سيكون الدور الألماني أمام فرصة ذهبية للتمدد بسرعة أوربيا مع العلم أنه في الغالب لن يكون الدور الألماني مجافيا او مناوئا للدور الروسي بل على العكس سيكون دوره ضمن نسيج العباءة الروسية بشكل ما وأكثر مايمكن تشبيهه به أنه سيكون مسؤولا مباشرا عن أوربا بموافقة روسية والتنسيق معها لرعاية هذه المنطقة الحساسة في العالم. خيار الصفر المكعب: الدفاع بطريقة التهديد بالانتحار بعد سياسة الدفاع الاستراتيجي التي انتهجتها الولايات المتحدة ردحا من الزمن والتي تقوم في الاساس على اعتبار المبادرة بالتدخل المباشر وارسال القوات العسكرية والسيطرة على المناطق ذات الاهمية الاستراتيجية اقتصاديا وسياسيا وهي شكل من اشكال الدفاع المتقدم والمعتمد على المبادرة بالعدوان والسيطرة قبل تحول الاخطار المحتملة الى تهديد استراتيجي بالرغم ان هذا المنطق في العدوان الاستباقي لكل ماتراه امريكا خطرا قد حقق لها الكثير جدا من المكاسب خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي اذ لم يبقى من من ند او مناوئ في الساحة الدولية ليحد من قراراتها العدوانية عالميا الا أنه من جهة اخرى أدت هذه السياسة الى الكثير من النظرة العدوانية لأمريكا وبشاعة سياستها من قبل الكثير من دول العالم وشعوبها كما أن هذا التوسع اصبح عبئا ونزفا اقتصاديا هائلا لم تعد تعالجه المبيعات الهائلة للأسلحة ونهب الشعوب علما ان مبيعات الاسلحة تعتبر من أهم واردات الدخل الامريكي خاصة مع عودة المنافسين للسيطرة على حصص متزايدة من هذا السوق مثل بيلاروسيا وروسيا والصين وايران وكوريا الشمالية وغيرها ولايغيب عن الاذهان ان عمليات احتلال الدول وتطويعها لم تعد بالأمر الهين بعد التطور الهائل في وعي الشعوب بما فيها الشعب الامريكي كما أثبتت التجربة في محاولة الاعتداء على سورية مؤخرا بالاضافة الى التطور الهائل في منظومات الاسلحة الحديثة والتي باتت الكثير من الدول تمتلكها وتجربة احتلال العراق وافغانستان لاتغيب عن الاذهان فكلا البلدين كان يعاني تشظيا سياسيا وانهيارا اقتصاديا وحصارا طويلا مما جعل الدولة مجرد هيكل اشبه بالكرتوني وهذا الكلام لايمكن ان ينطبق على دول أخرى . ان حالة الدفاع عن الذات التي تنتهجها الولايات المتحدة حاليا، ربما ستفضي الى تغيير هذا النهج الدفاعي العدواني لعدم امكانية استخدامه كما ظهر جليا في الوضع السوري والايراني والكوري الشمالي مؤخرا ولذلك ليس من المستبعد في حال تضاؤل الخيارات امامها الى درجة تصفير هذه الخيارات ان تلجأ الى قلب الطاولة رأسا على عقب والتهديد بحروب أو تصرفات عدوانية انتحارية تفضي الى اضرار تلحق بجميع اللاعبين الدوليين كي لاتكون وحدها على سرير الموت بالمنطق العربي علي وعلى أعدائي وهذه التهديدات قد تشمل اسرائيل ايضا التي لن ترضى ان تكون في وضع المنتظر لما ستؤول اليه الأمور وستكون مبادرة بالأفعال العدوانية للحفاظ على أو على الأقل للتهديد بإيذاء الجميع اذا لم يتم لحظ مصالحها في أي تسويات قادمة .

ملخص استنتاجات

لاشك أن ما سبق من استنتاجات قد يؤكد الاحتمالات الممكنة التطبيق في ضوء التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية وهي بالتأكيد ليست غائبة عن ذهن أي من اللاعبين الدوليين وخاصة الطرف الروسي الذي يقوم بدور فاعل وناعم جدا بدور منظم لجميع التسويات التي تمت او التي في طريقها للتسوية ولاشك ان هذه المهمة صعبة للغاية فالتوافق بين مطالب ومصالح الجميع أمر غير ممكن لأنها متناقضة بالأساس ويبقى أن يتم توزيع المكاسب بطريقة نسبية ترضي جميع الأطراف ولو بشكل جزئي وتبعد شبح الانتحار الجماعي عبر المواحهة الشاملة وعندها سنكون أمام شكل جديد لنظام عالمي يخلف النظام السابق الذي استمر قرابة ربع قرن وفي الغالب سيكون نظاما ذا اقطاب محورية مع وجود أقطاب اقليمية موازية في كل منطقة يكون لها هامش واسع في التحرك اقليميا والمؤكد ان دولا مثل البرازيل والهند وايران وألمانيا وجنوب أفريقيا ستكون اقطاباً اقليمية لاحقا. ان سياسة الولايات المتحده تجاه العالم يمكن وصفها (بكوميديا الاخطاء) وللعلم ان العالم ينظر الى أمريكا كمفلس ماليا وينظر اليها بوضوح كقوة جيوسياسية مفلسة ايضا، وهي لاعب جيوسياسي مستهلك. وبعد كل ما تقدم يبقى لنا انتظار ماستؤول اليه الأمور لنتبين ما سيصبح من التوقعات واقعا حقيقيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر الأرقام والمالية بالمقالة:
American Inter Price Institute