مدارات

الموازنة العامة وقيد الموارد / د . أحمد إبريهي علي

مورد النفط يلهث خلف الأنفاق الحكومي المتسارع، و لم نتحسب لأخطار تزايد التزامات الموازنة، و الفشل في تطوير القاعدة الإنتاجية خارج النفط الخام لخلق مصادر جديدة للدخل العائلي و تمويل برامج التطوير للبناء التحتي و الخدمات. بيد ان ذلك لا يعفي الجميع من مسؤولية تدقيق التصرف في المال العام لضمان الكفاءة و الذي يقتضي خفضا مستمرا في التكاليف إلى جانب الإصرار على توجيه الموارد نحو الأهم فالمهم.
كادت الموازنة العامة لسنة 2014 أن تصدر بمبلغ للأنفاق يقترب من 170 ترليون دينار، ولا شك أنه تجاوز لإمكانات العراق المالية و ينطوي على عجز مخطط كبير نسبيا. وعند مراجعة فقرات الأنفاق تجد بينها الضروري أو الملتزم به، إلى جانب تخصيصات مبررة من زاوية الهدف بيد انها بحاجة إلى المزيد من التمحيص لتجنب هدر الأموال، وهناك نفقات لا تناسب الوضع الحالي للعراق أو ليست مبررة أصلا. والذي اوصلنا إلى هذه الحافة غياب او ضعف المجموعات البرلمانية والسياسية والدوائر المهتمة بالسيطرة على الأنفاق والمطالِبة بحضور فعال للشروط والضوابط الضامنة لحسن التصرف بالموارد. وصارت المالية العامة في العراق ضحية السباق والمغالبة على المزيد من التخصيصات المالية إلى جانب عدم اكتراث واضح بالكفاءة والإنجاز. و لحسن الحظ اجتمعت عوامل قادت إلى خفض التضخم، و إلاّ فإن آلية إعداد الموازنة تفتقر إلى العناية بشروط الاستقرار الكلي. ولولا أنها تضمنت تخصيصات للنفط و الغاز و الكهرباء و بعض مشاريع البناء التحتي الأخرى التي لها دور في تنشيط الإنتاج لكانت وظيفتها التنموية مغفلة ايضا.
وعلى فرض ان الإيرادات غير النفطية 10 ترليون دينار، وسعر النفط 95 دولار للبرميل، إذن يتطلب الأمر عند التوازن تصدير3957 ألف،أو تقريبا 4 مليون، برميل في اليوم.ومعها للاستخدام المحلي 800 ألف برميل في اليوم، وعند إضافة هامش صغير للاحتياط فأن التغطية الكاملة للنفقات بإيرادات فعلية يتطلب طاقة إنتاج من النفط الخام هي 5 مليون برميل يوميا. والوضع الحالي بعيد عن هذا الحجم المطلوب، إذ بلغ متوسط الصادرات اليومية للثمانية أشهر من هذه السنة 2466 ألف برميل في اليوم من بيانات الجدول اعلاه:
تتضمن بيانات شباط في الجدول أعلاه صادرات من كركوك بمعدل 293 ألف برميل في اليوم و هو أعلى من كانون الثاني. وعند إضافة التصدير المحتمل من كردستان يتضح أن أعلى إمكانية للصادرات عام 2014 لحد الآن لا تزيد على 3 مليون برميل في اليوم.
و لكثرة ما شهده هذا العام من اضطرابات و حوادث استثنائية أثرت في جانبي الإيرادات و النفقات يتطلب تقدير الوضع المالي نهاية العام إلى بيانات و تقارير لم تكتمل، غير أن إيرادات النفط لثمانية اشهر حتى نهاية آب وفرتها وزارة النفط و بلغت ( 60625 مليون دولار ). و المتوسط البسيط لسعر النفط العراقي للثمانية اشهر 101.21 دولار للبرميل بينما كان لسلة نفط اوبك 104.78 دولار للبرميل، وقد انخفض سعر نفط اوبك في الأيام الأخيرة إلى 94.47دولار بمعنى ان سعر النفط في العراق قد ينخفض لحوالي 91 دولار للبرميل. ولو تمكنت وزارة الن?ط تعويض نقص السعر بزيادة التصدير يصل مجموع إيرادات النفط للسنة بأكملها ( 90938مليون دولار) أو (91 مليار دولار) تقريبا. وعند ترجمة إيرادات النفط أعلاه إلى دنانير و إضافة 9 ترليون دينار إيرادات أخرى تصل مجموع الإيرادات إلى 115 ترليون دينار. وصحيح أن الإيرادات حتى نهاية تموز غطت المبالغ المصروفة ، استنادا إلى بيانات عرضتها اللجنة المالية للبرلمان. لكن عجزا فعليا سيظهر نهاية العام ومن الأفضل التحسب لما يزيدعلى 25 ترليون دينار. لأن هناك مبالغ مستحقة ليست مدفوعة، و ايضا تشهد مصروفات الشهر الأخير، عادة، قفزة كبيرة. ومن مضامين ما تقدم: أن تباشر دوائر النفط و المالية بالعمل على جبهتين، ألأولى الزيادة المعجلة لطاقة إنتاج وتصدير النفط الخام وربما تمول الاستثمارات الإضافية في البناء التحتي النفطي لتعجيل التطوير من باب النفقات التكميلية في عقود الخدمة ؛ و الثانية، مراجعة تفصيلية للأنفاق و حذف الزائد منه وهو لا يستهان به، و الاتفاق على افضل التدابير الممكنة لتمويل العجز.
وتنفع الأرصدة النقدية للموازنة في المصارف ، في هذه الحالة، لتغطية المدفوعات وايضا تتوفر لدى المصارف الخاصة ودائع عاطلة، وتوجد للمصارف ودائع لدى البنك المركزي. و لا بأس في طرح سندات دين حكومي، او حتى اوراق دين لمدة سنتين مثلا، في سوق العراق للأوراق المالية وستكون حصيلتها قليلة لكنها بداية لتطوير السوق المالية بهذا الاتجاه.ومن الضروري تجنب الاقتراض من الخارج لأن الحكومة لا تواجه اية مشكلة بالعملة الأجنبية، و لا تستخدم لمدفوعاتها الخارجية اكثر من ثلث إيراداتها النفطية و تبيع للبنك المركزي ثلثيها للحصول على العملة الوطنية.