المنبرالحر

جرير... ناقداً / ريسان الخزعلي

.. جرير.. شاعر معروف نشأ في عائلة فقيرة بسيطة، عاش في العصر الأموي، وتوفي سنة 114 هـ. له البيت الشعري الشائع:
«إنَّ العيونَ في التي طرفها حَوَرٌ / قتلننا ثمَّ لم يحيينَ قتلانا»
لا أريد ان استذكره شاعراً في هذه الاشارة، وانما ناقداً. كما ان غايتي من هذه الاشارة، ان أُشير الى ظاهرة غير صحية شاعت في وسطنا الثقافي بصورة أوضح بعد عام 2003، حيث يواجه النقاد الكثير من الكلام اللاذع حول ما يكتبونه او يقولونه من نقد في الصحافة وصفحات التواصل الاجتماعي على السواء؛ وكأن المطلوب من النقد، ان يقيم مهرجانات احتفائية لكل ما يكتب وينشر.
ان معظم الذين يترددون من قبول النقد، هم من الأدباء الشباب؛ متناسين ان النقد هو كشف وتوضيح وتصحيح وتقييم، من أجل استخلاص النوع من الكم.
- في حوار دار بين عبد الملك بن مروان والشاعر جرير، هذا نصهُ:
- مَنْ أشعر الناس ؟
- ابن العشرين (ويقصد الشاعر طرفه بن العبد).
- فما رايك في ابن أبي سلمى؟ (ويقصد زهيراً وابنه كعبا).
- كان شعرهما نيّراً يا أمير المؤمنين!
- فما تقول في امرئ القيس؟
- اتخذَ الخبيثُ الشعرَ نعلين، وأُقسم باللهِ لو أدركته لرفعت ذلاذله.
- فما تقولُ في ذي الرُّمة؟
- قَدَرَ من ظريف الشعر وغريبه وحَسَنهِ ما لم يقدر عليه احدٌ.
- فما تقولُ في الأخطل؟
- ما أخرج لسانُ ابن النصرانية ما في صدره من شعر حتى مات.
- فما تقولُ في الفرزدق؟
- في يده، واللهِ، يا أمير المؤمنين نَبْعة من الشعر قد قبض عليها.
- فما أراكَ أبقيت لنفسك شيئاً!
- بلى والله! اني لمدينة الشعر التي منها يخرج واليها يعود، نَسبتُ فأطربتُ، وهجوت فأرديت، ومدحتُ فسنيّت، ورجزتُ فأبحرت. فأنا قلت ضروب الشعر كلها، وكل واحد قال نوعا منها.
- صدقت !
- من هذه الحوارية الصادقة، نجد عمق الذات وتعاليها على ذوات الآخرين دون مساسٍ جارح يصدر من الشاعر / الناقد، ودون ردٍّ فاضحٍ من المنصت.
ان الموقف هذا، يذكرنا بما فعله الشاعر (عزرا باوند) بقصيدة «الارض الخراب» للشاعر إليوت، وقد أجرى عليها الكثير من التعديلات وبعض الحذف وبرضىً من إليوت.
وبالعراقي كان صوت أحدهم:
عله حچيك هذا..، شنهي إتريدنه إنشكك كتاباتنه حتى يرضى علينه النقّاد!