مجتمع مدني

اطفال العراق.. مستقبل غامض وتيه مستمر / ماجدة البابلي

في واحد حزيران من كل عام يصادف اليوم العالمي للطفل وهذا اليوم هو محصلة ما أقرته الأديان السماوية والقوانين الوضعية والاتفاقيات الدولية بحق الطفل في الحياة والحرية والكرامة وقد استطاع الفكر التقدمي الانساني ان ينجز مدونات لمبادئ وقواعد قانونية دولية واقليمية بصيغة اعلانات لحقوق الانسان واتفاقيات بين الدول، وقد كان للاطفال نصيب مهم من هذه المبادئ على شكل منظومة اهداف وبرامج وآليات تنفيذ تساعد على حمايتهم وتساهم في تهيئة بيئة مناسبة للنمو الجسمي والعقلي والنفسي وتساهم في تطور التعليم والصحة للتمتع بطفولة سعيدة.
وقد تضمنت هذه المبادرة ولائحة حقوق الانسان حقوق حماية الطفل في عشرة مبادئ تهدف جميعها الى تأمين حقوق الطفل وحمايته كي ينعم بالحرية والطمأنينة والسعادة.
وأقر المؤتمر العالمي لحقوق الانسان الذي عقد في (فيينا) حزيران 1962 اتفاقية حقوق الطفل في الفصل الثالث من الوثيقة.
وعرفت هذه الوثيقة الطفل بأنه "كل انسان لم يتجاوز سن الثامنة عشر ولم يبلغ سن الرشد." وتحدثت الوثيقة بأنه لا ينبغي لأي طفل ان يعاني التمييز، وتنص المادة السادسة بان لكل طفل حقا اصيلا في الحياة وتكفل الدول الى اقصى حد ممكن بقاء الطفل وضمان غده، اما المادة الأهم في هذه الوثيقة فهي المادة (19) التاسعة عشرة والتي تنص على اتخاذ الدول الأطراف في الاتفاقية جميع التدابير التشريعية والأدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من جميع اشكال العنف او الضرر او الاساءة البدنية والعقلية والأهمال او المعاملة الم?طوية على الأهمال والاستغلال بما في ذلك الاساءة الجنسية. اذن فأطفال العالم المتقدم يحتفلون بعيدهم الذي شرعته الوثيقة الدولية.
اما نصيب اطفال العراق من الاتفاقيات الدولية والاقليمية والسياسات المحلية فهو.. القتل والتشرد والتسول والاغتصاب وغيرها من الانتهاكات بحقهم.
إن اطفالنا يعيشون واقعاً لا يخطر ببال اي انسان فهم اليوم يقتلون ويهجرون ويشردون ويغتصبون ويتسولون نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي لأسرهم ويعملون بأعمال شاقة لا تتناسب والقوى الجسمانية لهم وكذلك حرمانهم من التعليم لظروف خارجة عن ارادتهم بسبب مساعدة اهاليهم في الحصول على لقمة العيش وتعرضهم للانفجارات والاغتصاب من قبل ضعاف النفوس بالاضافة الى وقوعهم فريسة سهلة بيد هؤلاء وعصابات الاتجار بالبشر.
هذه المعاناة لاطفالنا ولدت واقعاً مريراً متخماً بالأسى والمرارة ومستقبل مجهول ومرعب، وانها نتيجة منطقية لواقع يستند الى تراكمات الحروب الماضية وتداعياتها والازمات المستمرة التي اقضت على الاستقرار الأمني والاجتماعي وأخلت بالمنظومة الاجتماعية بشكل مباشر يدفع الطفل العراقي ثمنها. فاطفال العراق يعيشون ازمة انسانية مريرة، فعلى الصعيد الاجتماعي، هم معرضون لمخاطر شتى جراء اضطرارهم الى العمل في مهن شاقة كما ذكرنا وهذا يتعارض مع حقوقهم الاساسية كاطفال ومنهم من يعاني الادمان على المخدرات ويتعرض الى مختلف الاعتداءات?الجسدية والجنسية ومنهم من ينام على الرصيف بسبب فقدانهم اسرهم حيث لا سكن ولا مأوى ويأكلون من نفايات الشوارع والأزقة بالاضافة الى ان هناك الكثير من الاطفال يعيشون في الخرائب وبيوت من الصفيح في العاصمة بغداد وضواحيها الى آخرها من الانتهاكات والتي تتنافى مع المعايير الدولية لحقوق الانسان والطفل.
اما من الناحية الصحية حيث تضاعفت نسبة الاطفال دون سن الخامسة فهم يعانون سوء التغذية المزمن في الاسر التي انعدم أمنها الغذائي نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة والتي دفعت ثمنها الاسرة العراقية وما آلت اليه من فقر وحرمان من ابسط الحقوق.
كما شهدت العملية التعليمية خلال العقود الماضية تدهوراً واضحاً وملموساً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ما القى بظلاله على العملية التربوية وتسبب هذا التدهور في تسرب مئات الالاف من الطلبة الدارسين في المراحل الابتدائية والمتوسطة بشكل ملفت للنظر وحيث انخرطوا بالاعمال المتدنية لاغاثة عوائلهم من الفقر والعوز ورفع مستواهم الاقتصادي وهذا ما يتعارض كليا مع معايير حقوق الانسان والطفل المنصوص عليها في المواثيق الدولية وفي التشريعات العراقية من جانب آخر فان هذه الاعداد الكبيرة المتسربة من المدارس ستكتسب سلوكيات سلبية وعدوانية وتجعل احدهم شخصاً غير مكتمل اجتماعياً.
اما بعد 10 حزيران الماضي وما وقع في الموصل والرمادي وصلاح الدين وبقية المناطق التي سيطرت عليها عصابات داعش الاجرامية. وما جرى من انتهاكات لحقوق الانسان في تلك المناطق وللطفل والمرأة النصيب الاكبر من هذه الانتهاكات وخاصة اطفال الطائفتين المسيحية والأيزيدية وما جرى لهم في المعسكرات الداعشية ومنهم من مات في طريق هربه مع اسرته جوعاً وعطشاً ومنهم من مات اثناء ولادته في العراء، وما من معين او مغيث لهم وهذا كله يتنافى مع المعايير الدولية لحقوق الطفل والانسان بصورة عامة في ظل دولة نفطية غنية وجهل سياسي واقتصادي ادى الى انهيار الدولة ومؤسساتها وعدم وضع ميزانية خاصة للطوارئ لحماية مواطنيها من مآسي الحروب والفيضانات والكوارث الطبيعية وغيرها.
فاذا ارادت الدولة ان تلتزم بالمعايير الانسانية الدولية فيجب ان تفهم قبل كل شيء ان اطفالنا هم الجيل الذي سيتولى في المستقبل القريب قيادة وتسيير عجلة الحياة الأمر الذي يتطلب ايقاف جميع الانتهاكات الفظة الواسعة لحقوق الطفل بشتى نواحيها والالتزام بما ورد في الصكوك الدولية والقوانين، وتأسيس ثقافة السلم الاهلي لتجنب الصراعات والازمات الداخلية وانفتاح الحريات باعتبارها المؤسس للدولة المدنية والديمقراطية. ويجب ان تكون هناك مصداقية في تطبيق المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان لأننا مع الأسف كنا من افضل الدول التي تطبق قانون حقوق الانسان وحقوق الطفل منذ هب بلباس مدني للتوقيع على هذه المواثيق والمعاهدات الخاصة بحقوق الانسان ونرجع الى الوراء بلباس ديني ونفرغ محتواها بحجة الاعراف والتقاليد والدين.