رغم أنه كان في الخامسة والسبعين من عمره إلا أنه لم يبخل على الحي الذي هاجر إليه بجهوده.
المكان دمشق، والزمان منتصف العقد الماضي، والتفصيل هو حارة صغيرة تضم بيوتات صغيرة ونظيفة، استقبلت عوائل من العراق ..من كل انحاء العراق ومن بينها هذا الشيخ الذي رماه زمانه الى زقاق الشيخ مصطفى في حارة التركمان الدمشقية.
الشيخ تولى مسألة تنظيمية بحتة تتعلق بالعوائل القادمة حديثاً والهاربة من تزايد سوء الأوضاع الأمنية في العراق آنذاك.
أخذ هذا الرجل بزمام كل معاملاتهم الورقية وتفاصيلها وتسجيل أفراد العائلة كمقيمين في سوريا، لم يكن يضنيه المشي أو ركوب سيارات النقل الخاص، تعوّد أن يتولى أمر تسجيل الاطفال في المدارس ويتابع مناهجهم الدراسية المقابلة للصفوف التي غادروها، كان لديه علاقة طيبة بالسفارة العراقية في دمشق ويعرف كل موظفيها وهم بدورهم يعرفوه ايضاً.
ومع ذلك لم يكن يتقاضى أجراً او منفعة في المقابل، ربما بعض صحون حلاوة التمر التي يرسلها الجيران العراقيون خاصة في شهررمضان، وكان يشغل نفسه قبيل موعد الإفطار بصناعة اللبن العراقي وتبريده من أجل جيرانه.
في العيد، تقاطر العراقيون والسوريون على تحيته..منهم من جلب له علبة حلويات ومنهم من أخذ له هدية صغيرة، لكنه كان قد سبقهم بطبق من»الزردة»العراقية المزينة بالدارسين(القِرفة) للجميع.
إضطر في يوم ما ان يعود الى العراق لتسوية راتبه التقاعدي ولم يجد من يرافقه ففاجأه الجيران ببطاقة طائرة تغنيه عن تعب السفر بالباص الذي يدوم لأربعة عشرة ساعة.
وحينما عاد، كان القدر بانتظاره فرحل مثل عدد كبير من العراقيين وهم لا يعلمون لأي سبب ينفث الإرهاب سمّه على اجسادهم.
فقد هذا الشيخ حياته في اعتداء وحشي طال ساحة الطيران عام 2008.
وبلغ خبر مقتله اصدقاءه في دمشق، عراقيين وسوريين وملأ الحزن حارتهم.
وفي الحال نصبت عوائل الحارة سرادق عزاء تعلوه صورة هذا الشيخ الوحيد في هذه الدنيا.
جاء معزّون من كل أنحاء دمشق ليأخذوا بخاطر مواطنيهم العراقيين، وتبادل الجميع الحسرات على حظ هذا القلب الكبير وحظ العراق معه.
الى أن وقف أحد العراقيين امام السرادق متعجباً بعض الشيء.
وحين سأله الآخرون عن سبب علامات الإستغراب..أجاب : أنتم تتحدثون عن السيد (نادر)؟..هل هو المتوفي؟..أجابوه: نعم.
قال: هل تعلمون أن السيد (نادر) أو(ابو جميل) كان كردياً مسيحياً، لكنه مولود في بغداد..البعض قال نعرف به كردي الأصل والبعض قال ضنناه تركمانياً ..لكن الآخرين نفوا تماماً معرفتهم أو اهتمامهم بأي شيء من هذه المعلومات.
فعلاً ...إن درب الشيخ مصطفى هو المثال وهو الحل.