مدارات

فرنسا.. ازمة سياسية في الافق

رشيد غويلب
ادى نقد سياسة التقشف التي تتبناها الحكومة الرئيس الفرنسي "هولاند" الى انفجار ازمة سياسية دفعت الرئيس الى اعادة تشكيل الحكومة برئاسة رئيس الحكومة المستقيلة "مانويل فال"، وبالاتجاه الذي يرضي اليمين، ويطمئن حلفاء فرنسا في الاتحاد الاوربي، وخصوصا حكومة المستشارة الالمانية "ميركل". وتخلص هولاند في التشكيلة الجديدة من ثلاثة وزراء ينتمون الى الجناح اليساري في حزيه، بعد ان اعلن الاثنين الفائت عن استقالة الحكومة الفرنسية، التي لم تستمر في اداء مهامها سوى خمسة اشهر.
وسربت وسائل الاعلام الثلاثاء الفائت الخطوط العريضة للحكومة الجديدة، وبموجب هذه التسريبات سيشغل وزير المالية السابق "مشيل سابين" المقرب جدا من رئيس الجمهورية، سيشغل حقيبة الاقتصاد خلفا لوزير الاقتصاد السابق ارنو منتوبورك، المنتمي الى الجناح اليساري في الحزب الحاكم، والذي فجرت تصريحاته الناقدة لسياسة التقشف الازمة الوزارية.. والى جانبه غادر الحكومة الجديدة ايضا كل من وزير التعليم، ووزير الثقافة، وهم ينتمون ايضا الى الجناح اليساري للحزب الاشتراكي.
وهناك تقارير غير مؤكدة عن اشتراك حزب PRG اليساري، وكذلك حزب الخضر الذي سبق له ان غادر في بداية العام الحكومة المقالة. بذكر ان الحزبين المذكورين قد اشترك مع الحزب الحاكم في قائمة انتخابية مشتركة خاضوا بها انتخابات البرلمان الاوربي.
وعبر المستثمرون في بورصة باريس عن ارتياحهم للتغيير الوزاري، وارتفعت اسعار الاسهم هناك، لان الرأسمال الفرنسي يعلم الغرض الحقيقي وراء تشكيل الحكومة الجديدة، والمتمثل في جعلها خالية من اصوات اليسار في الحزب الاشتراكي، اذا ما استثنينا وزيرة العدل التي احتفظت بمنصبها.
وكان وزير الاقتصاد قد طالب رئيس الوزراء "هولاند"، في حوار اجرته معه في عطلة نهاية الاسبوع جريدة "اللوموند"، بضرورة "تشديد الخطاب تجاه الحكومة الالمانية". ولا ينبغي لفرنسا "ان تكون تابعة للمحافظين الالمان، لان ذلك سيقود الى طريق مسدود، و المانيا واقعة في مأزق سياسة التقشف، التي تفرضه على اوربا". وطالب وزير الاقتصاد بمزيد من الإنفاق لتعزيز النمو. وقد كان هذا النقد لا يطاق بالنسبة لرئيس الوزراء "فالس"، الذي وضع رئيس الجمهورية امام الاختيار بينه، وبين وزير الاقتصاد "اما انا أو هو".
وجاء إبعاد وزير الاقتصاد، الذي شغل منصب وزير "اعادة بناء الصناعة"، لتؤكد التزام الرئيس الفرنسي بنموذج التقشف الالماني المبني على تخفيض هائل للانفاق العام، و توفير تسهيلات ضريبية لرأس المال المالي. ويعتقد انصار هذه السياسة انها ستؤدي الى ايقاف التدهور الصناعي، الذي تعيشه فرنسا. ومعروف ان حجم قطاع التصنيع ، قد بلغ في عام 2011 ، 10.1 بالمئة من الناتج الاقتصادي، وهو ادنى مستوى في بلدان منطقة اليورو. و بالاضافة الى ذلك تعاني فرنسا من معدلات بطالة مرتفعة جدا ، ونسبة نمو منخفضة ادت الى انهيار شعبية الرئيس "هولاند" الى مستويات قياسية لم يشهدها اي رئيس فرنسي في الاعوام الـ 50 الماضية.
من جانبه اعلن الحزب الشيوعي الفرنسي، واتحاد النقابات القريب منه عن التوجه لتنظيم حملة كبيرة، في اطار مكافحة سياسة التقشف، في الخريف المقبل ضد النفقات الهائلة للشركات، و رأس المال التي يعاني جرائها الاقتصاد الفرنسي، والمتمثلة بالرواتب الخرافية للمدراء التنفيذيين، والتوزيع البشع للارباح، الذي لا يخصص للبحث والتطوير، بالمقارنة مع الاموال الكافية. وعلى هذا الأساس سوف تتم المطالبة، على سبيل المثال بزيادة الضرائب على الثروة ، وكذلك زيادة الضرائب على الشركات.
وسيعقد المجلس الوطني لـ"جبهة اليسار"، التي تضم الحزب الشيوعي، وحزب اليسار الفرنسي، ومنظمات يسارية اخرى، في التاسع من ايلول المقبل اجتماعا، لغرض تجاوز التباين بين القوى المشاركة في الجبهة، ولوضع برنامجا للاشهر المقبلة، التي تطلق عليها قوى اليسار"الخريف الساخن" ، والذي سيشهد حراكا جماهيريا في المصانع والشوارع يثير من ألآن مخاوف الدوائر الحكومية.