مجتمع مدني

في ساحة الإعدام .. لا تشدوا عيوني، أريد رؤيةَ وجه القاتل!

منعم جابر
الكبار يتركون بصماتهم واضحة جلية ، ولا يمكن للظلام ان يغطي تلك الشموع حتى وان امتد الزمن وطالت ايام الطغاة، فلا بد للصبح ان ينجلي و لا بد ان يعيد رموز الوطن دورة الحياة إلى أصولها . وكما قال الجواهري العظيم .. باق وأيام الطغاة قصار.
عاش بشار رشيد في ضمير رفاقه وزملائه وأحبته من الرياضيين وذهب الطغاة الى مزبلة التاريخ وظلت الضحايا نجوما لامعة في سماء الوطن . وها نحن نحتفي ونستذكر ايامهم ونضالهم وتضحياتهم لأنهم سطروا بطولات وحكايات وأحداثا ستظل باقية إلى الأبد.
نعم إنهم كبار، والكبار يحملون الآمال والطموحات ..
من هو الشهيد بشار رشيد ؟
مبدع كروي من طراز خاص ولد في محافظة الديوانية عام 1949 وترعرع في بغداد سكن في منطقة أبو سيفين، إحدى المناطق الشعبية . التقيناه مع اللاعب فيصل صالح والكابتن كاظم عبود عام 1958. وقد لعبنا أول مرة لفريق شعبي أسميناه (شباب الجمهورية) تيمنا بالجمهورية الاولى وثورتها في 14 تموز 1958، وتواصلت علاقاتنا حتى انتقلنا الى فريق العاصفة الأهلي عام 1961 بقيادة المربي الراحل غازي عباس الذي تعلمنا وتربينا على يديه. وكان بشار احدنا، يحب الناس ويسعى إلى خدمتهم ويستجيب لمطالبهم وظلت هذه الصفة تلازمه حتى آخر أيامه، حيث كان الشهيد يخدم أبناء مدينته الثورة (الصدر حاليا) وخاصة في مراجعاتهم الدوائر الرسمية ويتوسط في حل مشاكلهم ونزاعاتهم وقد علق احد أصدقاء بشار قائلا لقد كان بشار مؤسسة للمعاونة ولمساعدة أبناء جلدته . لعب بشار لفريق السكك بإشراف المدرب القدير جرجيس الياس في العام 1966 – 1968 ثم انتقل الى فريق القوة السيارة للاعوام 1968 – 1969 وانتقل إلى آليات الشرطة للأعوام من 1969 إلى 1975 ومثل المنتخبين العسكري والوطني للأعوام ذاتها وقد صاحب الشهيد في مسيرته العشرات من المبدعين منهم فيصل صالح وكاظم عبود وكاتب هذه السطور وأنور جسام ومؤيد محمد صالح ورسن بنيان وصمد أسد وفانوس الاسدي وعبد كاظم ودوغلاس عزيز ومنعم حسين ومجيد علي وستار خلف وطارق عزيز ومظفر نوري وغيرهم .
هل كان الشهيد بشار شيوعيا ؟
نعم .. لقد كان الشهيد بشار يمتلك وعيا وطنيا وطبقيا عاليا دفعه إلى الانضمام للحزب الشيوعي العراقي في مطلع سبعينيات القرن الماضي وقد استغل النظام الفاشي هذه المرحلة لطعن الحزب والبدء بالهجوم عليه وعلى الحركة الوطنية منذ نهاية العام 1975 حيث اعتقل بشار بعد انتهائه من مباراة افتتاح الدوري يوم 15/9/1975 بعد انتهاء مباراة آليات الشرطة ونادي الجامعة ( الطلبة ) في افتتاح الموسم 1975 – 1976 وتمت إحالته إلى المحاكمة هو والرفيق القائد الشيوعي واللاعب السابق كمال شاكر، شقيق لاعب المنتخب الوطني العراقي وفريق المصلحة قيس شاكر وبعد محاكمة صورية تم الحكم عليهم بالإعدام.
بشار والعلاقات الانسانية الراقية
كما ذكرنا فان بشار كان يمتلك أخلاقا متميزة اتصف بها مع جميع من عاشره من رياضيين وغيرهم . وقد كانت علاقته حتى بسجانيه نموذجية حيث حاول بعضهم تخليص بشار من أغلال السجن وزنازين الإعدام حيث حدثني السجين الشيوعي واللاعب السابق جبار قاسم بأنه في معتقل الفضيلية عرض مفوض السجن ( الذي رفض ذكر اسمه ) على الشهيد بشار فكرة تهريبه من المعتقل على أن يصحبه في عملية الهرب ! إلا أن الشهيد بشار كان مؤمنا ببراءته وواثقا بان حزبه سيخلصه من الفاشية لكن الطغاة كان لهم رأي آخر . أما حكايته في زنزانة الإعدام فقد كان احد السجانين ويدعى ( أبو عليوي ) يتعاطف مع بشار ويعمل على الترويح عنه وأخذه الى مستشفى السجن لكي يشاهد بعض أصدقائه ورفاقه من السجناء وقال لبشار بأنه سوف يترك العمل إذا تعرض الى السوء وفعلا ما أن تم تنفيذ حكم الإعدام بالشهيد بشار حتى تقدم أبو عليوي بطلب إحالته إلى التقاعد وأحيل يومها وغادر الى الشطرة مسقط رأسه.
انطلاقة بشار الصاروخية مع المنتخبات العراقية
انطلق اللاعب بشار رشيد انطلاقة صاروخية مع المنتخبات العراقية . بعد أدائه المتميز مع آليات الشرطة. بدأ المدربون بالتركيز على أدائه حيث كان مهاجما من طراز خاص اتصف بالقوة البدنية العالية والشجاعة في مهاجمة الدفاعات وكسر أقواها وتميز بالعاب الهواء واستطاعته التسجيل برأسه من كل مناطق الملعب. لعب عام 1973 في تصفيات كأس العالم في استراليا فلعب في جميع المباريات إلا الاولى أمام استراليا وشارك في بطولة العالم العسكرية والتي جرت منافساتها في بغداد حيث أحرز منتخبنا العسكري كأس البطولة وأحرز بشار لقب هدافها وشارك في بطولة العالم العسكري في عام 1975 والتي جرت منافساتها في الكونغو برازافيل وأحرز منتخبنا مركز الوصيف وفاز بشار بلقب هدافها ايضاً وأحرز شهيدنا لقب هداف بطولة رباعية أقامها الاتحاد العراقي لكرة القدم عام 1973 حيث سجل أربعة أهداف واحد في مرمى سيسكا السوفيتي وثلاثة أهداف في مرمى الفريق البلغاري وشارك مع المنتخب الوطني في جولاته في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق . وعلى الرغم من عمره الكروي القصير الا انه كان مليئا بالانجازات .
الفرق الشعبية مدرسة للوطنية
لقد كانت الفرق الشعبية العراقية مدرسة للبناء الوطني والقيمي وقد تربى الشهيد بشار رشيد وآلاف من أبناء الفرق الشعبية مع فرق تميزت بالروح الوطنية العالية حيث لعب بشار لفريق العاصفة الأهلي في بغداد وكان لرئيس الفريق المرحوم غازي عباس دورا تربويا خاصا حيث علم لاعبيه على القيم العالية والأخلاق النبيلة وأبعدهم عن كل ما يسيء الى حياتهم وكان انضباط اللاعبين وأخلاقياتهم وتربيتهم العالية هي التي دفعتهم إلى التمسك بقيم الوطن والوطنية وتحول هذا الفريق الشعبي الى مدرسة لتخريج عشرات اللاعبين والنجوم في الكرة العراقية وكانت الفرق الاخرى قد تطبعت بذات القيم والمبادئ ومن تلك الفرق فريق شباب الطليعة والنهضة الكاظمي والحضارة واتحاد الشعب واتحاد الكرخ واتحاد وعد وانوار بغداد ومنتخب الكرادة وشباب الاحرار واتحاد الطيران وعمال بغداد اضافة الى عشرات الفرق في بقية المحافظات العراقية والتي ساهمت في ترسيخ قيم المواطنة الصالحة والاخلاص للعراق ...
تحية اكبار واجلال لشهيد الوطن والرياضة المبدع بشار رشيد ورفاقه طارق محمد صالح و نافع منعم و عمار جابر و محمد عبود و سعدي لايج و صبري كاظم وجميع شهداء الوطن ممن ضحوا بحياتهم وكانوا اكثر منا جودا وتضحية والخزي والعار للجلادين والقتلة.