ادب وفن

معرفة الواقع وتحديد المهمات والآفاق / رضا الظاهر

تتضمن مداخلتي خمس نقاط أو ربما موضوعات آمل أن تسهم، مع ما قدمه الزملاء الآخرون من مداخلات رئيسة اشتملت على أفكار هامة، في الاعداد لانتخابات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الوشيكة، وفي برنامجه اللاحق.
1- في رد على مزاعم غياب المثقفين وحركتهم الاجتماعية بوسعنا القول إنه لو انطلقنا من حقائق الحركة الاحتجاجية لميزنا مشاركة واضحة ومتسعة للمثقفين، فهم، الآن، في صدارة المشهد وقلب الحدث. وقد "ذاب"، بمعنى ما، والى حد ما، ما يدعى "تعارض السياسي والثقافي". ولا مبالغة في القول إن "المثقفين" هم قادة الاحتجاج وأنشط طليعييه، سواء انتموا الى الطبقة الوسطى، أو الفئات الكادحة.
وفي سياق الحراك نجد ملامح إجابات على بعض الأسئلة الملحة: كيف يمكن أن ينعكس الهم الحقيقي للناس، وهو ذو علاقة بالهوية الاجتماعية لا الجزئية أو الفرعية، في الموقف السياسي والاجتماعي وفي إبداعه الجمالي ؟ هل يرصد المثقف، وهو المتقدم في التنبؤ بالقضايا الكبرى، هذه الظواهر ؟ أم أن المثقفين مازالوا في أبراج عاجية، منعزلين، محبطين ؟ ملامح الجواب على مثل هذه الأسئلة بدأت تتضح.
وأمام المثقف، أيضاً، أن يسهم في الاجابة على أسئلة مصيرية من قبيل: العراق يبقى أم لا ؟ ماذا بشأن الهوية الوطنية ؟ وماذا عن وجهة التطور الاجتماعي ؟ هذه الأسئلة وسواها ذات طابع بنيوي، بل وجودي.
وتعد مساهمة النخب الثقافية في الحركة الاجتماعية الاحتجاجية أبرز سمة من سمات هذه الحركة. وتسعى هذه النخب، حثيثاً، الى ترشيد الظاهرة الاحتجاجية، وتدقيق توجهاتها، وإشاعة الوعي بأهمية وضرورة الاصلاح.
2- بما أن كل مشروع سياسي لابد أن يستند إلى مشروع ثقافي، فان الديمقراطية هي الأساس الذي ترتكز عليه هذه العملية في صياغة مشروع نقدي يتمثل في إعادة انتاج العلاقات الضرورية بين الفكر والأخلاق والسياسة.
والديمقراطية الحقيقية هي الفضاء الأرحب والشرط الأساس لازدهار الثقافة الابداعية. وبهذا المعنى فان التساهل في وضع المثل الديمقراطية موضع التطبيق يمكن أن يكون مقدمة لنمط من الاستبداد.
3- يستدعي النهوض الثقافي المنشود، قبل كل شيء، التوجه الى المثقفين أنفسهم، فهم، وحدهم، القادرون، وبأدواتهم الثقافية على تشخيص تعقيدات الواقع وآفاق المستقبل. ولحدوث ذلك لابد من تغيير ذهنية النظر الى الثقافة.
ويتعين أن يرتبط التوجه إلى خلق هذه الذهنية، من بين شروط أخرى، باجراءات عملية تجسد الدور الحاسم الذي ينبغي أن تمارسه الدولة ومؤسساتها المدنية في خلق الأسس المادية والروحية لنهضة ثقافية حقيقية، وتحقيق متطلبات الحياة اللائقة لمنتجي الثقافة الابداعية.
4- في سياق تحليل الواقع الثقافي الراهن لابد من الانطلاق من ضرورة تشخيص عناصر وسمات الأزمة الثقافية (وهي، بالطبع، جزء من الأزمة الاجتماعية). ولا أريد، هنا، تكرار هذه العناصر والسمات، فقد قدمت تشخيصاً لها في أكثر من ندوة، وكتبت عنها، كما فعل غيري من المعنيين، في أكثر من مقال منشور. غير أنني أؤكد، هنا، على ضرورة المعرفة العميقة بالواقع بكل تعقيداته والتباساته، حتى نتمكن من تحديد سليم للمهمات والآفاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مداخلتة في الندوة