- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 10 حزيران/يونيو 2015 21:27

يتم التعاطي مع قضية النازحين باعتبارها قضية انسانية،فيجري (وهو امر مطلوب، نبيل ولا غنى عنه، بل يتطلب المزيد منه) الركض هنا وهناك من اجل توفير المأوى والغذاء والقضايا الأخرى المتعلقة بتوفير حد ادنى من الاستقرار، المؤقت، النسبي لهذه الفئة من السكان، التي تكاد تتحول الى اكبر تجمّع سكاني، وتنضم اليها، بين الحين والحين، بل يكاد يكون كل يوم، امواج بشرية جديدة .
وفي غمرة النشاط حكومياً ومجتمعياً - والحديث يدور هنا عن الجانب المحلي العراقي - من اجل تلبية الحد الأدنى من الحاجات الأنسانية،يجري اغفال، بالأحرى لايتم التركيز، خصوصا من جانب الحركات السياسية الأكثر وعياً والأبعد نظرا، الا نادرا. على الجوانب السياسية لهذه القضية المتفاقمة
وحتى الجوانب الانسانية تشتبك، في الكثير من الأحيان، بالعوامل السياسية. مثل قضية السكن. اذ يشار الى عوامل فساد (و هو عامل سياسي) شابت صفقات تزويد النازحين بالخيام والكرفانات، والضجة التي تثار، بين الآن والآن، حول عمل اللجنة الحكومية العليا المهتمة بشؤون اللأجئين التي يتراسها السيد المطلك، نائب رئيس الوزراء، وصلت الى حد المطالبة باستجوابه في البرلمان. وحتى هذه المطالبة تخضع للتجاذبات والتوافقات السياسية، وربما تقاسم الغنائم...
ويبدو من متابعة ردود فعل النازحين، خصوصا من الرمادي مؤخرا، انهم اكثر ادراكا للجوانب السياسية للكارثة التي حلّت بهم، فهم يوجهون اصابع الأتهام الى السياسيّين المحليين الذين تركوهم وغدروا بهم وفروا الى ملاذات آمنة (فنادق درجة اولى في اربيل او في عمان)! بل ان ردود الفعل بلغت حد تهديد هؤلاء السياسيين بالويل اذا تجرأوا وعادوا الى مناطقهم....و تتشابه الى هذا الحد او ذاك، ردود فعل النازحين والمهجرين في مناطق اخرى..
كذلك حرمان النازحين في بعض المناطق التي تم " تحريرها " من العودة الى مناطق سكناهم، بدواعٍ امنية، كما يقال، بينما يجري الحديث عن هدم المئات من المنازل بهدف احداث تغيير ديموغرافي، (و هذا عامل سياسي بامتياز) كما يعتقد الكثير من النازحين - او المتحدثين باسمهم - في مناطق معينة.
ولا يمكن للمرء ان ينسى الصرخات المدوية، المروعة، حسبما ظهر في احد الفيديويات، التي صبها بعض ضحايا مجزرة سبايكر على القائد العام للقوات المسلحة وقتها (السيد المالكي) وهم يساقون الى المسلخ، كالنعاج، محملين اياه مسؤولية ما حل بهم.
واذ تبدي جهات مجتمعية وسياسية متزايدة اهتماما بقضية النازحين وللعمل الأنساني (معونات تبرعات الخ...) وهو ما يمكن ان يطلق عليه " العمل من اجل النازحين " فانه تبرز، ادراكا للجانب السياسي في هذه القضية، مسألة اخرى، لا تقل اهمية، يمكن ان يطلق عليها " العمل بين النازحين".
يصرخ النازحون بلوعة وهم يحاولون ان يجدوا اجابات مقنعة لما حل بهم: "ليش؟ احنا شمسوين؟" الخ من الصرخات المشروعة، المريعة...
ينبغي ان يهتم " العاملون بين النازحين " بتقديم الرد المقنع على اسئلة النازحين المشروعة ومساعدتهم على ادراك العلاقة بين مأساتهم وبين الوضع العام في البلاد. ولا يمكن، بالتأكيد، الفصل بين النشاط الأنساني من اجل النازحين وبين النشاط السياسي، اذا صحت التسمية، فلا ريب ان الأول يخدم الثاني، على ان لايكون الهدف من الأول خدمة الثاني، فالتخفيف من معاناة النازحين يظل يحتل المرتبة لأولى، انطلاقا من المبادئ الأنسانية, التي تحكم حقا وصدقا، نشاط بعض الحركات والتنظيمات التي تهتم بقضية النازحين.
فعندما يتساءل ملايين النازحين في اماكن النزوح التي تكاد تغطي البلاد: كيف حدث ما حدث؟ كيف انهزم مئات الألوف من الجنود والمراتب امام عصبة من الأرهابيين؟ سياتي الجواب: لقد هرب القادة (بعضهم يقول ان اوامر صدرت له بالأنسحاب)!
لكن كيف جرى اختيار هذا الطراز من القادة؟ على اي اسس؟ وعندما يتكرر الأمر في اكثر من مكان فانه يصبح واضحا ان الخلل لا يكمن في هذه الجبهة او تلك، بل في الأسس التي تم اعتمادها عند اعادة بناء الجيش. فهو لم يتم على اساس مهني، وطني بل على اساس الولاء الطائفي، الشخصي. واذا اضيف الى ذلك ما تكشف عن وجود مئات الوف الجنود " الطيارين " اي غير الموجودين فعلا، اي الموجودين على الورق فقط، بينما يتقاسم مخصصاتهم كبار القادة، فان عامل الفساد يتداخل هنا مع العامل الطائفي.
لكن، مرة اخرى، كيف ولماذا حدث ذلك؟ لأن السياسة التي كانت تقود الدولة هي مزيج من تداخل عوامل الطائفية والفساد وقد انعكس ذلك على كل مؤسسات الدولة، والأخطر من ذلك على اعادة بناء الجيش. وعندما واجه الجيش اول امتحان جدي له، (داعش)، بانت عيوبه، العيوب البنيوية التي رافقت بناءه منذ البداية وتضخمت مع تضخمه المرضي، (فابو جروة يبيّن بالعبرة) و" ابو جروة " هنا ليس هذا القائد العسكري او ذاك، بل كامل السياسة التي حكمت بناء الجيش وكل مؤسسات الدولة.
سيتساءل النازح: لكن من وضع هذه الاسس ومن ساهم في ارسائها وتعميقها؟ ولا يجد المرء كبير صعوبة في تشخيص من وضع هذه الأسس: انها ادارة الأحتلال! وساهم في ارسائها طبقة من السياسيين الطائفيين الفاسدين وهم المستفيدون منها، المتعاركون اي منهم يفوز بالنصيب الأكبر من الثروة وكيف يعظم نصيبه من السلطة ليتعاظم نصيبه من الثروة، ما دامت السلطة، وليس العمل المنتج، هي الأداة الرئيسية للحصول على الثروة ولمراكمتها.
سيصرخ النازح، محتجا، ما علينا وحديث السياسة هذا؟ نحن نريد ان نعود! وهي صرخة مشروعة ومفهومة...
لكن دعنا نتساءل، نحن والنازحون كيف سيتم ذلك؟ ومتى؟
سيتصدى فصيح الى القول: عندما ستتم هزيمة داعش! وما اسهل قول ذلك وما اصعب تحقيقه على ارض الواقع، بغض النظر عن كل التمنيات والرغبات. ذلك ان تحقيق اي هدف يتطلب توفير الشروط المطلوبة لذلك، فكيف بالتغلب على اعظم كارثة بل اعظم زلزال تعرضت له البلاد بعد الغزو الأمير كي؟
- 2 –
نريد ان نعود!
سيهتف النازح متلهفا: خلّصنا! انطق الجوهرة! ولا تلعب باعصابنا! نريد ان نعود! كيف يمكن ان يتحقق ذلك ولك الثواب دنيا وآخرة!
سيتنطع " الفصيح " ويرد متأنيا: عندما يتم التخلص من العوامل التي ادت الى ظهور داعش...
يكاد النازح يشد شعره ويقول نافد الصبر: ها نحن نعود من حيث بدأنا. مثل احجية البيضة والدجاجة: ايهما سبق الآخر تسبب في وجود الآخر...
من حق النازح ان يعبر عن برمه ونفاد صبره. ويكاد الأمر يبدو له ولغيره مثل احجية لا حل لها. فكيف سيتم التخلص من العوامل الى ادت الى ما نحن فيه، ما دام لم يحدث تغيير جوهري في قمة السلطة التي قادت البلاد الى ما هي فيه؟
اجل! لم يحدث تغيير جوهري، ذلك ان القوى القادرة على احداث التغييرالجوهري لم تتوفر بعد، هي ماتزال في طور التكون وهي لا تملك القدرة على التمكن من احداث التغيير الجوهري بين عشية وضحاها، ووفقا للتمنيات والرغبات الذاتية، خصوصا في وضع معقد، مثل الوضع في العراق. وهو - اي التغيير في ميزان القوى لصالح التغيير الجوهري لا يحدث فجأة، لا ينزل من السماء، بقدرة قادر او بعصا ساحر، بل بالنشاط اليومي بين الناس، على الأرض، بقيادة نضالاتهم من اجل التغيير، مهما كان صغيرا، وفي اي ميدان، بل في كل ميدان، ومراكمة المنجزات التي تت?قق بفعل نشاط الناس وتطور وعيهم وثقتهم بانفسهم، على الطريق من اجل احداث التغييرالجوهري.
صحيح! لم يحدث تغيير جوهري في قمة السلطة، لكن حدث تغيير " خرق " اذا صح التعبير، وهذا ا لخرق لم يحدث فجأة، بل نتيجة تراكم عوامل وضغوط كثيرة، بل متناقضة احيانا، جرى التطرق لها، كان العامل الخارجي فيها هو الأبرز، بسبب ضعف العامل او العوامل الداخلية البعض يذهب الى ان العامل الخارجي اضاف الى العامل الداخلي.
لكن بغض النظر عمن كان له الدور الأبرز، الخارجي او الداخلي،,او بسبب تضافرهما معا، فقد حدث التغيير، الخرق، ولم يتم هذا بمعزل عن قناعة اكثرية كبيرة من الناس نشاط قوّى سياسية عديدة لدوافع مختلفة.
حدث خرق، ويرى البعض انه يمكن توسيعه..
هنا يصرخ النازح غاضبا، نافد الصبر: انتم وخرقُكُم وفذلكاتكُم السياسية! بينما تخترق داعش الأرض العراقية من كل حدب وصوب ويتزايد عددنا، نحن النازحون، ويخترقنا البرد حينا، والحر حينا أخر، ونقص الغذاء والدواء اكثر الأحيان...
نريد ان نعود!
يرد "الفصيح" او"المتفاصح": ليس قبل ان تهزم داعش!
رجعنا على سالفة عام الأول"! يرد النازح وهو يتميز غيظا.
صبرك...صبرك يا اخي! "يجيب الفصيح ويردف " المعركة تدور..."
والقيامة، الهزائم، تدور ايضا " يرد النازح ساخرا...
*****
لا يمكن لأي ذي عينين ان لا يرى ذلك، سواء كان نازحا ام يترقب، خائفا...
صحيح ان المعركة كر وفر، لكن ينبغي على الشاطر، خصوصا اذا كان قائدا، ان يتعلم من الأثنين، خصوصا من الفر، ويبدو ان هذا لم يحدث وبالقدر المطلوب.
تعب جميع المخلصين من تكرار انه لا بد لتحقيق النصر من تلافي اسباب الهزيمة، وفي مقدمتها المحاصصة الطائفية البغيضة، وانه لتحقيق ذلك لا بد من عقد سياسي اجتماعي جديد على اساس المواطنة الحرة لا الأنتماء الطائفي او الأثني، ولا يمكن ان يبرم هذا العقد سوى مؤتمر وطني تشترك فيه القوى السياسية / الأجتماعية الفاعلة، المؤثرة ويتطلب تحقيق ذلك ان تتجاوز الدعوة الى عقد المؤتمر الوطني تبادل المذكرات والوفود، ان تتحول الى حركة شعبية تمارس الضغط بمختلف الأشكال، من الوفود الشعبية الى التجمعات الى التظاهرات والأعتصامات،على من بيدهم الدعوة الى المؤتمر، رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، مجلس النواب الخ
و انه لتحقيق ذلك يجب ان تتحول المعركة من معركة عسكرية ضد داعش الى معركة من اجل رد الأعتبار للوطنية العراقية واعادة بناء الدولة العراقية على هذه الأسس.
يتساءل النازح بين الجد والسخرية: يعني لازم ننتظر الى ان يتحقق كل هذا؟ يعني موت يا حمار لمّنْ يجيك الربيع؟هل تضمن لي اذا تحقق كل هذا، هذ إذا تحقق، انني سأعود؟ وهل ستترككم داعش تحققون كل ذلك، مكتوفة اليدين؟
طبعا لا! فالمعركة تدور، وكل يستعد بكل ما يتوفر لديه من اسلحة. الشاطر من يعبئ كل اسلحته، ولدى القائد العراقي من الأسلحة ما يمكنه ان يتفوق على العدو، وتحقيق النصر، اذا احسن تعبئتها، ان يكون حازما لا تتجاذبه الضغوط، كل في اتجاه، فاخطر ما يمكن ان يعاني منه اي جيش هو ان يكتشف ان قائده لا يملك الأرادة ولا قوة العزيمة، ولا يحسن تعبئة القوى التي في متناوله، فضلا عن تعظيمها.
و نحن، اين نحن من هذا كله؟ ونحن على ما نحن عليه من تشتت وتبلبل وفقدان الأمل؟ يتساءل النازح.
اجل! لكن هل للنازح مكان في كل ما يدور حوله، وهو لا يكاد يجد المأوى ولا القوت ولا الدواء الخ...؟
ستحاول كتابة اخرى ان تجيب على هذا التساؤل..