- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 03 شباط/فبراير 2015 19:35

محمود داود سليمان البريكان، شاعر عراقي ولد في الزبير، البصرة عام 1931 لأبوين نجديين. يعود نسبه إلى شمّر وتحديداً من الأسلم،وكان والده تاجر قماش معروفاً في البصرة والكويت. للبريكان ستة اخوة ترتيبه الثاني بينهم. تأثر البريكان في صباه بجده لأمه واسمه أحمد الخال الذي كانت له مكتبة بيتية كبيرة تحتوي على مجلات ودوريات وكتب ومراجع مما جعل محمود يتأثر بهذه المكتبة وعرف الكتاب طريقه اليه عن طريقها. تخرج في كلية الحقوق بجامعة دمشق، وعمل مدرسا للغة العربية في العراق والكويت. كان من الشعراء الرواد والمجددين في الشعر العربي الحديث لكن إنعزاله وبساطته وعزوفه عن النشر بسبب معارضته نظام صدام كانت من أسباب إبتعاده عن الأضواء. كما رفض كل إغراءات السلطة في حياته، وعبر عن ذلك في إحدى قصائده. للبريكان ديوان يضم مختارات شعرية صادر عن دار نيبور بعنوان "متاهة الفراشة".
مختارات من شعر البريكان
أعددت ُ مائدتي وهيأت ُ الكؤوس
متى يجيء
الزائر المجهول ُ؟
أوقدت ُ القناديل َالصغار
ببقية ِ الزيت المضيء ِ
فهل يطول ُ الانتظار؟
أنا في انتظار سفينة الاشباح ِ تحدوها الرياحْ
في آخر الساعات قبل توقف الزمن الأخير
في أعمق الساعات ِ صمتا ً:
حين ينكسر ُ الصباح ْ
كالنصل فوق الماء حين يخاف طير أن يطير ْ
في ظلمة الرؤيا
سأركب موجة الرعب الكبير ْ
وأغيب في بحر من الظلمات ِ ليس له حدود ْ
أنا في انتظار الزائر الآتي
يجيء بلا خطى
ويدقّ دقته ُ على بابي.. ويدخل ُ في برود ْ
أنا في انتظار الغامض ِ الموعود تحماه الرعود والريح
ُيوشك ُ أن يحل الوقت ُ
والأفق الطويل
خال ٍ وليس هناك ظل سفينة ٍ
يبدو الوجود ْ
كالقوس مشدودا ولكن
لا علامة َللرحيل ْ.
سقطت فنارات العوالم ِ دون صوت ٍ والرياح هي بعدُ سيدة الفراغ وكل متجه ٍ مباح .
وتغيرت طرق الكواكب ِ فوق خارطة ِ السماء
الآن تكذب ألف بوصلة ٍ تشير الى الفناء
وعلى مسار الوهم ترسم خطها القلق َ القصير ْ
ما من مغامرة
هو التيه المجرد في العراءْ
أتذكّر الموتى
ولون دموعهم في الزمهرير
"ولعلهم كانوا جميعا قبل ذلك أبرياء"
لم يهلكوا جوعا ولا عطشا وإن كانوا ظماء ْ
ماتوا بداء الوهم ِ
ليس لطائر البحر الجميل ْ
شكل ٌ وقد
لاينزف ُ الدم من قتيل ْ
أتذكّر ُ المدن الخفية في البحار
أتذكّر الأموات
والسفن َ الغريقة والكنوز ْ
وسبائك َ الذهب المصفى والعيون اللامعات ْ
وجدائل َ الشعر ِ الجميلة ِ في القرار
منثورة َ
وأصابع الأيدي المحطمة النحيلة ْ
مفتوحة لا تمسك الامواج
في الطرق الظليلة ْ
في القاع تنتثر النياشين المدوّرة الصقيلة ْ
وتقر ّ أسلحة القراصنة ِ الكبار ْ
ياطالما أسريت ُ عبر الليل ِ أحفر في القرار ْ
طبقات ِ ذاك الموت ،
أتبعت ُ الدفائن في السكون ْ
أستنطق الموتى أرى ماكان ثم وما يكون ْ
وأشم رائحة السكون الكامل الأقصى
أريدْ
أن لا أمثـّل من جديد ْ
آلام تجربة العصور ْ
أن لا أُقطّع بالتوتر ، أو أسمّر بالحضور ْ
أبصرت آدم في تعاسته ِ ورافقت الجيوش ْ
في أضخم الغزوات ِ نئت ُ بحمل آلاف النعوش غنيت آلاف المواسم ِ
همت ُ في أرض الجمال ْ
ووصلت ُ أطراف المحال ْ
ورأيت كيف تدمّر ُ المدن المهيبة في الخفاء ْ
شاهدت مايكفي وكنت الشاهد الحي ّ الوحيد ْ
في ألف مجزرة ٍ بلا ذكرى
وقفتُ مع المساءْ
أتأمل الشمس التي تحمرّ كان اليوم عيد ْ
ومكبرات الصوت ِ قالت : كل انسان ٍ هنا هو مجرم ٌ
حتى يقام على براءته الدليل ْ
وسمعت أبواق الغزاة تضج ّ
في الليل الطويل ْ
ورأيت ُ كيف تشوّه الأرواح ُ جيلا بعد جيل ْ
وفزعت ُ من لمعان مرآتي : لعلّي كالمسوخ ْ
مسخ ٌ تقنّعه ُ الظلال ْ
وعجبت منها دمعة ً في القلب ِ تأبى أن تسيل ْ
والدمع مهما رق ّ هل يكفي لمرثية ِ الجمال ؟
الوقت أدرك رعشة ًفي الريح ِ
تعكسها الصخور ْ
الوقت ُ أدرك موجة تنداح ُ من أقصى الدهور الوقت ُ أدرك لست وحدي
يعرف القلب ُ الجسور ْ
أن الرؤى تمّت وأن الأفق يوشك ُ أن يدور ْ
أنا في انتظار اللحظة العظمى
سينغلق المدارْ
والساعة السوداء سوف تُشلّ تجمد في الجدار ْ
أنا في انتظار
والساعة السوداء تنبض نبض إيقاع ٍ بعيد ْ
رقّاصها متأرجح ٌ
قلِق ٌ يميل الى اليمين ْ
الى اليسار ِ
الى اليمين ِ
الى اليسار ِ
الى اليسارْ .
***
أروي لكم عن كائن يعرفه الظلام
يسير في المنام أحيانا، ولا يفيق
أصغوا اليّ أصدقائي! وهو قد يكون
أي امرئ يسير في الطريق
في وسط الزحام.
وقد يكون بيننا الآن، وقد يكون
في الغرفة المجاورة. يمط حلمه العتيق!
***
اعتاد أن ينهض حين تقرع الساعة
دقاتها السبع، ويعلو صخب الباعة
يفتح مذياعه
يصلح شاربيه أو يدهن عارضيه
ويرسم ابتسامة غبراء خداعه
على زوايا شفتيه، ثم في عجل
يمضي إلى العمل.
يمر بالناس الكثيرين وبالأشجار
فلا يرى شيئا.. وقد يبتاع في الطريق
جريدة يقرأ منها آخر الأخبار
وهو غريق يعد في سباته العميق...
***
إن له وجها كوجه الناس أجمعين
لكن إذا رأيته يلهث في العتمة
تجده كالذئب الذي أيقظت الظلمة
أسراره، فهو مخيف خشن حزين
***
ماضيه لا يعرف الا انه بعيد
بداية غامضة من حلم مديد
ليس له مدى.
حاضره ليس له صوت ولا صدى.
منشودة! يفلت من كفيه ما يريد.
فهو هنا شبح
وكائن وحيد
لا يعرف الفرح!
وهو نداء ميت أبح
في مجهل بعيد...
***
يا أصدقائي هل عرفتم ذلك المخلوق
الشاحب الذي يجف صوته المخنوق؟
الكائن المخدر الهائم في المنام؟
الكائن الذي تبثّ كفه الصفراء
من حوله أشياء
ترعبه
أشياء
لا يمكن القبض عليها مرة أخرى!؟
يعرفه الظلام
تعرفه برودة الليل! وقد يكون
أي امرئ ترونه يسير في الطريق.