ادب وفن

صيانة الأعمال الفنية.. مهمة وطنية رغم كل العراقيل / تضامن عبدالمحسن

شهد العراق في عام 2003 أكبر عمليات نهب وسلب نتيجة لغياب السلطة وتردي الأوضاع الأمنية، وبروز عصابات من نوع مختلف سلاحها المفك والـ "سكول سبانه" والمطارق، لتفتح بها أبواب الدوائر والمؤسسات الرسمية وقطع الأثاث وغيرها!
كان من بين تلك المؤسسات مركز الفنون في بغداد، أو ما يسمى سابقا بـ "مركز صدام للفنون"، الذي تأسس عام 1986 ليكون أكبر صرح ثقافي عراقي يستقبل المهرجانات الفنية العالمية والمعارض التشكيلية المحلية والعالمية، لكن بسقوطه بيد تلك العصابات في عام 2003 فقد كل ممتلكاته واللوحات الفنية البالغة عددها 8000 لوحة، والتي رسمت بريشة رواد الفن العراقي، اضافة الى لوحات لفنانين عالميين، ولم يتبق منها سوى 1400 لوحة!
أما ما بقي من تلك الأعمال فقد تعرض للتلف نتيجة الخزن الخاطئ أو غرقه بالمياه، وما أعيد منها من قبل المهتمين الذين قاموا بشرائها، كان بحاجة الى الترميم والصيانة، فكان أن قامت وزارة الثقافة العراقية بإبتعاث عدد من الفنانين الى كل من دولة الجيك وايطاليا ليدخلوا في دورات تدريبية لتعلم الصيانة والترميم وفق الطرق الحديثة.
حول هذه القضية وشجونها، والمحاولات التي تبذل حاليا لحفظ ما تبقى من هذا الارث، كان لنا هذا اللقاء مع الفنان التشكيلي ماهر الطائي في مختبر صيانة الأعمال الفنية في المتحف الوطني للفن الحديث، في بغداد التابع لوزارة الثقافة العراقية.
متى تأسس هذا المختبر؟
عند العودة من روما عام 2006، حيث شاركنا في الدورة المقامة هناك لغرض صيانة اللوحات الفنية، وقد حصلت على شهادة وبدرجة امتياز من المتحف الايطالي للفن الحديث في صيانة الأعمال وانشاء المتاحف الفنية. ومنذ ذلك التاريخ أنشأنا ذلك المختبر، وقمنا بجرد الأعمال التي تتطلب الصيانة والترميم، وعملنا بجدية على صيانتها وادامتها.
ما هو نوع الضرر؟
تعرضت اللوحات الى أجواء رطوبة وحرارة وأتربة وسوء خزن، وهذا يولد نوع من البكتريا التي تتلف اللوحات وألوانها.
كان أهم تحد أمامنا هو القضاء على الشقوق والتقشرات في العمل الفني، وقد تعلمنا في دراستنا في روما الطرق المناسبة لتنفيذ الصيانة في هذا المجال.
هل يمكن أن نقول أنكم عالجتم الضرر 100 بالمئة؟
قمنا بواجبنا، ومارسنا كل العلوم التي تعلمناها الا أننا مازلنا نبحث عن أجهزة حديثة للصيانة، وهذه غير متوفرة لنا لحد الآن للأسف وهي تكمل عملنا وتعيد للوحة بعضا من بهائها الأول، مازلنا نتألم لأننا خسرنا فرصة بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 والتخصيصات المالية التي وفرتها، وطلبنا حينها وضمن تقارير رفعت الى جهات عليا أوضحنا فيها أن ترميم اللوحات بشكل علمي وفني متقن سوف يؤدي الى الاعتراف بها عالميا. وهذا الترميم المتقن تكمله الأدوات الألكترونية الحديثة. قد يعطي طابع الأناقة في تنفيذ الصيانة، ولكن الآلات الح?يثة تساعدنا على اكتشاف مراحل اللون مجهريا وتقتل البكتريا التي تتلف العمل الفني، كما انها تعالج كمد الألوان، الناتج عن تفاعل الألوان كيمياويا بسبب تقادم الزمن على اللوحة.
هل تقومون برسم الأجزاء المفقودة نتيجة الضرر وتضعون الألوان المتساقطة؟
"جفل من سؤالي واجابني بصوت مرتفع".. كلا، فإعادة رسم الأعمال الفنية القديمة جريمة.. ليس من الصحيح اعادة وضع الألوان على عمل متحفي.
من الممكن أن نجري الاضافات على اللوحات حينما يطلب منا أصحابها الذين مازالوا أحياء، أما الأعمال المتحفية التي تبلغ من العمر أكثر من مائة عام وقد رحل أصحابها فلا يحق لنا التلاعب بها، بل عملنا يقتصر على اجراء الصيانة وايقاف الضرر فقط، والحفاظ على الحقبة الزمنية للوحة. فمثلاً لوحة الفنان "عبدالقادر الرسام" عمرها مائة عام، وقد تعرضت للتشقق وقمنا نحن بتليين التشقق ولكننا مازلنا بحاجة للأجهزة الحديثة لإجراء الترميم، ولكني سأتوقف بهذا العمل، اذ لا يمكن اضافة أي لون والا فاني أتلف العمل الفني كله.
هل تدخل اللوحات المعروضة في متحف الفن الحديث ضمن التراث العالمي؟
نحن حاليا نخاطب الانتربول بخصوص اللوحات المسروقة منذ عام 2003، كما أننا نطالب المسؤولين بمفاتحة اليونسكو لتكون لوحات الفنانين الرواد ضمن الجرد العالمي. ولكن أقولها بكل أسف ان الاهتمام الفني ليس من ضمن أولويات السلطة والمسؤولين، وأن المسائل المالية والادارية هي الأهم من المواقف الفنية، وأنا كفنان أعتقد أن اطار لوحة أهم من مائة كتاب رسمي يوجه الى أي جهة مهما كان من الأهمية.
هل لديكم جرد وأرشفة للوحات؟
نحن سنويا نجري جردا على اللوحات ونعطيها رمزا وتاريخا، وتؤرشف الكترونيا، كما أننا نصور اللوحة قبل الترميم وبعد الترميم واسم الشخص الذي قام بعملية الصيانة. وتكون المعلومات باللغتين العربية والانكليزية، وبعد عملية الترميم نغلف اللوحة ونحفظها في المخازن، وتكون جاهزة للمشاركة في المهرجانات.
وهل تكون طريقة الخزن علمية ووفق الشروط العالمية؟
قدر الامكان، فنحن بعد الصيانة نغلف العمل الفني ونحفظه في المخازن، ونحن نقدر انه يجب أن تكون المخازن مهيأة بطريقة علمية لحفظ اللوحات من ناحية الضوء والرطوبة ودرجات الحرارة ويجب أن تتوفر مفرغات الهواء.
مخازن الوزارة تحتوي على مشبكات لحمل اللوحات كما معمول عالميا، ولكن بيروقراطية وروتين العمل الاداري يهيمن على أهمية العمل الفني، أي أن الادارة تفرض أشخاصا اداريين في مجالات العمل الفني ممن لا يمتلكون الخبرة الكافية ولا الحس الفني للعمل بشكل علمي.
صُرف على المخازن حوالي 100 مليون دينار عراقي ولكننا لم نحصل على القياسات العالمية للخزن.
كم لوحة اجريت عليها الصيانة والترميم؟
منذ عام 2006 الى اليوم قمنا بعمليات صيانة كثيرة، اذ اننا نصون حوالي 50 لوحة سنويا، ويشترك في ذلك عدة فنانين، فقد قمنا بترميم لوحات لفرج عبو، عبدالقادر الرسام، جواد سليم، ماهود احمد واخرون كثر.
كم لوحة في المتحف الفني؟
قبل عام 2003 كانت هناك حوالي 8000 لوحة فنية لرواد الفن العراقي وفنانين معاصرين، لكن في أحداث السلب والنهب في 2003 فقد سرقت واتلفت حوالي 7000 لوحة، والآن عدد اللوحات 1900 لوحة، أعيدت عن طريق بعض الخيرين ممن اشتروا اللوحات المسروقة المنتشرة في أنحاء العالم، أو أنهم كانوا يحتفظون بها لحين استقرار الأوضاع.
هل تشمل الترميمات الأعمال النحتية أيضا؟
بالتأكيد، فقد قمنا بصيانة العديد من الأعمال النحتية والتخطيطات والرسومات الورقية وبعض السكيتشات لفنانين رواد، حيث لم يتسن لهم رسمها على الخام.
ان أصعب أنواع الترميمات هي تلك التي أجريناها على الورقيات، بسبب رقة جلدتها، وقد اتبعنا طرقا علمية لأغراض صيانتها.
اذاً لماذا لا تجرى الترميمات على الأعمال النحتية في الشوارع وخاصة نصب الحرية؟
أيضا بسبب بيروقراطية العمل الاداري.. وكتابنا وكتابكم التي لا تنتهي
ما رأيك بالشباب المبادرين الذين يقومون بغسل النصب؟
أقول لهم.. لا تساعدوني في هدم بيتي، جهودهم مشكورة ومبادراتهم بحسن نية لإصلاح المشهد ولكنهم في الحقيقة يتبعون طرقا خاطئة جدا في التنظيف بعيدة عن الطرق العلمية.
ختاما.. اذا كان الارهابيون الدواعش قد دمروا آثارنا فأننا نطالب الجهات المسؤولة أن تصون ما تبقى بين أيدينا، فبعدنا أجيال تقرأ ما نكتب وما كتب الأولون، والتاريخ هو الحكم.