- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 29 حزيران/يونيو 2015 18:49

عشية ثورة العشرين المجيدة قاومت الجماهير الشعبية السياسات الاستعمارية للمحتلين الانجليز منذ ايام العدوان البريطاني الاولى، وكان سكان المدن المقدسة في النجف وكربلاء والمناطق التي تساندها، في طليعة من قاوم المحتلين الاجانب بعنف وحظيت هذه المقاومة الشعبية العفوية بتأييد ومساندة رؤساء القبائل ووجهاء المدن المقدسة، الذين احسوا ان سياسة المحتلين موجهه ضدهم اساسا. وقبل ذلك حدثت الانتفاضة التي اشتعلت في النجف والكوفة وابو صخير في تشرين الاول والثاني عام 1917 وانتفاضة عام 1918 في النجف الاشرف التي من خلالها قاومت الحملات العسكرية التي جهزته? السلطات البريطانية طوال شهر كامل ...وكان على رأس هذه الانتفاضة الشعبية رجال الدين والتجار وطلاب المدارس الدينية الذين ينتمون الى جمعية النهضة الاسلامية (المصدر عبد الرزاق الحسني) وقال المندوب السامي البريطاني في اذار 1918 (بناء على تقرير الموظفين الانجليز في الهند ) ان الوضع قد تغيير كليا في الوقت الحاضر ولكي نحصل من العراق على ما ينبغي ، علينا تغيير سياستنا في هذه البلاد تحت شعارات جديدة ، قد تكون المواجهة العربية اكثر عنفاً مما كنا نتوقعه ( المصدر نفسه ). بعد انتهاء الاشتباكات المسلحة اصدر الانكليز بيانات مبهمة عدة عن رغبتهم في العمل على تحقيق آمال الشعب العراقي في انهاء الاستغلال. ومن بينها البيان الذي تضمن النقاط الاربعة عشر للرئيس ولسن والتي ناقشها الوطنيون في العراق. ونالت تأييدا واسعا حيث وثق عدد كبير من قادة الحركة الوطنية بتلك الوعود في بادىء الامر ، إلا أنه سرعان ما انكشف زيف الوعود التي قطعها المستعمرون على انفسهم.
والقرار الثاني الذي كشف نيات المحتلين الحقيقية هو اجراء الاستفتاء العام في الفترة بين نهاية عام 1918 وبداية عام 1919 بشأن نظام الحكم المرتقب وكانت طريقة الاستفتاء هي : التصديق على طلب في صيغة معينة يقدم الى السلطات البريطانية ويتضمن جميع الشروط التي وضعها الانكليز المستعمرون بما في ذلك الابقاء على الحكم الدكتاتوري البريطاني المباشر .. وبالرغم من التهديد والتنكيل فإن السلطات البريطانية لم تستطع احراز أية نتائج ايجابية في هذا الاستفتاء . في الموصل احبط المحتلون محاولات لعقد اجتماعات عامة ضد الاستفتاء، بينما ?قدت اجتماعات في بغداد والكاظمية كان التجار ورجال الدين والمثقفون من انشط المساهمين في وضع القرارات المعادية للإنكليز . إلا أنه اتضح إن المقاومين لسيادة بريطانيا المباشرة على العراق لم يكونوا متحدين في مواقفهم ومع ذلك تأسست جمعية (حرس الاستقلال) والشروع بتأسيس خلايا عديدة لها في بغداد ، وبغية توسيع النشاط الدعائي ضد الاستعمار فقد قررت الكتل الوطنية في بغداد اصدار جريدة وتأسيس ناد سياسي وجرت حوادث مشابهة في المدن الاخرى في العراق خاصة في مناطق الفرات الاوسط ، حيث عقدت في كربلاء اجتماعات مفتوحة لرجال الدين وتلامذة المدارس الدينية لبحث القضايا السياسية في البلاد. وفي هذه الفترة بالذات بدأ التنسيق لنشاط الفئات الوطنية المؤيدة لجمعية ( حرس الاستقلال) بعد ان تأكد رجال الدين وشيوخ العشائر والشخصيات الوطنية في الفرات الاوسط وكربلاء والنجف والرميثة والحلة من ان المحتلين الانكليز لا يفون بوعودهم التي جاءوا بها (محررين لا فاتحين) وقد تبادلوا المذكرات والمضابط لتحقيق وعودهم من دون جدوى بل قام المحتلون الانكليز باعتقال العلامة محمد رضا الحائري الشيرازي في كربلاء ونفيه مع شخصيات وطنية اخرى الى الحلة ومن ثم الى البصرة وبعد ذلك الى جزيرة (انجام) في الخليج العربي وجرت تظاهرات في كل من كربلاء والنجف والحلة والرميثة وكذلك جرت اجتماعات للتحريض على الثورة. وتبودلت الرسائل بين شيوخ القبائل وفي منطقة الفرات الاوسط بشكل خاص حيث اتفق على ان يكون الاجتماع في مضيف الحاج عبد الكاظم الحاج سكر في المشخاب.
وفي التاسع والعشرين من حزيران عام 1920 وفد على المضيف وجهاء العشائر والقبائل يتقدمهم السيد علوان الياسري وسلمان العبطان وعبد الواحد سكر ومحمد العبطان وسيد هادي مكوطر والسيد نور السيد عزيز وعبد آل صفوك والشيخ رحومي الظالمي والسيد باقر الحلي وعبد الرحمن خضر . ثم جاء السيد محسن ابو طبيخ وهنين الحنون وجرَي مريح ولفيف من الرؤساء والزعماء الآخرين ، للمداولة في الحالة السياسية السائدة .
فوقف باقر الحلي وتلى هذه الابيات :
بني يعرب لا تأمنوا للعدى مكرا
خذوا حذركم منهم فقد اخذوا الحذرا
يريدون فيكم بالوعود مكيدة
ويبغون أن حانت بكم فرصة غدرا
ثم ان هذه الارهاصات النضالية التي سبقت حدوث الثورة كانت اساس التحضير لثورة العشرين المجيدة التي عمت العراق من الوسط والجنوب وصولا الى الشمال . ولم تهدأ الثورة وبقيت جذوتها تتوهج حتى انبثاق ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 بقيادة جبهة الاتحاد الوطني والضباط الاحرار وعلى رأسهم الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم.