المنبرالحر

ولاء المواطنة في عالم الرقمنة والمعلوماتية / د. عادل مطلوب

مقدمة
إن الخلاف الذي أثير بين مكتب الاتحاد الفدرالي الامريكي وشركة أبل حول سحب المعلومات الموجودة على الهواتف النقالة المصنعة من قبل شركة أبل يثير أكثر من تساؤل حول الدور الجديد الذي تلعبه شركات التكنولوجيا العملاقة وعلاقتها بزبائنها ومؤسسات الدولة المنبثقة من تشكيلات جاءت عبر صناديق الانتخاب بغض النظر عن الدور الموكل لهذه المؤسسات.
إن العثور على أيفون في السيارة المستأجرة والمستخدمة من قبل سيد رضوان فاروق وتاشفين مالك هي التي بدأت كل شيء، بعد قتلهما على يد الشرطة في كانون الأول. قبل أربع ساعات من قتلهما، قام الاثنان بقتل 14 شخصا وأصابة 22 أخرين في إطلاق النار جماعي في "سان برنادينو"، كاليفورنيا.
يعتقد مكتب التحقيقات الفدرالي بإن الهواتف تحمل أدلة قيمة ولكن لم تتمكن من تجاوز شاشة قفل الهاتف للوصول إلى المعلومات المخزنة. بعد الحادث، طالب مكتب التحقيقات الفدرالي علنا من أبل بالمساعدة في فتح الهواتف، لكن أبل رفضت ذلك.
احتج الرئيس التنفيذي للشركة تيم كوك، في رسالة مفتوحة إلى الزبائن نشرت في موقع أبل، ردا على طلب مكتب التحقيقات الفدرالي معتبرا أن فك الهاتف سيضعف من أمان جميع هواتف الأيفون. وأوضح كوك بأن العصيان المدني لأبل يشكل موقفا ضد الحكومة الأمريكية لحماية حقوق جميع زبائنها. لقد كانت خطوة شعبية حيث تم مشاركة الرسالة من قبل مئات آلاف عبر مواقع وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
هذه المواجهة الشعبية لم يسبق لها مثيل، وإنها تسلط الضوء على السلطة لأبل – ومثيلاتها من عمالقة التكنولوجيا– على حسابات مستخدميها. ما يريده مكتب التحقيقات الفدرالي هو أمر يمكن تحقيقه من وجهة نظر تقنية. ولكنه حقل ألغام سياسي. وبإختيار طريق المواجهة بشكل مفتوح، يأمل كل من مكتب التحقيقات الفدرالي وأبل في التوصل الى سابقة من خلال محكمة للرأي العام في المعركة الجارية حول من له السيطرة على البيانات الخاصة، التي تتزايد أهميتها لحياتنا الواسعة.
شركات عمالقة التكنولوجيا والدول
يقول إيان براون من معهد أكسفورد للإنترنت في المملكة المتحدة: إن "رسالة تيم كوك هي إعلان حقيقي للحرب. أنها الحرب الأولى تقريبا لعصر المعلومات بين الدولة وجهات غير الدولة– الجهات الفاعلة غير التابعة للدولة الأقوى في العالم".
إن مواجهة من هذا النوع كانت محتدمة منذ أن أعلن سنودن إدوارد الإفراج عن الوثائق التي تلقي الضوء على التطفل السري للحكومة الأمريكية على مواطنيها. التي دفعت العديد من الشركات التقنية إلى الإدلاء بمواقف عامة معارضة لأنشطة المراقبة هذه.
في وضع أنفسهم في معارضة الدول، اتخذ عمالقة التكنولوجيا بعضا من خصائص الدولة. ويقول براون. "إذا نظرتم إلى جوجل ومايكروسوفت، ليس فقط لديهم سلطة الدول، حتى أنهم منظمين أنفسهم مثل الدول، مثلا تمتلك مايكروسوفت خدمة خارجية تتفاوض مع الحكومات الأجنبية". وفيسبوك لها وحدة مكافحة إرهاب داخلية خاصة بها.
هل سيدعم المواطنون شركات تدافع عنهم؟ على حساب مواقف حكوماتهم!
يرى بول برنال من جامعة شرق أنغليا، في المملكة المتحدة، توازيا بين معركة أبل مع مكتب التحقيقات الفدرالي ومعركة فيسبوك الأخيرة مع منظم قطاع الاتصالات في الهند. ويقول "هناك شعور بأن عمالقة التكنولوجيا هي الموجه الجديد للإستعمار، بطريقة أنها تقوم بإنشاء إمبراطوريات خاصة بهم."
كما يشير هاري هالبين من "اتحاد الشبكة العكبوتية الدولية" إلى أن هذه الشركات أيضا تشارك بوظائف معينة هي من إختصاص الدول. مثلا تصدر الحكومات لمواطنيها جوازات سفر ورخص سياقة للتحقق من الهوية. ونحن على الإنترنت نستخدم ما يعرفنا لجوجل وفيسبوك وأبل. إن نظم الدفع الرقمية المرتبطة بهذه المعرفات، مثل محفظة جوجل ودفع أبل، تعطي هذه الشركات تأثيرا أكبر. وهذا ما يسمح لعمالقة التكنولوجيا في العالم بتنظيم الحصول على أموالنا وممتلكاتنا الرقمية وبياناتنا.
ويضيف هالبين "إنه ليس الدول القومية أصبحت أقل قوة، وأنما البعض من أدوارها جرى استيعابها بما بعد الأطر الوطنية".
إن إمتلاك شركات التكنولوجيا الكبيرة قوة " مثل قوة الدولة " واضح أيضا في قدرتها على تقليل فواتيرها الضريبية في العالم ووضع أنفسهم في المعارضة المباشرة للحكومات. ففي عام 2014، وعلى سبيل المثال، نقلت جوجل 14 بیلیون دولار من الاتحاد الأوروبي لتجنب الضرائب.
بطبيعة الحال، هناك عدد من الشركات متعددة الجنسيات تمتلك سلطات كبيرة. بسبب حجمها، على سبيل المثال، شركة النفط إكسون لديها الكثير من النفوذ في البلدان التي تعمل فيها. كما أنها ليست ظاهرة جديدة. ففي القرن الثامن عشر كانت شركة الهند الشرقية هي التي تدير الهند، والسلسلة المصرفية لبارنجز كانت توصف كواحدة من القوى العظمى الست في أوروبا.
تمتلك عمالقة التكنولوجيا شيئا جديد: الولاء للعلامة التجارية، حيث هناك الملايين من العملاء المخلصين، العديد منهم اختار الوقوف إلى جانب الشركات على الوقوف مع حكوماتهم. وهذا ينطبق بشكل خاص في النزاع حول الخصوصية والتشفير. وفي ضوء هذا، أبل هي حامية لمواطنيها.
يقول نيخيل باهوا، المؤسس المشارك "لمؤسسة حرية الإنترنت" الهندية. "إنك دائماً بحاجة لوقوف شخص واحد، والآخرين يتبعون. لكن هل هذا هو شيء جيد؟. قاد باهوا وزملاؤه حملة "إنقاذ الإنترنت" التي ساعدت في هزيمة "برنامج الأساسيات المجاني" للفيسبوك في الهند – الحملة التي هاجمت ذرائع "الفيسبوك لتكون شبه دولة" إلى حد كبير.
لكن، يدعم باهوا سلوك أبل. لأن أبل على الأقل توفر أموالها من بيع الأجهزة، كما يقول. بينما فيسبوك توفر أموالها عن طريق بيع بيانات المستخدمين. بالنسبة الى باهوا، نموذج الأعمال التجارية لشركة أبل يجعلها قوة حميدة، ويختلف معه براون. لأن موقف أبل فيه الكثير من المفارقات الكبرى، كما يقول. إن حماية أبل خصوصية المستخدم، قد يكون شيء جيد – ومناشدي دعاة الخصوصية يشيدون بموقف الشركة – ولكن تراكم السلطة أمر خطر.
لا ينبغي أن تكون شركات التكنولوجيا فوق سيادة القانون بسبب حجم قاعدة زبائنها. بالرغم من كل أخطاء مكتب التحقيقات الفدرالي، إلا أن الوكالة برزت من رحم نظام ديمقراطي– على الأقل من حيث المبدأ – تم تصميمه لمواطنيها. بينما أبل خرجت من رحم السوق الحرة، وهي مدينة فقط لمساهميها. "كيف يمكن تطبيق المفاهيم التي أعاقت الدول في الماضي – حقوق الإنسان، واتفاقيات الحرب، اتفاقات التجارة؟" يسأل براون.
بطبيعة الحال، من المهم أن نتذكر أن موقف أبل العام في المواجهة يمكن أن يكون مجرد لعبة تريليون دولار لرمي الرماد في العيون. أبل بشكل متكرر طلبت من مكتب التحقيقات الفيدرالي أن يكون طلبها سريا، وخفيا عن عيون العامة. أبل يمكن أن تدور وراء الكواليس، وتلتزم بأوامر محكمة سرية، وتسلم المفاتيح الخاصة. ليس لدينا أي وسيلة لمعرفة ذلك.
يقول باهوا "إن هذه لحظة في التاريخ. سنرى ما إذا كان المواطنون سيدعمون الشركات التي تقف معهم أم لا". في الولايات المتحدة، ينجرف الرأي العام بسهولة بالشواغل المتعلقة بالأمن الوطني. وفي النهاية، كل شيء سيتعلق بما هو موجود على هذا الهاتف – إذا تمكنا من معرفة ذلك أصلا.
ماذا تريد الحكومة الأمريكية؟
يريد مكتب التحقيقات الفدرالي الوصول إلى البيانات المخزنة على الأيفون المستخدم من قبل أحد الرماة في "سان برنادينو". إن الهاتف هو ملك لرب عمل مطلق النار– المركز الإقليمي الداخلي – الذي أعطى الإذن لمكتب التحقيقات الفدرالي للوصول إليه. لكن البيانات مشفرة والطريقة الوحيدة للوصول إليها هي بفتح الهاتف باستخدام الرقم السري الذي لا يملكه مكتب التحقيقات الفدرالي.
لا يمكن فك الرقم السري بتكرار محاولة تركيب أعداد مختلفة لأن الهاتف يحتوي على ميزة أمان تضيف تأخير في طول الوقت بعد كل محاولة غير صحيحة. ما هو أكثر من ذلك، لا يمكن تجاوز الرقم السري – بفتح الهاتف ونسخ البيانات– لأن التشفير في الهاتف مرتبط بمفتاح فريد لجهاز على الهاتف نفسه. وباختصار، لا يمكن لمكتب التحقيقات الفدرالي فتح الهاتف إلا بمساعدة أبل فقط.
طلبت الوكالة من أبل بناء نسخة خاصة من نظام التشغيل لأيفون، الذي يمكن أن ينُصب عنوة على الهاتف المغلق دون مسح البيانات. وإزالة ميزة التحديث التي تدخل التأخير بعد إدخالات الارقام السرية غير الصحيحة، لأنه يمكن توليد أعداد هائلة من التخمينات في جهاز كمبيوتر، وفتح الهاتف في نهاية المطاف. لكن يشير باحثو أمن المعلومات إلى أنه حتى في ذلك يمكن أن يكون هناك إستغراقا طويلاً للوقت. إذا تم تأمين الهاتف بكلمة مرور مكونة من أربعة أرقام فسوف يستغرق هذا بضعة دقائق. ولكن لو أن الهاتف مؤمن بكلمة مرور مكونة من ستة أحرف وأرقام فإن ذلك يمكن أن يستغرق أكثر من 300 سنة.
لا تزال، أبل تعترض من حيث المبدأ. وتقول بأن فتح هاتف واحد هو بمثابة فتح لجميع الهواتف، ما يعادل إنشاء مفتاح رئيسي قادر على فتح مئات الملايين من الأقفال. وبحسب المدير التنفيذي للشركة فإن تصميم برنامج لتجاوز التشفير هو مماثل لأصابة الايفون بمرض السرطان.