مجتمع مدني

صندوق النقد الدولي ينتقد حرية حركة الأموال وسياسة التقشف !

برلين – طريق الشعب
نشرت مؤخرا مقالة لقسم البحوث في صندوق النقد الدولي بعنوان مميز "الليبرالية الجديدة: افراط في البيع". وبخلاف الصورة التقليدية المعروفة عن الصندوق، وضعت المقالة الليبرالية الجديدة في صيغة تساؤل. وقد وجه كتاب المقالة النقد الى منحيين في السياسة الإقتصادية وهما الحرية المنفلتة لحركة رأس المال وسياسة التقشف القاسية، لأنهما تسببا في تعميق عدم المساواة وعدم الاستقرار المالي، بدلا من ان يؤديا الى تعزيز النمو والازدهار.
والفرادة التي تعكسها المقالة تتمثل في ان الليبرالية الجديدة كانت العلامة المميزة لهذه المؤسسة الراسمالية المهمة منذ ثمانينيات القرن العشرين . ومع فشل السياسة الإقتصادية التي انطلقت مع تأسيس الصندوق بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، او ما يعرف بنظام بريتون وودز، وسيادة الليبرالية الجديدة انيط بالصدوق دور جديد. جرى فيه التركيز على ان يلعب الصندوق دور الوسيط بين البلدان المانحة الغنية والبلدان المحتاجة الفقيرة . ووفق وصفات صندوق النقد التقليدية توجب على البلدان المحتاجة تنفيذ شروط واملاءات خاصة مقابل حصولها على القروض، وتتضمن هذه الشروط تقليص نفقات الدولة العامة، واعادة هيكلة الأولويات التجارية، وتحميل اغلبية سكان هذه البلدان اعباء الأزمات التي تتسبب في اندلاعها الطقبات الحاكمة. وعلى الرغم، وفق محاججة المراكز الراسمالية، ان هذه الوصفات ستؤدي الى نتائج ايجابية، الا انها ادت في الكثير من البلدان الى عدم الاستقرار والتفكك الاجتماعي، والأمثلة السابقة كثيرة تعكسها تجربة اغلب بلدان امريكا اللاتينية في عقد الثمانينيات، ويمكن اعتبار اليونان احد اهم الأمثلة اللاحقة. ويقول الخبراء الاقتصاديون ان من يبحث عن جذور الليبرالية الجديدة يجدها ايضا في النظرية الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة، التي لا تزال تدعي أنها النموذج الحقيقي الوحيد لعلم الاقتصاد، وانها ازاحت جميع المدارس النظرية الأخرى. ولذلك، فإن لنقد الذي يمارسه اقتصاديو صندوق النقد الدولي هو موضع ترحيب. وهو علامة اخرى على نمو التفكير النقدي، على نحو متزايد، في الفكر الاقتصادي.
ومع ذلك، ينبغي الحذر من الإفراط في التفاؤل. لأنه من المشكوك فيه ان إعادة التفكير قد بدأت بالفعل وانها ستستمر، ليكون لها تأثير في المستقبل على برنامج العمل الفعلي للصندوق. ومن الضروري ملاحظة ان هذا النقد لا يزال في الاطار التقليدي للكلاسيكيين الجدد. ان كتاب المقالة يلاحظون فقط ان بعض اجراءات الليبرالية الجديدة "مبالغ فيها"، ولكن عناصر اخرى لليبرالية الجديد كخصخصة القطاع العام والتوسع في الهيمنة التجارية ما زالت تقيم بحدود كبيرة ايجابا.
وحتى الان لا يمكن الحديث عن تعددية فكرية تشمل النظرية والمنهج الاقتصاديين. لكن القاء نظرة على الصورة الكلاسيكية الجديدة ضرورية لفهم افضل للواقع المعقد والوصول الى حلول مستدامة.