- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 08 شباط/فبراير 2016 19:24

قالت عنه صحيفة الغارديان: "ربما يكون أفضل كتّاب الخيال العربي الباقين على قيد الحياة". حسن بلاسم الكاتب والسينمائي العراقي المقيم في فنلندا منذ 1998 يعود ولكن بكتابة القصص الصادمة والمروعة في (معرض الجثث) الصادر حديثاً عن منشورات المتوسط.
هذا الكتاب الذي يضم جل ما كتبه بلاسم وينشر كاملًا لأول مرة، يمكن القول إن فيه قصصًا تصلح مشروعات روائية مستقلة بذاتها، من شدة التكثيف والخصوبة الابتكارية لدى هذا الكاتب العراقي الذي يعد اليوم، ظاهرة أدبية عربية في عموم أوروبا وأمريكا، بعد أن ترجمت كتبه أهم الدور العالمية من دار بنغوين النيويوركية الشهيرة إلى دار بونش السويدية الكبيرة، وإلى الحد الذي دفع الصحافة السويدية للتنبؤ بأن حسن بلاسم سيفوز بعد عشرة سنوات بجائزة نوبل.
لكن لماذا كل هذا الاحتفاء الغربي بكتابات حسن بلاسم القليلة نسبيا بالمقارنة مع كتاب آخرين؟ قراءة واحدة لقصة مثل: (مجنون ساحة الحرية) وتبين لماذا استطاع بلاسم، أن يتفوق في هذا الفن الأدبي ويقدم للقارئ في كل مكان، كتابة عربية مغايرة، عن كل ما كتب سابقا في مجال الأدب القصصي.. فهو يجنح باتجاه توليد مزيج فني يخلط الواقع الدموي بالسوريالية والسخرية السوداء، منتجًا نوعا سنشك أنه ينتمي لما نعرف على الأقل من أنواع ذلك الأدب السردي العربي المعتاد. وهو يقوم بردم الهوة بين اللغة (الكتابة) وبين الواقع البشع، وكأنه يكتب بمنظار يظهر الحقيقة الإنسانية عارية، مجردة من كل لغة مواربة، حنينة، رومانسية، وفق عدنان مبارك.
فبلاسم لا يصور عبثية الموت العراقي قبل وبعد الاحتلال فقط وإنما يلج داخل الجحيم المستعر ويعيد خلقه بالاستناد إلى ركيزتين أساسيتين: التخيل الحر والإقناع الفني؛ وهو ما أقنع أكبر مؤسسات الأدب في أوربا وأمريكا بالاعتراف بمنجزه، ترجمةً وجوائز كان من أهمها فوزه بجائزة "الإندبندنت" كأول عربي يفوز بهذه الجائزة الأدبية المرموقة في إنجلترا عام 2014.
مع قراءة حسن بلاسم، كل الحواس تجدها مستنفرة، من شم رائحة أدخنة التفجيرات والدم إلى العمى في عتمة قصة (شاحنة برلين)، التي تروي حكاية تهريب لاجئين عراقيين من اسطنبول إلى أوربا مطلع العام 2000 ،ليعلقوا في شاحنة (ثلاجة تصدير فواكه) يتركهم فيها المهرب التركي لأيام ويمضي، ليحدث ما لا تحتمله المخيلة الإنسانية من بشاعة!
في قصص حسن بلاسم إذاً، تصفية حساب مع الواقع المبهرج بما يكفي من الزيف والخداع، ليغطي على جرائم الإنسان المعاصر. من هنا يفضح بلاسم العالم القائم، قائلا: " فالعالم بالنسبة لي هش جدًا ومخيف ولا إنساني وهو لا يحتاج إلى رجة صغيرة ليخرج فظاعاته وأنيابه البدائية". الأنياب التي بلا ريب أن حسن بلاسم اقتلعها وكتب بها السيرة الوحشية لزمن يتهاوى كل يوم ولا من مصغٍ لكل نداءات الاستغاثة. المفارقة أن حسن بلاسم لم يحظ بعد بالاحتفاء اللازم في العالم العربي. هل لأنه بعيد في أوروبا عن الأوساط الثقافية العربية أو لأنه كاتب قصة وليس رواية. لا نعرف بالضبط، ولكن من المؤكد أن قصص حسن بلاسم قادرة على خطف بريق الرواية من أول قراءة.
ما هو جدير بالالتفات، أيضًا، تجربة حسن بلاسم السينمائية والتي يبدو أن لها أثرًا هاماً في كتاباته القصصية، فبلاسم صانع أفلام دار السينما في بغداد وأخرج وكتب سيناريوهات عديدة، كان أولها فيلم كاردينيا (سيناريو واخراج) عام 1996 وحائز على جائزة افضل عمل متكامل في مهرجان اكاديمية الفنون للفيلم الوثائقي الثاني وجائزة افضل اخراج في مهرجان دائرة السينما والمسرح. وفيلم (جرح الكاميرا) الذي صوره في السليمانية عام 2000 والعديد من الأفلام الذي قام بكتابتها والعمل فيها. والتي تمثل رافدا تكنيكيا مهما في توليفة الكتابة عند بلاسم. إلى جانب التجربة الحياتية لهذا العراقي الذي اضطر إلى الهجرة مبكراً إلى أوروبا، لكن أوجاع مدينته ما زالت عالقة فيه.
فهو يكتب عن بغداد ما بعد الاحتلال وكأنه يعيش يومياتها الملتهبة مع المفخخات والانتحاريين والقتلة ومصائر الأبرياء، ولكن بعد التخلص من عقدة الحنين والنظرة الحالمة إلى الماضي عند الكتابة، وهو ما قد يكون أحد أسرار شخصية قصص بلاسم المحتدمة مع الواقع العراقي إلى أبعد حدود المخيلة.