ادب وفن

معطيات وآفاق / علي حسن الفواز

يواجه العمل الثقافي الكثير من التحديات، والكثير من الصعاب، وهو ما ينعكس سلبا على عمل مؤسساتنا المدنية بشكل خاص، فهي تفتقر للتمويل، وتغيب عنها الأطر القانونية الحمائية، مثلما تواجه كل تعقيدات انهيار وتدهور البنى التحتية للعمل الثقافي، وافتقارها لأبسط مستلزمات تنمية مجالات الصناعة الثقافية..
وإزاء هذه المعطيات نجد أنفسنا أمام حاجة حقيقية للتغيير، ولرسم آفاق جديدة للتعاطي مع تلك التحديات، والحديث عن فشل الأداء المؤسسي الرسمي والمدني خلال السنوات الماضية لاينفصل عن معطيات الواقع وصراعاته السياسية والأمنية، والتي وجد المثقف نفسه فيها أمام مشكلات من الصعب تجاوزها بسهولة، لاسيما وسط واقع سياسي ملتبس بالمحاصصة والتطيّف، والصراعات الأهلية، وهيمنة العديد من الاتجاهات الأصولية..
من أكثر التصورات التي تحوط بالعمل الثقافي خطورة هو هشاشة هذه المنظومة، فضلا عن ضعف التلازم مابين العمل النقابي والعمل الأدبي/ الثقافي، إذ تتطلب النقابية وعيا بالمسؤوليات والإدارة والانخراط في العمل المؤسسي، مثلما يتطلب العمل الادبي وجود البيئة الفاعلة والمُهيئة لتنشيط وتحفيز اليات الحوار والتشارك والتكامل، وهما ما نفتقد إليهما بشكل كبير، ولأسباب داخلية وخارجية، مالية وإدارية وسياسية، وربما لأن الكثير من التقاليد لم تتأصل في سياقات العمل الثقافي النقابي للمؤسسة الأدبية والتي كانت جزءا من المنظومة المركزية للسلطة والأيديولوجيا، وبالتالي كانت الوظيفة المهنية لاتتجاوز حدود تمثلها، وحتى الانتخابات فيها كانت تجري على وفق قوائم تتبع جماعات معينة، وضمن خيارات تخضع بشكل أو بآخر للمرجعية السياسية للسلطة..
اليوم ونحن نواجه واقعا جديدا ومغايرا نتطلع الى صياغة أفق ثقافي له معطياته وله أسئلته التي تتناسب وظروف الحياة العراقية، وبما يعزز الجدّة في المواجهة، وفي تأصيل قيم الحرية والمدنية والديمقراطية من جانب، وإعطاء النشاطات الثقافية دافعية وشجاعة عقلانية من جانب آخر، وهذا يحتاج بالضرورة الى تفاعل ثقافي، والى إرادة ووضوح والى تحمّل ومشاركة من دون عقد وحساسيات، لأن التحديات كبيرة والامكانات محدودة، ولأن الدولة بوصفها المؤسسة الرسمية تفتقد الستراتيجيات الحقيقية للتأهيل الثقافي، ولوضع العمل الثقافي في سياق برامج التنمية البشرية، وهو مايتطلب حمايتها قانونيا، وإدراج نشاطتها وفعالياتها في سياق تخطيط الموزانات الوطنية..
الانتخابات والآفاق..
يمكن أن نعدّ الديمقراطية أهم مظهر من مظاهر المرحلة الجديدة، وأن وعي الممارسة الديمقراطية كان هو الرهان الأكثر أهمية في التعاطي مع اشكالات الواقع، وفي النظر الى مسؤولية القوى الجديدة، وبروز الخيارات الانتخابية بوصفها تعبيرا عن تحول سياسي عميق، إذ بات الفضاء الانتخابي هو المجال الأنجع لتمثلها، ولإدراك فاعليتها في تجديد عمل المؤسسات، وفي خلق روح التنافس والتشارك والتحاور والتفاعل بعيدا عن الهيمنات والمركزيات، وبقدر ما تمثله الانتخابات من جهد وخيار، فإن الأفق الذي تتحرك فيه يظل هو المجال الذي تتطور وتتحفز من خلاله آليات العمل الثقافي..
بعد أيام قلائل سنعيش تحديا ديمقراطيا انتخابيا في مؤسستنا الأدبية، وهو مايستدعي جهدا استثنائيا لتأمين مستلزمات نجاح هذه الممارسة وتأصيلها، وتأمين الامكانات اللوجستية لكي تكون أكثر تعبيرا عن التنافس بين المرشحين، وأكثر تعبيرا عن استشراف واقع جديد، نطمح لأن يكون أكثر تمثلا للتحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية، وأن يُحفّز المثقف العراقي على الانخراط في العمل النقابي والعمل الوطني الثقافي، وأن تتعاظم فية الشراكة المسؤولة..
من أهم المقترحات التي أجد ضرورتها فاعلة في هذا الافق الانتخابي، وقابلة للحوار بين عديد من المكونات الثقافية العراقية هي التالي:
1. أهمية وجود برنامج ثقافي وطني ومهني للكابينة الثقافية التي ستمثل المجلس المركزي الجديد، وأن تخضع للمراجعة بين آونة وأخرى.
2. التأكيد على أهمية العمل بروح الفريق الواحد وبما يجسد الدور الحقيقي لإتحاد الأدباء والكتّاب بوصفه منظمة ديمقراطية ذات تاريخ فاعل في الحياة العراقية، وذات مواقف تُعبّر عن هويتها في توطيد قيم الثقافة العقلانية..
3. العمل على إيجاد آليات فاعلة لتنشيط دور الاتحاد في الحياة السياسية والثقافية، وعبر القطاعات المتعددة.
4. الانخراط في الجهد التنويري والاصلاحي للعملية السياسية عبر تحفيز أعضائه على المشاركة في الفعاليات الوطنية، وفي الكتابة عنها، والعمل من خلال الصحف والمجلات على صياغة رأي عام ثقافي ضاغط ومؤثر على الجمهور وعلى الفاعلين الرئيسين في المشهد السياسي.
5. ضرورة اختيار الفائزين الاكفّاء في جهدهم النقابي والثقافي للتصدي لمسؤوليات ادارة الأمانات العامة في المكتب التنفيذي، و من دون حرج، وإخضاع عمل المكتب التنفيذي لرقابة البرلمان الثقافي( المجلس المركزي).
6. الانفتاح على القوى السياسية والاجتماعية المدنية المتنوعة والمتعددة وفتح حوارات موسعة، وبما يجعل الجهد الثقافي حاضرا في الخيارات الوطنية وفي صياغة مستقبل البلاد..
7. العمل على وجود رأي عام ضاغط بضرورة اشراك المثقفين في المشاركة في التخطيط للستراتيجيات الكبرى، والتي كانت ومازالت تخلو من وجود أي ممثل للمؤسسة الثقافية، والعمل على أن تكون هذه المشاركة تقليدا مهما في العمل المؤسسي.
8. التنسيق مع لجنة الثقافة والاعلام في مجلس النواب على ضرورة أن يهتم المجلس بالملف الثقافي أسوة بالملفات الأخرى، والضغط على استصدار القوانين الخاصة بحماية المثقف، عبر تشريع قوانين حماية جهده الثقافي وملكيته الثقافية، والقوانين التي تخص حماية الرواد ودعم مشاريع العمل الثقافي وحماية الكتاب العراقي، وتأمين الظروف المناسبة لطبعه وتسويقه، والمشاركة في المعارض العربية والدولية..
9. التنسيق مع وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لتوسيع مساحة التعريف بالأدب العراقي، وبرموزه والاحتفاء بهم، واقامة الندوات لهم، والتحقيقات الاعلامية عن اسمائهم وعن تجاربهم.
10. التنسيق مع المدارس والجامعات العراقية لتفعيل الجهد الثقافي، وتعريف الطلاب بالكتاب والكاتب العراقيين، وتحفيز الطلاب على القراءة الادبية في المدارس، وفي الجامعات، فضلا عن التنسيق لاختيار الادباء العراقيين لأن يكونوا جزءا من الرسائل والأطاريح الجامعية..
11. التنسيق مع منظمات المجتمع المدني الأخرى لتوسيع مساحات النضال المدني داخل المجتمع، وابراز المشتركات الجامعة لمواجهة تحديات الصراع الأهلي والتشظي الهوياتي...
12. الدعوة إلى الاهتمام بالأبنية التراثية واعمارها مثلما هي، العمل على إعمار الأبنية الثقافية التي تعرضت للضرر والاهمال، وفتح قنوات للتنسيق مع المحافظات، ومجالسها، ومع أمانة بغداد والوزارات المعنية...
13. التنسيق مع وزارة الخارجية لتفعيل العمل خارج العراق عبر تنشيط الملحقيات الثقافية والنظر في قوانينها البالية، والعمل على تيسير مشاركة المثقفين العراقين في المؤتمرات الفعاليات التي تعقد في العديد من دول العالم..
14. الإهتمام بالجانب الحقوقي للأدباء على مستوى الرعاية والدعم لنشاطاتهم الثقافية، أو مايخص الاهتمام بوجود التشريعات التي تخص حمايتهم الفكرية والاجتماعية