المنبرالحر

الفساد بمفهومه العام والخاص / الحقوقي طعمة العكيلي

قد لا نأتي بجديد حول اطروحة الفساد ويتأتى ذلك من خلال قدم هذا المفهوم. ولا يمكن الاستغراب منه لأنه ملاصق للحياة البشرية المثبتة على قطبي الخير والشر وقد تم تأشير ذلك في كل الشرائع السماوية وخاتمتها الشريعة الاسلامية حيث تم ذكرها في اكثر من موقع في الآيات والصور القرآنية، وكثيرا ما اشارت الوقائع الحياتية الى تغلب عنصر الخير على عنصر الشر بدليل ديمومة الحياة غير ان الخشية قائمة من ارتفاع نسبة الشر المتمثل في فعالياتنا هذه بمفهوم (الفساد المالي والاداري) والذي يرتبط بعضهما بالبعض الآخر بشكل وثيق فلا فساد مالياً الا وكانت الادارة هي المعجل باستشرائه ولا فساد إدارياً اذا لم يكن همه الاول المال من السحت الحرام.
ولنعد مرة أخرى الى ما جاء في اول الكلام وطرح السؤال المعروف للجميع (ما جدوى اقامة مثل هذه الفعاليات؟) وهل بالامكان ان تنصلح النفس الانسانية بالوعظ والتبشير بمفهوم الخير ام الاصلاح يتم من خلال إعمال مفهومي المراقبة والمعاقبة كطريق للحد من كوامن النفس البشرية المبنية على الانانية وحب الذات التي تقوم على اشباع حاجتها الفردية من دون النظر الى الآخرين في المجتمع الذي تعيش فيه هذه النفس المنحرفة. كإجابة على هذه التساؤلات يمكن القول:
ان هذه الفعاليات ضرورية ونقصد الاحتفاليات والمؤتمرات والمحاضرات اذا ما خرجت بتوصيات تؤشر موطن الخلل حيث ان تشخيص الحالة السلبية هو اولى الخطوات للعلاج وكما قيل (تشخيص المرض نصف العلاج) كما ان مثل هذه الفعاليات تقود الى ترسيخ مفهوم الادارة الرشيدة التي يمكن من خلالها كسر الآصرة بين (الفساد الاداري والمالي) حيث ان الادارة الرشيدة تقوم على ترسيخ المفاهيم العملية واهمها خلق البنية القانونية السليمة والقائمة على اساس اعادة مراجعة القوانين والتعليمات والاوامر التي تصدر بشكل آنٍ وتبقى فاعليتها ما يشكل منفذا للفساد حيث اشارت بعض الدراسات الى وجود اكثر من (3500) قانون وتعليمات وأوامر بحاجة الى فرز وتوحيد لكي يتم الخروج ببيئة قانونية سليمة تقوم اساسا على احترام النظام العام باعتباره يعني الغوص في الجزئيات التي تنخر هرم الحياة القانونية كما ان المهمة الثانية للادارة الرشيدة تقوم على وضع الاشخاص المناسبين في اماكن عملهم المناسبة وعدم التفريط بخبراتهم التي تُمكن من اخضاعهم للمحاسبة في حالة انحرافهم عن مجال اختصاصهم والتي ترسخ هذه الالية (نمط الشخص المناسب في العمل المناسب) واعمال علاقات الشفافية بين العاملين سواء كان ذلك بالمشاركة في الادارة والعمل كفريق عمل واحد (طبعا هذا لا يعتبر عدم وجود تراتبية في العمل) اي ان هذا الفريق يعمل بمفهوم معرفة الفرد بحدود مسؤولياته ومهامه التي يتوجب انجازها ليكون مبدأ الثواب والعقاب قائم بموجب البيئة القانونية السليمة التي هي مفهوم من مقومات فاعليتها.
كما ان الادارة الرشيدة هي التخطيط الستراتيجي الذي يتوجب الاتفاق عليه في (المنظمة) ونقصد الادارة التي هي السبيل للحد من مفهوم الفساد.
ان ظاهرة الفساد التي استشرت في العراق (ونعني ان حالات الفساد تحولت الى ظاهرة) فإن هذه الظاهرة تورمت بشكل جنوني وما عاد الا نعتها (بسرطان الفساد) ولم تأت من فراغ فهي وليدة الحروب والحصارات والاحتلالات اضافة الى وجود (حاضنة شعبية) لتقبل مفهوم الفساد بل ان البعض اصبح (يفقه) هذه الظاهرة واعتبار العمولات المقبوضة هي تمويل لاطراف انسانية تؤدي عملها لصالح الشعب بل ان المفهوم الشعبي يرسخ من خلال (الموظف السبع والمدبر حاله.. الخ) وبهذه المقدمة لا يمكن لنا كقسم للتحقيقات الا ان نقول ان الحد من ظاهرة الفساد وعدم اقدام الاقسام القانونية وتقليل الزخم يتأتى من خلال الاقتراحات:
1- تفعيل القانون ذي الرقم 15 لسنة 1958 (الكسب غير المشروع على حساب الشعب) والمشاع بشعار (من أين لك هذا..؟) حيث نلاحظ تضخم الحالات المالية لصغار الموظفين وعدم توافقها ومدخولاتهم. وإرفاق لائحة السلوك ببند عن كشف مصالحه المالية ابتداء من دخوله الخدمة الوظيفية وعدم اقتصار ذلك على كبار الموظفين والذي اشره قانون هيئة النزاهة ذي الرقم 55/2004.
2- تفعيل المادة الخاصة بالاخبار عن الهدايا التي تتأتى من خلال الوظيفة ووضع (الهدايا المليونية) في مكان يتناسب وقيمتها والالتزام باللائحة التنظيمية ذات الرقم (1) لسنة 2015 المادة 4 اولا/ ن،س.
3- التأكيد على ايجاد نظام للتقييم الخاص بالعاملين على وفق مفهوم الادارة الرشيدة القائمة على اساس (المشاركة في الادارة والشفافية في العلاقات) من خلال طرح استمارات استبيانية يعقد لها مؤتمر من اقسام تقييم الاداء في الشركات النفطية.
4- عدم الاستهانة بمفهوم الوقاية الذي هو اساس العمل الايجابي ومن خلال عقد الندوات وفتح باب طرح السلبيات بشكل مباشر وعدم الاكتفاء بالخطوط الساخنة او صناديق الشكاوى (بالرغم من اهميتها) حيث ان مفتاح الحرب والسلام هو (الكلام) وإدامة زخم تنفيذ المرحلة الثانية من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بمفهوم جديد يأخذ بنظر الاعتبار الدروس التي تم تأشيرها في السنوات (2010- 2014) وعدم التوقف في منتصف الطريق كما كان عليه الحال في المرحلة الاولى.
5- الارتقاء بالكادر الرقابي سواء من جانب الكفاءة او الاداء الايجابي وفهم مهامه ومسؤولياته بموجب القوانين المنظمة لعمله من خلال الدورات التطويرية وادخالها ضمن استمارة التقييم حيث ان ذلك فرز للجانب الرقابي عن الجانب التنفيذي وان التداخل بين المهمتين تنتج صحيفة عملية مشوهة سيما ان النظام العام قائم على الفصل بين السلطات التنفيذية (الحكومة) والرقابية (البرلمان) والقضائية (مجلس القضاء الاعلى).
اما على الصعيد العام فأن خير ما استوقفنا هو البيان الصحفي الذي جاءت به (منظمة النزاهة في الحكم العالمية) التي استنتجت في احدى الدراسات مؤخرا ان اخطر منفذ للفساد عالمياً يتمثل في الاموال المستخدمة في النشاط السياسي من دون ان تكون خاضعة للتصحيح حيث قال المدير التنفيذي (لمنظمة النزاهة في الحكم الدولي) السيد ناثائيل هيللار "لقد كان ضعف الشفافية حول عملية التمويل للاحزاب السياسية للعام الثالث على التوالي اضعف عنصر من عناصر الاطارات الخاضعة بمكافحة الفساد في معظم الدول المدروسة" والتي كان بلدنا العراق من ضمنها والبالغة (57) دولة.
واضاف هيللار: هناك حاجة ماسة لحمايات تعمل بفاعلية افضل لضبط ما للأموال من تأثير في النشاط السياسي وذلك اذا كنا بالفعل جادين في تقليص الفساد وسوء استغلال السلطة في كل من عالم الدول المتطورة وعالم الدول النامية على حد سواء.
ولنا في ذلك دروس كثيرة لا يمكن التوسع فيها في مثل هذه العجالة.