مجتمع مدني

انتقادات لعمل الشركات النفطية في البصرة: ودعوات إلى إعادة النظر في العقود / علي ابو عراق

ترتفع الأصوات بحدة في الأيام الأخيرة ومن جهات مختلفة، مواطنون، سياسيون، رجال دين، مسؤولون، حكوميون، حول عقود الاستثمارات النفطية التي أبرمت قبل نحو خمس سنوات لتصعيد الطاقات الإنتاجية والخزنية والتصديرية ويصفونها "بغير المثمرة والمستعجلة ودون الطموح ويجب إعادة النظر فيها".
ورأى الخبير النفطي الدكتور عبد الجبار الحلفي في ارتفاع هذه الأصوات في هذه الفترة تحديدا، "انعكاسا لصدمة انخفاض أسعار النفط العالمي في بلد ريعي يعتمد في معظم موازنته على عوائد النفط، فضلا عن كون بعضها جزءا من الضجيج الإعلامي".
غير أن عضو لجنة النفط والغاز البرلمانية زاهر العبادي، عن تيار الاصلاح رأى أن العقود التي "أبرمت مع الشركات النفطية الاستثمارية كانت في غايتها النهائية وفحواها هو يجب أن يكون هناك مكسب واضح للعراق يتمثل بالمردودات المالية، خصوصا أن ما أعلن في البداية هو أن قيمة استخراج البرميل الواحد من النفط لا تتعدى الدولار و75 سنتا وبهذا ستكون هناك عوائد كبيرة تنقل العراق إلى مرحلة جديدة من النمو والوفرة. مقابل فائدة بسيطة للشركات، لكن في عمليات التنفيذ برزت معطيات أخرى على الأرض كانت عكس المخطط له، ومنها ارتفاع تكلفة البرميل الواحد الى حد كبير، وهي تكلفة مدفوعة الثمن وتعتبر كلفا مستردة، وفي حالة عدم استردادها خلال سنة تزداد فوائدها عبر ضرائب وأرباح تحتسب لهذه الشركات".
واضاف لـ"طريق الشعب"، "المعطيات الجديدة كشفت عن أن تكلفة استخراج البرميل الواحد من النفط أعلى بكثير من المتفق عليه، اذ أن تكلفة الاستخراج التي وقعت عليها الوزارة والشركات بحسب سقف محدد لا يتجاوز الدولارين غير أن لهذه الشركات مصروفات أضافية وتنفق ما يحلو لها من امن وغذاء وتدريب وسفر والتي تضاف باعتبارها كلف مستردة فارتفعت تكلفة البرميل من 20 الى 25 دولارا تستقطع من بيع النفط، لذا كان لانخفاض النفط تأثيرات كارثية ".
وحسب خبراء نفطيين ان "التخفيضات في الموازنة تأتي انعكاسا للأزمة المالية الناجمة عن سنوات من سوء الإدارة والتي تفاقمت بسبب ارتفاع الإنفاق المرتبط بالحرب ضد داعش، وتراجع الإيرادات بسبب انخفاض سعر النفط. فالعراق ليس لديه المدخرات النقدية ولديه القليل من القدرة على جمع التمويل وبسبب مشاكل التدفق النقدي، فقد كان العراق غير قادر على تسليم المدفوعات في الوقت المناسب لشركات النفط الدولية. وابتداء من الشهر الماضي، ما زال يدين لشركات النفط العالمية بقرابة 9 مليارات دولار من عام 2014"
واردف العبادي "ناقشنا هذا مع إدارة الشركات كلجنة برلمانية فقالوا أن الكلف ستنخفض خلال خمس سنوات اي بعد استكمال المنشآت النفطية والبنية التحتية للحقول ثم يبدأ بالهبوط باعتبار أن ليس هناك منشآت تبنى بعد هذه الفترة"، متسائلا "ولكن من يثبت صحة هذا الكلام والشركات همها تحقيق اعلى معدلات الربح".
وأشار إلى ان "الموضوع يحتاج الى دراسة واسعة. فهناك عقود أحيلت الى شركات واندثرت قبل التنفيذ وبالتالي تكون هناك كلف مستردة على الوزارة دفعها".
وذكر ان "التصعيد لا يخدم أحدا حتى لو كان قضية عامة وتخص الجميع"، مؤكدا "كلنا لدينا ملاحظات كلجنة الطاقة في البرلمان على عقود جولات الترخيص ولكن علينا ان نتساءل: هل يفيد التصعيد في هذا المرحلة؟ نحن في حالة أزمة اقتصادية وعلينا إيجاد الحلول قبل التصعيد ويجب أن تكون الأمور مدروسة، فليس من مصلحة احد خروج الشركات او عرقلة عملها".
وتابع بالقول "ليست كلفة استخراج النفط هي المشكلة الوحيدة بل الهيمنة على القرار الذي تمارسه الشركات التي تحاول تجاهل دور الحكومات الاتحادية والمحلية في القرار، فشركة الـ(بي بي) تمنع عمل بعض الشركات التي ليست ضمن دائرة الشركات التي ترغب فيها وخصوصا العراقية منها، بل وتمنعها من الدخول وهو أمر غير طبيعي. فهذه الشركات راحت تهيمن حتى على الجغرافية"، ملمحا الى ان "هناك بعض الأبعاد الكبيرة غير البعد الاقتصادي علينا دراستها وتحليلها والوصول إلى نتائج تأخذ مصلحة الجميع في الاعتبار وأولها مصلحة البلد".
وكشف ان "الشركات النفطية الاستثمارية تطلب 21 مليارا تم تسديدها من استحقاقات الوزارة بعد أن أخذت الاخيرة سندات ضمان من البنك المركزي بحدود 5 مليارات دولار".
وخلص العبادي الى "اننا لدينا وجهات نظر وملاحظات عديدة، ولكننا نحن لسنا بحاجة إلى معارك في البصرة، ولا نريد التصعيد، بل الحوار والتفاهم وحل الأمور بالشكل السياسي الهادئ وتناسي المصالح الحزبية والشخصية وعدم وضع هذا الأمر البالغ الأهمية والذي يعني خبزة العراقيين تحت المزايدات السياسية".
وطالب إمام جمعة قضاء الزبير (25 كم غربي البصرة)، الشيخ محمد فلك قبل أيام بإلغاء عقود التراخيص النفطية ومحاسبة نائب رئيس الوزراء السابق لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني الذي ابرمت العقود خلال خدمته".
وأوضح فلك في خطبة صلاة الجمعة بقضاء الزبير "يجب الغاء كل عقود التراخيص النفطية السيئة الصيت لانها عقود سيئة ادت بالعراق الى الافلاس"، مشيرا الى "ضرورة محاسبة الشهرستاني نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الذي ابرمت تلك العقود وقت وجوده على راس المسؤولية".
من جهته، قال علي شداد الفارس، رئيس لجنة النفط والغاز في مجلس البصرة، لـ"طريق العشب"، ان "عمليات استثمار النفط في البصرة تستحوذ على اهتمام الجميع من مواطنين ورجال دين ومسؤولين، وهذا مرتبط بحجم الإنتاج الكبير في المحافظة وضعف الفائدة والمردودات المالية التي لم تغير شيئا في حياة البصريين، ما دعا الى اندلاع الكثير من الاحتجاجات على الشركات الاستثمارية النفطية، فأن ما جاء في العقود من إخفاق في التفاوض وعدم إشراك الحكومات المحلية انعكس سلبا"، مبينا ان "هناك خللا واضحا في هذه العقود أدركه الجميع، فقد أصبحت سببا في الإخفاق المتبادل، فضلا عن عدم الالتزام بنزاهة وشروط هذه العقود".
وأوضح ان "هذه العقود هي عقود خدمة وبنظري الشخصي أن هذه العقود تكون فيها شركات الاستثمار ضامنة للربح سالمة من الخسارة، هذا ما أفسره بالتحديد. وهذا ما انعكس سلبا على الوضع وخصوصا في محافظة البصرة التي تأثرت كثيرا بالانخفاض في أسعار النفط، وقد شخص الجميع أن هناك هنات كبيرة في هذه العقود".
وذكر ان "الشارع شخص المشكلة الحقيقية بوضوح، لذا نسمع الجميع يتحدث في ملف العقود باعتبارها عقودا فيها الكثير من المشاكل ولا تنعكس على الوضع إيجابا وليست بحجم التطلعات".
وشدد الفارس "لقد أبدينا ملاحظاتنا في وقت مبكر على هذه العقود لكن انخفاض أسعار النفط وضعنا بالمواجهة مع هذه المشكلة المهمة التي انعكست سلبا على الموازنة الاتحادية والموازنة الخاصة بالبصرة التي هي مصدر الإنتاج المتضرر الأكبر لكونها المصدر الأول للنفط".
وعلل "السبب في الاحتجاجات ووجهات النظر المنتقدة لعمل الشركات الاستثمارية، بالفائدة الضئيلة التي انعكست من هذه العقود من حيث تحسين الحياة والبنى التحتية وقلة التوظيف وعدم المساهمة في تجفيف البطالة، فضلا عن ما تخلفه من الآثار البيئية السلبية وانهيار البنى التحتية وتفشي الأمراض التي ترافق الإنتاج، و كل ذلك لم يؤخذ بحيزه الحقيقي والمطلوب".
وخلص الى القول "لذلك انتبه الجميع الى هذا، والذي اعتبره حالة طبيعية وصحية كل من موقعه من سياسيين ورجال دين ومواطنين في التفكير والمطالبة بإعادة تقييم هذه العقود وانعكاسها على المواطن العراقي والبصري".
وتنطلق بين حين واخر احتجاجات السكان المحليين على الشركات النفطية التي تستثمر في مناطقهم والتي استحوذ بعضها على أراضيهم من دون تعويضات مجزية إذ يطالبون هذه الشركات بالتوظيف وتعويض أراضيهم التي وقعت ضمن الحقول النفطية.
من طرفه، قال مجيب الحسانى، رئيس لجنة الكهرباء في مجلس محافظة البصرة، لـ"طريق الشعب"، ان "الحديث حول الشركات النفطية هو حديث عام وليس حديثاً شخصياً فعلى الرغم من دخول هذه الشركات منذ سنوات فانه لم يتحقق ما هو مطلوب".
وأوضح أن "تخصيصات الموازنة الاتحادية وموازنة البصرة أصابت الجميع بخيبة امل، اذ أن عملية انخفاض اسعار النفط كشفت حقائق وادلة غير مشجعة لدى جميع مواطني البصرة الذين كانوا يأملون ان الاستثمارات النفطية الكبيرة ستصلح حياتهم".
وأضاف "وزارة النفط او الحكومة الاتحادية مدينة للشركات بنحو من 22 مليار دولار وهو اكثر من قدراتها على السداد المباشر، كما ان مشروع البترو دولار أصبح في حكم المترنح".
وتندلع بين مدة وأخرى احتجاجات وعصيانات واسعة تستمر أياما لدى المنتسبين المعارين من نفط الجنوب وعمال العقود الى هذه الشركات للمطالبة بأمور مختلفة التي أجملها لنا احد الكوادر النقابية الذين منعوا من ممارسة النشاط النقابي بقرار من الحكومة والذين يمارسون عملهم سرا، قائلا لـ"طريق الشعب"، "لم تنعكس خدمتنا في هذه الشركات ايجابا على منتسبي النفط من حيث الرواتب والمخصصات فهم يتقاضون رواتب كبيرة جدا على أعمال مشابهة نقوم بها نحن بشكل أفضل"، مستدركا بالقول، هناك "امتيازات خاصة للموظفين الأجانب كالإجازات والاسعار والأمور الترفيهية، والكادر العراقي محروم من كل هذا".
وأضاف "كما ان هذه الشركات تتعاقد مع شركات مقاولة على أعمال ممكن أن يؤديها الكادر العراقي بالمهارة نفسها ان لم تكن أفضل، ما جمد الكادر العراقي من حيث التطور والخبرة، فضلا عن إحالة هذه المقاولات بأسعار خيالية إضافة الى بعض الأساليب في التعامل الفوقي من قبل الخبراء والعاملين الاجانب".
الى ذلك، قالت زهرة البجاري، عضو مجلس المحافظة ورئيسة اللجنة الاقتصادية، ان البصرة "ترحب بالشركات النفطية بالعقود نفسها السابقة وعلى وفق الضوابط والاتفاقات العامة".
واضافت لـ"طريق الشعب"، "ولكن في أي اتفاقات جديدة مع هذه الشركات يجب أن تطلع الحكومات المحلية عليها وتسهم في رسم السياسات النفطية، وكان المفروض أن يحدث هذا في العقود السابقة لتجاوزنا الكثير من المشاكل "، لافتة الى ان "هذه الخروق لا تتحملها الشركات الاستثمارية في المسؤولية الكاملة بل الحكومة الاتحادية شريكة في هذا".
وذكرت أن "اغلب عمليات الاحتجاج على الشركات الأجنبية تأتي بسبب عدم تشغيل السكان المحليين وتعويض أراضيهم. وتعتمد الحكومة العراقية على النفط في نحو 95 بالمئة من إيرادات الدولة، وهذا يعني أن كل دفعة عينية لشركات النفط العالمية تقلل بشكل مباشر النقدية المتاحة للحكومة لمحاربة تنظيم داعش، ودفع الرواتب، وتقديم الخدمات الأساسية، على خلفية هذا الامر، طلبت وزارة النفط من شركات النفط العالمية تحديد سبل لخفض ميزانياتها.