فضاءات

الفتاة العراقية.. اي مستقبل يتربص بها؟ / شهد منصور - ذو الفقار يوسف

هي وردةٌ بيضاء، لم تصادف جذورها الغضة في منبت البيت والأسرة إلا الحصى والصخر، يلتوي بها الدهر عن مساربها ويؤذيها أفدح الإيذاء.. لم تلق أعوادها الطرية الا العنت والعنف، ولم تمس أزهارها الندية الا الأكف المتعسفة، وما طلعت عليها عند إقبال الصبح أنوار الشمس، بل طمرتها أكداس الجليد حين همت أن تتفتح للحياة
حين نتحدث أمام "الجنس الآخر" عن حقنا في المساواة، يقول الكثيرون: ألم تأخذ المرأة حقها وأكثر؟ ألم تدخل في كل المجالات ويصبح لها صوت مسموع وصارت تقود مظاهرات وتعمل مع الرجل؟ وحتى دخلت المعترك السياسي وأصبح لها دور فيه؟
نعم أيها الرجل، هذا هو النصف العائم الذي استطاع أن يطفو.. أما النصف الآخر فما زال غارقا في وحول العنف والجهل والتقاليد والأعراف، ونحن نطالب من اجل النصف الغائب المغيب.
لقد ناضلت المرأة قبل وبعد عام 2003 وحتى الآن من أجل أن يكون لها صوت مسموع، صوت يقول: لا! ولكن ما زالت أفواه أكثرهن تكمم ويجري دفعهن نحو هاوية العنف، والعنف ليس جسدياً فقط بل هو كل فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس وتترتب عليه معاناة للمرأة سواء من الناحية البدنية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء في الحياة العامة أو الخاصة.
في دراسة لجمعية الأمل العراقية في اقليم كردستان على عينة بلغت 2350 امرأة تبين ان ما يقارب 44,63 بالمائة من العينة لم يدخلن المدرسة بسبب منع الأهل لهن، و 67,18 بالمائة لم يدخلن المدرسة لعدم وجودها في منطقتهن ، و 13,52 بالمائة يشعرن بتفضيل الذكور عليهن، ونسبة 62,127 بالمائة عانين من التحرش في الاماكن العامة، ونسبة 69,617 بالمائة عانين من الاعتداء النفسي والتعليقات الجارحة، ونسبة 49,40 بالمائة عانين أو تعرضت للشتم!.

إني خيرتك فاختاري

سارة عبد الله / مدرسة في متوسطة للبنات، تنقل لنا ما حدث لاحدى طالباتها ، تقول:" كانت لدي في الصف تلميذة اسمها احلام، لم تتجاوز من العمر 16 عاما، شديدة الذكاء ، مجتهدة في الدراسة، وكنت متوقعة لها مستقبلاً كبيراً. وهذا ما دفعني إلى الاهتمام بها أكثر، ولكن في أحد الأيام غابت أحلام عن المدرسة، وتلت ذلك سلسلة من الغيابات. فما كان لي إلا إن اذهب الى منزلها، والاستفسار عن سبب الغياب المستمر، ففاجأتني والدتها، وسردت لي ما حصل لها، وسبب التغيب عن المدرسة. تقول أم أحلام:" في أحد الأيام أطل عليهم صديق والد الفتاة، ?هو رجل كبير في السن، أحواله المادية جيدة جدا، وطلب إن يتزوج الفتاة، تفاجأ الوالد في بادئ الأمر، بسبب فارق العمر الكبير، بين أحلام والرجل، لكن بعد ذلك حاول الرجل إقناعه ، وأنه سيوفر لها العيش الكريم، وحياة تتمنى أية فتاة إن تعيشها، ما كان من الأب إلا إن وافق ، وحين فتح موضوع الزواج امام ابنته، أجهشت بالبكاء مرددة: لا أريد الزواج، لا أريد الزواج! ولكن زوجي صرخ بوجهها قائلا " إما الزواج وإما ترك الدراسة" .

مذهب الآباء

تحدثنا الأرملة " أم مرام " وهي أم لثلاث بنات، تحدثنا بحزن شديد، تقول: لقد أجبرني إخوة زوجي المتوفى، على تزويج ابنتي مرام التي لم تتجاوز (15) عاماً من عمرها بعد. و رغم رفضي المتواصل بسبب صغر سنها، إلا أنهم ردوا معللين ذلك بقولهم، إن " مذهب إبائنا وأجدادنا "، يتيح للفتاة الزواج في هذا السن، مضيفين لي بقولهم: " البنية صارت مرة و ميصير تعيش ابيت ما بي رجال " ، وتحت إصرارهم تزوجت مرام رغماُ عنها، ووضعت في موقف المسؤولية الاجتماعية قبل بلوغ مرحلة النضج .
طامة كبرى

تقول الباحثة في علم النفس الاجتماعي الاستاذة كوثر حسين: زواج القاصرات هو اغتصاب بحد ذاته، حيث يكون الزواج فيه هش ، وفي ابسط الامور يتم التنافر مؤدياُ الى الطلاق المبكر. وتضيف: اما اذا استمر الزواج ، مؤدياً الى إنجاب الأطفال، فهنا الطامة الكبرى. لأن الفتاة في عمر صغير جداً، وخبرتها في الحياة بسيطة، ونحن نعرف ان تربية الاطفال في مجتمعنا من مهام الام. فكيف تكون تربية الطفل للطفل، وتعليمه ضروريات الحياة التي ما زالت الام لم تتعلمها بعد. ومن الآثار الاجتماعية لذلك انخفاض مستوى التعليم في المجتمع، وعدم قدرة الوالدين على التربية السليمة لأبنائه. وقالت موضحة : الكثير من الناس التجأوا إلى تزويج بناتهم بأعمار صغيرة جدا بسبب التقاليد ، والزج بهن في أتون الحياة الزوجية. فالفتاة في مرحلة المراهقة لا تستطيع إن تبدي رأيها في أمور حياتها الزوجية بثقة وارتياح، خاصة بعد حرمانها من التعليم ومن تعلم مهارات الحياة بشكل عام، سواء في مجال العناية بالأسرة والزوج والأطفال، أو بالتعامل مع محيطها الاجتماعي.

طفلة في جسد امرأة

نعلم بأن البنية الجسمانية والتكوين الفسيولوجي يختلفان من فتاة إلى أخرى ، وهذا العامل المهم يولد أخطاء جسيمة ، تؤدي إلى الزواج المبكر .

توضح الدكتورة سناء مجيد: لقد رافقتني في مجال عملي كطبيبة نسائية، الكثير من الحالات، منها الفتيات المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن بين (9 ) سنوات الى (15) سنة. وتضيف" إن البنية الجسمانية تختلف من فتاة إلى أخرى، وهذا العامل يتيح للأهل تزويج ابنتهم لأسباب اجتماعية ، حيث تكون النتيجة عدم القدرة على الإنجاب أو إنجاب أطفال مشوهين. وكثرة الإنجاب ترهق المرأة وتسبب لها العديد من الأمراض, مثل سرطان الثدي وسرطان الرحم. والزواج في سن مبكرة يكون مبنيًا على جهل الشاب أو الفتاة بالأمور الزوجية مما يضعف الرغبة الجنسية أو يؤدي الى ممارسة الجنس بطريقة خاطئة، لذلك أغلب حالات الطلاق بين المتزوجين تحدث للمتزوجين في سن مبكر. وتوضح بأن هنالك الكثير من الحالات الغريبة التي تلاحظها في بعض المتزوجات، ومثال على ذلك ان القسوة في ممارسة الجنس من قبل الزوج، تسبب للفتاة صغيرة السن مشاكل صحية كثيرة، مع مراعاة المشاكل النفسية المصاحبة لها والتي لا تعد ولا تحصى .

زوجة.. طفلة

الحاجة " أم أمير " أم لولد وثلاث بنات، تروي لنا حكايتها مع ابنها البكر أمير، وتقول: "لقد تزوج ابني من فتاة صغيرة السن لا يتجاوز عمرها الستة عشر عاما، وهنا بدأت مأساتنا، وانقلبت أحوالنا من الفرح بزواج ابننا الوحيد، إلى سلسلة من المشاكل المستمرة، مضيفة " ان زوجة ابنها سيطرت بالكامل على ولدها بوجهها الحسن، وصغر سنها، وراحت تفتعل المشاكل ، وتحرض الأخ على أخواته. فلا احد يستطيع ردعها عن أي شيء تريده ، وكلما حاولتُ الكلام ونصحها تردني بوقاحة، غير مبالية بمكانتي في العائلة. مما فرض عليّ إن أوضح وابرر لولدي أية مشكلة تحصل في البيت بسببها"، وبينت ام امير أن الفتاة لازالت في عمر المراهقة، ويجب التمهل معها، ولا تزال تمثل دور الطفلة المدللة، التي لا يرفض لها شيء، ولا يعاندها احد كائنا من يكون.
و تساءلت الأم: مثل هذه الفتاة الصغيرة كيف تستطيع التعامل مع الأطفال، وهل هي مؤهلة لتبعات الحمل إن أتاها مبكرا؟ مضيفة: يجب وجود عاملين مهمين في حال الزواج، هما البلوغ الكامل في العقل والبنية الجسدية الكاملة للفتاة.

نسب مئوية

يؤكد مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء، التابع لوزارة التخطيط بشأن "معارف وسلوكيات وطموحات الفتاة المراهقة "، بالتعاون مع هيئة إحصاء إقليم كردستان، ووزارتي الصّحة والمرأة، إن التقديرات السكانيَّة تشير إلى أن عدد الفتيات في العراق ضمن الفئات العمريَّة (10- 14) سنة بلغ 1,9مليون فتاة. ووفقاً لهذه التقديرات، فإنِّهن يمثِّلن تقريباً 6 في المئة من إجمالي السكان. وبحسب نتائج المسح فان الفتيات من هذه الفئة العمريَّة يتوزَّعن بواقع 65.4 في المئة في المناطق الحضرية و34.6 في المئة في الأرياف.وتلفت نتائج المسح إلى أن أغلب الفتيات في هذه المرحلة العمرية على مقاعد الدراسة، إذ بلغت نسبة الملتحقات بالتعليم 82.4 في المئة، وترتفع هذه النسبة في إقليم كردستان لتصل الى 92.9 في المئة.وقد أظهر المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق الصادر عام 2007 أن 21 في المئة من الفتيات تزوجّن قبل بلوغهن سن الـ19، مقارنة بـ15 في المئة في أعوام 1997 و2004، فيما يظهر الجهاز المركزي للإحصاء عام 2011 أن 5 في المئة من الفتيات العراقيات تزوَّجن بعمر دون 15 سنة، ونحو 22 في المئة دون 18 سنة. ويأتي تصاعد الخطوط البيانيَّة في نسب الزواج المبكِّر، على الرغم من تحذير وزارة المرأة في عام 2010 من أن (النساء بين أعمار 15 إلى 18 سنة هنّ أكثر عرضة للوفاة أثناء الحمل أو الولادة بمرتين قياساً بالنساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة).
وهذه الإحصائيات تفتح الأبواب مشرَّعة أمام حقوق القاصرات، اللواتي يتعرَّضن أكثر للوفاة أثناء الحمل أو اثناء الولادة . ومع أن قانون الأحوال الشخصيَّة رقم 188 لسنة 1959 يُعدُّ متوافقاً إلى حد ما مع القوانين الدولية التي تدعو إلى أن يكون الحدّ الأدنى للزواج اكمال الـ18 عاماً، (إذ يمنع القانون زواج الفتاة دون الـ15 عاماً، ويعطي التقدير للقاضي وبرضا الوالدين في تزويج الفتاة بين الـ15 والـ18 عاماً)، إلا أن الشرعيَّة التي تسبغ على العقود المكتوبة خارج إطار المحاكم ولاسيما تلك التي تعقدها مكاتب رجال الدين من سادة ومشايخ، تعتبر ملاذاً لمن يريد تزويج ابنته دون السن القانوني، ولمن يريد أن يتزوج فتاة دون هذا السن.

خطورة الظاهرة

وزارة التخطيط والتعاون الانمائي أكدت:" ان العراق هو الاعلى بين دول العالم في زواج القاصرات: مشيرة الى حاجتها الى قرارات أممية للحد من مشكلة زواج القاصرات، وان مشكلة الزيادة المضطردة للسكان هي مشكلة عالمية الا ان حمل القاصرات يعتبر احد المشاكل الخطيرة التي تعاني منها دول العالم وخاصة في العراق الذي يمثل الزواج المبكر فيه اهم الاسباب الرئيسية لزيادة السكان". وان " الحد من هذه المشكلة التي يعاني منها العالم تحتاج الى قرارات أممية لتحديد النسل ورفع سن الزواج "، مؤكدة ان" قلة التعليم وعدم تفعيله بين الشابات هو ان أهم الأسباب التي تؤدي إلى زواج القاصرات".

ازدياد العنف

تقول التدريسية رفاه خضير جياد أستاذة قانون العقوبات في كلية القانون ان التقاليد "كانت و ما زالت السبب الرئيس في ازدياد ظاهرة العنف، لأن أكثر النساء اللواتي يتعرضن للعنف يلتزمن الصمت ويرفضن اللجوء للقضاء خوفا من نظرة المجتمع ومن التقاليد، وهذا ما يؤدي إلى تجاوز أكبر ضدها وبالتالي ضياع حقها.
وتضيف رفاه جياد " إن مجتمعنا ما زالت التقاليد تلعب فيه دورا وتكون لها كلمة الفصل عند أكثر الناس، دون النظر إلى تطورات العصر واحتياجاته. فأنا شخصيا تعرضت إلى عنف التقاليد حتى حاربت طموحي، ولكني وقفت ضدها بمساعدة عائلتي طبعا ".

تمرد

الإعلامي عامر موسى يقول:" هناك منظومة قيم وتقاليد هي التي تحيط بالمجتمع وتسير حياته وقد تساهم بالعنف ضد المرأة لان هنالك خجل عندها. لكن اليوم هناك تحول نوعي حيث بدأت المرأة تعي حقوقها واصبح هناك تمرد على تلك المنظومة، ليس كميا لكنه بعد فترة سيشكل ثقافة في المجتمع ,
ويؤكد موسى على ان العنف موجود عموما ليس ضربا فقط فمجرد النظر للمرأة على انها ناقصة عقل هو عنف والكلمة قد تكون اشد من الضرب. وقد يكون العنف الآن أكثر من السابق بسبب الانفتاح والحداثة التي ساهمت بتمرد المرأة على منظومتها فهي تتمنى ان تعيش الاشراق الذي تراه في المسلسلات والأفلام لكن بالمحصلة النهائية قد تتعرض الى العنف.
فيما تقول الدكتورة وئام سعد عبد الحمزة المعاون العلمي في كلية الطب البيطري: " رغم كل ما وصلت اليه المرأة من مناصب وكل ما قدمته وما يمكن ان تقدمه لعائلتها و للمجتمع، الا ان مجتمعنا مازال ينظر اليها على انها ناقصة عقل. قد يكون هذا صحيحا لان هناك بعض النساء لا يمكن ان تعتمد عليهن ولا يمكن ان تصبر معهن, لكن هذا الامر شمل الاخضر واليابس. فأنا كامرأة عانيت كثيرا من نظرة الرجل هذه وخصوصا اني في منصب مسؤولية فلا احد يتقبل رأيي بسهولة وهذه ليست مشكلتي فقط، فكل امرأة تشغل منصبا تعاني من هذه المشكلة فالرجل في مجتمعنا يعتبر ان تنفيذه لأمر امرأة حتى وان كانت مسؤولة اعلى منه موقعاً، هو انتقاص من رجولته حتى وان كان فيه مصلحة العمل. وهذا ما يسبب تأخر العمل وتأخر المرأة في مجتمعنا.

القوانين وحقوق المرأة

بالعودة إلى مكتسبات المرأة العراقية نتذكر معاَ قوانين الأحوال الشخصية التي نالت بوساطتها النسوة بعضا من حقوقهنّ. ولكن تلك القوانين كثيرا ما كانت تتعرض الى بهجمات معادية للنيل منها ومما احتفظت به من مكتسبات للمرأة.
وفي الوقت الذي تحتاج فيه المرأة خصوصا والمجتمع عموما إلى قانون يرفع من شأنها ويحسن من أوضاعها، يبرز لنا المخطط الجديد الهادف الى اسكاتها ودفعها الى اغوار جديدة من التخلف.
المحلل السياسي والناشط في حقوق الانسان الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي يقول " ليس غريبا تشويه المرأة العراقية في الزمن الجديد.. ومن هجمات تتعرض لها بخطورة أكبر، فبحجة العفة والشرف والتديّن يجري منع المرأة من التوجه للعمل؛ علما أن المرأة العراقية هي نفسها التي سدّت موقع أخيها الرجل الذي أرسلوه إلى مطاحن الموت وحروب الدمار المتعاقبة التي ما توقفت منذ ثلاثين سنة من العنف والدم وروائح الموت الأسود طاعون بلاد الخير والنماء..و يتمّ منع الشابات والنسوة من التوجه للجامعات والمعاهد والمدارس والعلم والمعرفة. والأنكى منه منع الفتيات الصغيرات من التوجه إلى مدارسهنّ وإباحة فتاوى لتزويجهنّ بهذا العمر".
وهكذا صار على المرأة العراقية أن تضاعف مهامها من أجل التمسك بمكتسباتها بل من أجل تطويرها والحصول على مواقع جديدة مختلفة عن هوامش الأمس و تزويقاته، وأن تتخذ من أرضية القانون المرحلي للدولة سندا لتوسيع المقاصد الإيجابية ومنع الاعتداء على ما سجلته من مكتسبات سابقة بل التوجه لتعزيز مكانتها.. وسنّ قوانين تحميها وتحمي المجتمع من ترسبات القوى الطارئة على مجتمعنا.
الكاتب عبد العزيز لازم , يقول: "يركز المشروع الجديد (الجعفري) على "حقوق" فنتازية للرجل، تنتمي الى عصور الجواري على حساب حقوق المرأة في العيش كإنسانة تساهم في اكثر من نصف الجهد البشري في البناء الاجتماعي والحضاري . إن هذه الحقوق المفتعلة تقوم على تثبيت طرق استخدام الرجل للمرأة لغرض المتعة باشكالها الجائرة، منها جواز تزويج الفتاة القاصرة بعمر تسع سنوات أو اقل احيانا باشراف ولي أمرها بغض النظر عن رغبتها او عدمها، لأن ولي الأمر هو الجهة الوحيدة التي تقرر مصيرها وتعرف " مصلحتها ". ومنها تعدد الزوجات و احقية الرجل في قضاء لياليه مع نسائه الواحدة بعد الاخرى، ويمكنه قضاء متعته مع " امرأته " بغض النظر عن قبولها أو عدمه . و اذا علمنا إن هذا القانون يكرس الطائفية و يحاصر الفقراء حصرا، علمنا أية كارثة تنتظر ليس المرأة فقط بل المجتمع بأسره . فالبنت القاصر التي عليها ممارسة دور الزوجة ستتوقف عن الذهاب الى مدرستها وستنشغل بانجاب الاولاد وتربيتهم، وهذا معناه ان الأمية بين النساء هي النتيجة التي ستنتشر بشكل منظم وهو أمر مطلوب من قبل البعض. من جانب آخر لن يجد هذا القانون تطبيقاته من قبل الطبقات الغنية أو المتعلمة لأنهم غيرمضطرين معيشيا لذلك، ولأنهم يطمحون عادة الى تعليم بناتهم للحصول على شهادات عليا تخدم طموحاتهم. و ثمة مادة ضمها المشروع لا تختلف في غرابتها عن زواج القاصرات وهي حق الزوج في الاستمتاع بالنساء غير المسلمات عن طريق الزواج منهن زواجا مؤقتا وليس دائما، بغض النظر عن موافقة أي من زوجاته . وهذا النص يحمل في طياته تمييزا مرفوضا ضد منتسبي الأديان الأخرى من العراقيين".
فيما قال الدكتور احمد عبد الهادي السعدون استاذ العلوم السياسية في كلية القانون بجامعة المثنى: " اعتقد ان كل ما جاء به قانون الاحوال الشخصية الجعفري مدون في الرسائل العملية لمراجع الدين وبالتالي لم يأت بجديد خارج عما هو مألوف في الفقه الجعفري من حيث تحديد سن البلوغ للنساء بتسعة سنوات، وإمكانية الذكر بالزواج بأكثر من واحدة من دون طلب موافقة الزوجة، وعدم تساوي المرأة بالرجل في الإرث وحرمانها من التصرف بحصتها من الإرث الثابت دون المنقول. هذه كلها مألوفة ومدونة في الفقه الجعفري لكن هذه القوانين تنطبق على الدورة التي تطبق الشريعة الدينية لا الدولة المدنية، والعراق بحسب الدستور دولة مدنية بامتياز، لذلك وجود مثل هذه القوانين لا يتلاءم مع التطور والمدنية."
وقالت التدريسية رفاه خضير :" ان تحديد الزواج من زوجة ثانية بقيود تنظيمية وفق قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 يتطلب موافقة المحكمة لاجراء مثل هذا الزواج وفق شروط حددها النص كما حددت ضمانات للمرأة في حال التفريق والطلاق ودار السكن والنفقة والحضانة. اما مشروع القانون الجديد فانه يشكل انتهاكا للاتفاقيات الدولية التي وقعها العراق وخصوصا المتعلقة بحقوق المرأة والطفل و المتعلقة بمنع زواج الاطفال وعدم تعريض الفتيات لمخاطر الزواج المبكر و القسري، اذ ينتهك اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ?التي صادق عليها العراق عام 1986 .

حق المرأة في تقرير المصير

في دراسة موجزة لبعض حقوق المرأة في الإسلام للاعلامية باسمة دولاني - أستاذة الدراسات الاسلامية المسيحية في الجامعة اليسوعية في لبنان جاء ما يلي: " في الجاهلية العربية كما في الجاهلية غير العربية كان الآباء يعطون لأنفسهم الولاية المطلقة على البنات والأخوات وحتى الأمهات في بعض الأحيان، ولا يعترفون لهن بأي حق في اختيار الزوج. وهذا الاختيار في تصورهم حق مطلق للأب والأخ، وعند عدم وجودهما فالولاية للعم. وقد بلغت الولاية في التزويج الى حد ان بعض الآباء كانوا يزوجون بناتهم قبل ولادتهن, لذا فقد جاء الإسلام ليغير والغي هذه العادات، ونجد في موقف الرسول صلى الله عليه واله وسلم حين منح ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام حرية اختيار الزوج، خير دليل على ان للمرأة الحق في تقرير مصيرها باختيار زوجها.