فضاءات

العامل عبد النبي كريم.. كنت أظنه مؤسس الحزب الشيوعي! / صمد كريم

العامل الشيوعي، عبد النبي كريم (ابو كادح) من عائلة بصرية يتكون أفرادها من عشرة أشخاص، أب يعمل في ميناء المعقل وأم قادمة من الريف المتاخم لمدينتنا، وأربعة من الذكور وأربع من الإناث. وجدنا انفسنا على موعد مع الفقر، في بلد يموج ويغلي بالانتفاضات والثورات في العقدين الخمسيني والستيني من القرن العشرين . ولأننا لم نعرف سوى الفقر والفاقة فتحنا عيوننا على الحلم بمستقبل اجمل، فصار مشروعنا القادم ومركب النجاة لأفواهنا واجسادنا العطشانة للشبع والارتواء . ظل الأب مهاجرا، مرتحلا، في متاهات البحار والشطآن . ووقفت الام الريفية ذات الوجه البيضوي تتصدى لعوادي الفقر وانياب الجوع التي تنهش العائلة الراغبة دوما برغيف خبز ونسمة خلاص من ضيق الحال واليد المغلولة من العوز . كدحت ونامت خاوية البطن على فتات حلم مع اطفالها ليكبر لدينا الامل في غد افضل. مع القوت اليسير والزاد الضئيل والثياب والاحذية التي نتبادلها في ذهابنا الى المدرسة وهبنا وجودنا معنى كبيرا في مستقبل اجمل وعالم سعيد بين ثنايا ثغر باسم وعيون متشوقة لخلاص اكيد. لم يقف افراد العائلة مكتوفي الايدي حيال الفقر. وكان الاخ الاكبر عبدالنبي في مقدمة طابور العاملين، ومن بعده صرنا ندب النهار كخلية نحل بين المدرسة والعمل البيتي والواجب الحزبي بين يدي ام منهكة واخي الأكبر المتعب. ولم يكن من المصادفة ان نتعرف على الحزب الشيوعي العراقي. تلك الكلمة المدوية، ونحن نتطلع الى ضحكة أخينا عبدالنبي . كم تصورنا ونحن صغار من اول تعرفنا على حزب العمال والكادحين انه من ابتكار الاخ الاكبر . لم نفهم معنى الشيوعية والشغيلة والكادحين والسجون والمعتقلات ونقرة السلمان وتسفيرات العمارة وقطار المعقل والسماوة، الا بعد ان كبرنا . كنا نعتقد ان عبدالنبي هو مؤسس الحزب الشيوعي لفرط محبتنا له وايماننا به، لأنه منقذنا من براثن الفقر والفاقة ورافعنا الى الراية الحمراء وحلمنا حيث البلد السعيد والشعب الحر .
عمل الفقيد في شارع دينار والاسمدة الكيمياوية، وكان يعمل ليساعد عوائل رفاقنا المعوزين وكان مثالا للمناضل الذي لا يخرج من سجن الا ودخل الى اخر. دخل سجن البصرة، العمارة، واخيرا نقرة السلمان التي حكم عليه بلسجن لمدة عشر سنوات . كان مثالا للشيوعيين في البصرة، وخصوصا منطقة المعقل حيث كانت منطقة نشاطه لكسب الكثيرين لصفوف الحزب. توقف عن العمل داخل التنظيم حين اعلنت الجبهة الوطنية، وكان ذلك موقفا منه، ولم يتركه البعثيون يهنأ بحياته، فلاقى الكثير من المضايقات. بقي الشيوعي الاصيل يقدم المساعدات لعوائل رفاقنا الذين هجروا بيوتهم بعد الحملة البوليسة في اعوام 1978 ـ 1979 .افتتح معمل حدادة في المدينة الصناعية في البصرة وكان المعمل ملجأ لرفاق الحزب . وللأسف تعرض عام 1995 الى صعقة كهربائية خلال العمل ففقد حياته، وفقدناه اخا ومناضلا ومؤسسا لحلمنا بالوطن الحر والشعب السعيد .
طوبى لذكراك يا اخي الشيوعي، ونحن نحتفي بالذكرى السنوية الثمانين لتأسيس حزبنا العريق الحزب الشيوعي العراقي . ونحن نرفع الرايات الحمر كل يوم.