مدارات

لماذاالقرار رقم 150 لسنة 1987 السيئ الصيت / فريد جلَو

بعد قيام الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 وتطورها المفزع آنذاك، أراد النظام أن يعسكر المجتمع، ومن فقرات عسكرة المجتمع الاقتصاد لغرض إدامة حربه، وكما نذكر: كان هناك شعار كل شيء من اجل المعركة، حيث تحول الكثير من المصانع من الصناعات المدنية إلى العسكرية وكانت الطبقة العاملة مازالت قوية ولا زال هناك في أوساطها جيل يتذكر النشاط الوطني والنقابي المطلبي في الحقبة الزمنية السابقة، وينقلون للأجيال الجديدة تلك الخبرات، وبالرغم من هيمنة النظام آنذاك على نقابات العمال إلا انه كان يتحسس الخطر خصوصا إن تجربة محمد عايش ما زالت في الأذهان، ذلك القيادي في حزب البعث الذي تمكن من استقطاب قيادات النقابات إلى جانبه ضد رئيس النظام الجديد (صدام) كما إن النقابيين البعثيين الذين يهيمنون على النقابات ويحتكون بالطبقة العاملة يتأثرون شاءوا أم أبوا بأطروحتها ومطاليبها، وكنظام شمولي استشعر الخطر فابتدع فكرة تحويل العمال إلى موظفين بالقانون سيئ الصيت وقد هلل له العمال البعثيون في البداية، ولكن بعد فترة وجيزة شعروا بالغبن الذي أصابهم فقد خسروا الكثير من المكاسب التي سبق أن حصلت عليها الطبقة العاملة نتيجة نضالها وتضحياتها واستمر الحال كما هو عليه حتى جاء سقوط النظام وعادت القوى الوطنية للتصدي لقيادة نضال الطبقة العاملة عبر تأسيس اتحاد جديد، اعترفت به المنظمات العمالية العالمية وكان ذلك الفعل قد تم بأساليب ديمقراطية، إلا إن هذه النقابات ومعها جميع الشرفاء تفاجؤوا بعدة مفاجآت منذ 2003 ولحد الآن، أولها إصرار الحكومات المتعاقبة على سريان مفعول قرار مجلس قادة الثورة المنحل رقم 150 وإن لا وجود للعمال في مؤسسات الدولة وهو نفس منطق النظام البائد حتى وصل الأمر إلى بعض الصدامات بين النقابات الفرعية التي تشكلت ومدراء المنشأت الصناعية،ولم يحل هذا الإشكال لحد الآن بالرغم من مناشدات اتحاد النقابات والمنظمات العمالية العالمية إضافة إلى شخصيات عمالية وأحزاب . السؤال هو لماذا لم يلغ ذلك القرار المجحف باعتباره من ارث النظام المقبور بل هناك إصرار على تطبيقه في كل مفاصل الدولة ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول ان استمرار هذا الموقف له صلة بطبيعة القوى المتنفذة الحاكمة من جهة القوى المتصدرة في الحكم ذات أفكار شمولية، هذا من جهة، ومن ناحية أخرى عند التمحيص في تاريخ هذه القوى لا نجد لديها طوال الفترة من تأسيسها ولحد الآن أي نشاطات عمالية نقابية لأعضائها، حتى إن البعض يحرَم من منطلق شرعي العمل النقابي إضافة إلى أمر مهم آخر هو إن اغلب الطبقة الحاكمة أصبحت تنتمي إلى البرجوازية الطفيلية التي تتقاطع مصالحها مع إعادة الحياة للصناعة والزراعة العراقية وهي مقبلة على بيع القطاع العام وقد تكون في مرحلة الإعداد لشرائه كما حصل في تجربتي مصر وروسيا،فيقينا إن نشوء نقابات عمالية قوية ستقف بوجه هذه الخصخصة خصوصا إذا تم شراؤها بأسعار بخسة وهذا ما متوقع. في حين إن الطبقة العاملة في القطاع العام تعتقد إن المصانع والمعامل وبقية المنشات الاقتصادية هي ملك الشعب لأنها اقتطعت قيمتها من قوته، كما إن اغلب بناها التحتية ما زالت بحالة جيدة جدا وتحتاج إلى دعم حكومي من خلال منع السلع الرديئة المستوردة بأسعار بخسة في حالة وجود إنتاج عراقي من هذه السلع، ومثال الاسمنت واضح فمعاملنا تعمل بطاقات قليلة لوجود منافس أجنبي وتراكم الإنتاج لديها والأسمنت العراقي معروف بجودته، فهذه المعامل في معظمها تحتاج إلى إعادة اعمار بمبالغ بسيطة نسبيا مع توفير الوقود والكهرباء وإدارات مقتدرة، عند توفر كل ذلك سنجد انتعاشاً اقتصادياً وموارد جديدة إلا إن ذلك لا يتفق مع مصالح النخبة الحاكمة كما أسلفنا .
المفاجأة الأخرى كانت تجميد أموال اتحاد نقابات العمال بالرغم من اكتسابه الشرعية .
والمفاجأة الثالثة كانت محاولات تشكيل اتحاد نقابات رسمي وبالرغم من دعم السلطة لمن أقدموا على ذلك إلا إن الفشل صاحبهم. ومع ذلك استمروا بالعمل وكأن شيئا لم يكن، ومن الملاحظ على أولئك الأشخاص إنهم لم يعرفوا يوما العمل النقابي ولم يشاركوا بأي نشاط نقابي مطلبي.
الشيء بالشيء يذكر، من الملاحظات المضحكة المبكية: إن سياسيين يساهمون بقيادة البلد واقتصاديين من وعاظ السلاطين يسمون القطاع العام بالقطاع الاشتراكي وأي اقتصادي منصف يرى الأمور بعلمية، يقول: شتان بين القطاع العام والاشتراكي والغرض من خلط الأوراق هذا هو نعت الاشتراكية بالفشل، لان القطاع العام في العراق (الاشتراكي) حسب قولهم فاشل ويحمَل الاقتصاد العراقي خسارته، في حين إن أي منصف يعلم تماما إن تردي القطاع العام هو بسبب سياسة الدولة وأجهزتها .
وأخيرا تحية إلى اتحاد نقابات العمال العراقية، الامتداد الطبيعي لاتحاد ما قبل تسلط البعث الشمولي .
تحية لنضالاته الوطنية العمالية وتحية لشهدائه .