أكرم الخاطر
مع حلول فصل الصيف في كل عام، يميل العراقيون الى اللهاث خلف أخبار هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي، بعد أن اعتادوا وألفوا مطاردة أخبار العنف والدم، من انفجارات يومية ودقائقية أحيانا، لعشرات السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والعبوات المتفجرة التي غالبا ما تتحالف مع الحر الشديد وتزيد من ارتفاع درجاته الخانقة، وهو تحالف مريب يحتاج الى محلل ستراتيجي لقراءة أغراضه ودوافعه، وسر اندفاع الارهابيين للانتحار في الحر الشديد بدلا عن "موته بارده بالشتا"!.
هيئة الأنواء- "نجمة الموسم"، تعلن من حين لآخر عن تعرض العراق لموجة حر ابتداءً من كذا، وتستمر الى يوم كذا، وستبلغ ذروتها، يوم كذا، وستكون أعلى من معدلاتها العامة بعدة درجات وفي مناطق العراق كافة.
وتسهب الهيئة في تفاصيل الخبر الذي يتداوله المواطنون بشغف وتؤكد أنه من المتوقع ان تسجل درجات الحرارة اليوم في العاصمة بغداد والمحافظات "أرقاما قرنية" لا يتحملها الا العراقي من بين بني البشر. وتعلل أسباب الارتفاع بتعمق تأثير المنخفض الموسمي الحراري الذي يؤثر على العراق خلال هذه الأيام.
متندر قال:"عايزنه انخفاض حتى يصير بينه منخفض موسمي"!؟
آب جديد.. تحالف جديد
الشارع العراقي يتفاعل مع موجة الحر التي تجاوزت الـ 50 درجة مئوية باهتمام بالغ بسبب ما عاناه المواطنون من شدة الحر التي رافقها انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي في العديد من المناطق السكنية. واذا كان شهر آب "يشلع المسمار من الباب، ويقلل الأرطاب ويكثر الأعناب، ويفتح الشتا باب"، كما جاء في الموروث العراقي ((( القديم )))، فانه في العراق باتت له وظائف وأغراض جديدة في هذا العام، بعد التحالف المغرض والخبيث، ليس من قبل "التحالف الامبريالي الصهيوني" كما عهدنا، ودأب إعلام النظام السابق على تداوله سابقا، وانما من قبل السيدة الكهرباء لا حفظها الله ولا رعاها!.
السؤال الذي " داخ" العراقيون به هو: لماذا هذا التحالف "الداعشي" الغريب بين الكهرباء واجتياح موجة الحر يزداد وثوقا في هذا البلد دون غيره من بلدان الدنيا؟، ولماذا لا توجد "قوة عظمى" قادرة على مكافحة هذا التحالف الأسود الذي هلك العباد دون أن يجدوا له رادعا؟
بعض المتندرين طالب علماء الجينات الوراثية بمعالجة هذا الشهر بعد أن تنازلوا عن الأعناب وشلع المسمار من الباب وطالبوهم بتفعيل المادة:"يفتح للشتا باب" لكي يوجهوا ضربة قاصمة لتحالف "حر- باء" الذي بات أشد خطرا من "داعش وحرامية المشاريع الوهمية والمليشيات"، وطالبوا أيضا بمزيد من العطل الرسمية مع كل موجة حر، شريطة أن ترافقها "فيزة" جماعية وعشر أوراق للسياحة في احدى الدول المجاورة حتى ينتهي آب من فتح "للشتا" باب!
يشلع المسمار من الباب"!، ولكن لماذا لا يشلع من الكهرباء "كيبل" ممتد الى المنطقة الخضراء ويحوله الى أحياء الفقراء!؟ لماذا تتنعم الخضراء بالكهرباء في آب؟.. امرأة عراقية ساخطة قالت:"يمن شلع راحتهم انشالله"!.
تنتفخ جيوبٌ وتضمر أخرى
أزمات كثيرة تواجه المواطن العراقي البسيط، وهو يشق طريقه يوميا في هذه الحياة، فأزمة تلو ازمة ولا نهاية للازمات أبدا، وحتى الطبيعة كانت له بالمرصاد لتضيف أزمة جديدة الى الازمات الباقية ، فموجة الحر التي اجتاحت البلاد اخيراً لم تكن الأخيرة، فهناك سلسلة من الموجات ستأتي في الشهر القادم.
ولكن، والشهادة لله، هناك محاسن وفوائد عديدة لآب اللهاب وحرارته وتحالفه المغرض مع "خاله كهرباء"، فقد انتعشت ولله الحمد مهن كثيرة في ظل أزمة الحر، منها محال بيع "أحواض السباحة" التي زاد الطلب عليها بشكل كثير، وازدادت أسعارها أيضا، فقد ارتفع سعر الحوض متوسط الحجم من 5 آلاف الى 7 آلاف، بينما وصل سعر الحوض الكبير "الحوض العائلي " الى 15 الف دينار في بعض المناطق الملتهبة.
" بائعو الثلج" هم سادة السوق الآن لا سيما في المناطق التي تشهد ازدحاما سكانيا كبيرا ، وانقطاعا مستمرا في التيار الكهربائي، الى درجة ان معامل انتاج الثلج بدأت بطرح نوع من الثلج يسمى "البوري" وهو طبقة خفيفة جدا من الثلج تطرح عادة في الاسواق ايام الأزمات الشديدة والسبب في ذلك ان جشع اصحاب معامل الثلج ، يدفعهم الى انتاج الثلج بسرعة دون انتظار حتى يكتمل انجماده بشكل تام.
يقول المواطن ابو جاسم (50 عاما) ان كل دول العالم تقريبا لا سيما العربية منها، نسيت امر الظروف الجوية وقد طوعت كل شيء لخدمة الانسان وانتشاله من المعوقات التي تواجهه من حر وبرد وامطار وسيول وعواصف ترابية وغيرها من الظروف. لكن في العراق لا شيء من هذا، فارتفاع درجات الحرارة في وسط وجنوب العراق الى نصف درجة الغليان، مع كهرباء وطنية "لا وطنية" لا توفرها الدولة، واذا كانت هناك كهرباء فانها ضعيفة سواء الوطنية ام الامبيرية أم "الرجعية"، والحلول التي تقدمها الحكومات المحلية هي عبارة عن حلول مؤقتة وغير جذرية ابدا ، فكلما حصلت موجة حر او برد او امطار تلجأ مجالس المحافظات الى اعلان عطلة رسمية للدوائر الرسمية، او فرض حظر للتجوال، بينما المفترض ان يكون هناك تهيؤ كامل لكل طارئ من تبليط الطرق وتجهيز المواطنين بالكهرباء وبناء مجمعات سكنية آمنة كل هذه الأشياء ستمنح المواطن الراحة وتبعد عنه الخوف من التقلبات الجوية المستمرة.
من جانبهم قام بعض "اصحاب المولدات الاهلية" وكما عودوا المواطن بمواقفهم "الوطنية"، بتقليل "فولتية" المحركات بحجة انها لا تتحمل درجات الحرارة وان الحكومات المحلية لم تنجز وعودها بتجهيزهم بمادة الكاز الكافية للتشغيل، مما شكل عبئا على المواطن حيث قام اكثرهم بتبديل "جوزات" المولدات الاهلية التي عطل اكثرها بسبب شدة الحر وتقليل "فولتية" الامبيرالى ادنى مستوياته.
أما دخل المواطن البسيط فقد تشظى بين شراء "البانزين" لمولدة البيت التي تقوم بسد ساعات الانقطاع الطويلة للكهرباء الوطنية او لمولدة المنطقة، وبين تجديد "خلايا مراوح الشحن" التي وصل سعرها إلى 20 ألف دينار.
مواطن آخر قال: ان الحرارة المرتفعة جدا جعلتنا نستاء من الوضعية، لا سيما وان الدوائر التي نخدم فيها ونحرسها لا توفر لنا وسائل الراحة من تبريد وتدفئة وغيرها، وانا شخصيا قمت أكثر من مرة بشراء او تصليح مبردة الهواء من حسابي الخاص، وقد قمنا نحن مجموعة الحراس في إحدى دوائر الدولة بتجميع مبلغ من المال وقمنا بشراء هذه المبردة وسحب الأمبير من مولدة المنطقة ، تجنبا لشدة الحرارة التي وصلت الى اكثر من 50 درجة مئوية.
اطلقْ لها الوقتْ لا شغلٌ ولا عملُ!
درجات الحرارة العظمى تجاوزت في بعض المناطق 52 درجة مئوية ، اما نسبة الرطوبة فقد كانت هي الاعلى منذ بدء الصيف. وقد قام مجلسا محافظتي ذي قار وميسان باعلان يوم الاربعاء عطلة رسمية لجميع دوائر الدولة في المحافظتين.
جدير بالذكر أن محافظة ذي قار شهدت مؤخرا موجة حر شديدة مصحوبة بنسبة رطوبة عالية , واكدت دائرة الانواء الجوية ان درجات الحرارة سترتفع الى أكثر من 50ْ درجة مئوية في محافظة بغداد والمحافظات الجنوبية.
"وفوق الحر والكهرباء..
الدنيا شرجي"!
العواصف والأمطار الغزيرة والرياح شديدة السرعة ليست وحدها التي تضطر الصيادين العراقيين أحياناً الى البقاء في بيوتهم وعدم إرتياد البحر، بل تعد الرياح الجنوبية الشرقية الهادئة نسبياً سبباً آخر لتعطيل عملهم وإغلاق باب رزقهم الوحيد بشكل مؤقت إذا ما حلت تلك الرياح ذات الرطوبة العالية على محافظة البصرة خلال فصل الصيف، خاصة وأن حالات الإجهاد وضيق التنفس التي تسببها تلك الرياح التي تعرف محلياً باسم "الشرجي" لا تستثني الأصحاء والأقوياء.
ويؤكد الصياد الشاب حسين عباس إن "غالبية الصيادين لا يخرجون بسفنهم وزوارقهم الى البحر خلال فصل الصيف عندما تهب رياح "الشرجي"، وإذا داهمتهم وهم في البحر عادة ما يرجعون قبل أن يحين الموعد المقرر لعودتهم"، مبيناً أن "الصيادين يفقدون تدريجياً قدرتهم على التركيز ويعانون الإجهاد وصعوبة في التنفس عندما يحاولون ممارسة الصيد حين تسود رياح "الشرجي" المشبعة بالرطوبة".
بدوره، يقول الصياد علي محمد الذي يمتهن الصيد البحري منذ أكثر من ثلاثين عاماً:"بعض الصيادين يتحدون أحياناً قساوة "الشرجي" ويرتادون بزوارقهم المياه الاقليمية العراقية لوفرة الأسماك فيها عندما يحل هذا النوع من الرياح"، موضحاً أن "التيارات المائية الناجمة عن "الشرجي" تدفع الأسماك باتجاه المياه الاقليمية العراقية، بما فيها من مخلوقات بحرية غير مرغوب بها، أبرزها أسماك القرش".
ويؤكد محمد أن "الصيادين الذين يمارسون عملهم عندما يكون الجو خانقاً بسبب (الشرجي) يضطرون الى تناول أقراص ملحية للتخفيف من شعورهم بالدوار والحد من أعراض إنخفاض ضغط الدم"، معتبراً أن "العائدين من رحلات الصيد التي تتزامن مع رياح (الشرجي) عادة ما يتحمد لهم أقرانهم السلامة بعد وصولهم، وكأنهم قد نجوا من عاصفة عنيفة".
ومع أن الرياح الجنوبية الشرقية تؤثر عندما تهب على جميع مناطق البصرة، إلا أن تأثيرها يتركز على الأجزاء الجنوبية من المحافظة، لا سيما قضاء الفاو الساحلي المطل على الخليج، والذي يتميز بكونه موطن الصيد البحري في العراق، كما انه القضاء الوحيد
الذي لا تقطع الطاقة الكهربائية عن مناطقه السكنية خلال فصل الصيف لتخفيف معاناة الأهالي من الرطوبة العالية التي تصاحب تلك الرياح، والتي إذا إستمرت لأيام متتالية في ظل تردي قطاع الكهرباء فإن المستشفيات العامة في البصرة تكتظ بكبار السن والمصابين بالربو والحساسية.
وبحسب المرشد الملاحي الأقدم في الشركة العامة للموانئ الكابتن كاظم فنجان الحمامي فإن "البحارة الذين يعملون على متون البواخر يعانون أيضاً من رياح (الشرجي)، لكن معاناة الصيادين تعد أكبر لخلو سفنهم وزوارقهم من أجهزة تبريد الهواء".
"الشرجي".. وفوائده
ويضيف الحمامي الذي يعد من أبرز الخبراء البحريين العراقيين أن: "المنخفض الجوي الحراري المتمركز فوق المحيط الهندي، يزحف أحياناً باتجاه العراق فتكون الرياح الجنوبية الشرقية شديدة الرطوبة بدل الرياح الشمالية الغربية السائدة"، معتبراً أن "الرياح الجنوبية الشرقية عندما تهب على البصرة فإنها تؤثر على التيارات المائية في المنطقة، ومن أبرز تأثيراتها أنها تسرع حدوث ظاهرة المد، وكذلك يكون إرتفاع منسوب المياه فوق المعدل الاعتيادي".
ويشير الخبير البحري الى أن "البحارة الهنود كانوا قديماً يستفيدون كثيراً من الرياح الجنوبية الشرقية عند إبحارهم الى البصرة، حيث تساعد تلك الرياح سفنهم الشراعية على التحرك بسرعة، وبعد وصولهم ينتظرون تغير اتجاه الرياح لتسهيل رحلة العودة"، موضحاً أن "الرياح الجنوبية الشرقية عندما تهب على البصرة فهي لا تدوم طويلاً، وغالباً ما تنقشع بعد أيام قليلة".
وفضلاً عن فائدة "الشرجي" في مجال النقل البحري بالسفن الشراعية فإنها تنطوي على فوائد أخرى لم يعف عليها الزمن، ومنها ما يفيد بأنها تُسرَع نضوج الرطب وتجعل ثمار النخيل أكبر حجماً وألذ طعماً، وفي هذا السياق يقول نقيب المهندسين الزراعيين في البصرة علاء البدران في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "العلاقة بين رياح (الشرجي) ونضوج الرطب واقعية ومثبتة علمياً، حيث أن تلك الرياح الرطبة تعجل نضوج الرطب وتمنع تيبس التمر".
يشار الى أن الرياح الجنوبية الشرقية قد هبت على البصرة مؤخرا للمرة الأولى خلال فصل الصيف الحالي، وذكر المنبئ الجوي في محطة الأنواء الجوية بمطار البصرة الدولي صادق عطية:" إن الرياح الشمالية الغربية من المتوقع أن تعود لتهب بدل الرياح الجنوبية الشرقية إعتباراً من يوم غد الثلاثاء".
ويترقب البصريون بفارغ الصبر زوال تلك الرياح التي عادة ما يقترن الحديث بها عن المعاناة الإنسانية الناجمة عنها بتدهور قطاع الطاقة الكهربائية، كما توجد علاقة وثيقة غير مرئية بين التظاهرات الاحتجاجية ورياح "الشرجي"، حيث إن أكبر وأعنف التظاهرات التي شهدتها البصرة في غضون الأعوام القليلة الماضية إحتجاجاً على تردي قطاع الكهرباء ونقص الخدمات إنطلقت في أجواء صيفية شديدة الرطوبة، وأبرزها التظاهرة التي شارك فيها نحو أربعة آلاف مواطن خلال صيف عام 2010...