مدارات

وثيقة : انتفاضة آذار تجسيد مباشر لإرادة الشعب كله

كان الانفجار الشعبي حصيلة تراكم هائل للغضب والرفض والاحتجاج والمعاناة الطويلة، وانعكاساً لنتائج الازمة الخانقة التي عاناها النظام. بالاضافة إلى النتائج المباشرة للحرب وحصيلتها الكارثية في سائر الميادين، وتتويجاً للنضالات البطولية والكفاح المسلح والهبات الجماهيرية وانتفاضات الربيع في كردستان طيلة سنوات الثمانينات. واستطاعت الانتفاضة رغم نتائجها اللاحقة بضربة واحدة كسر حاجز الخوف الذي كرسه النظام منذ انقلاب 1968 في القوانين والممارسات الدموية. واخراج الحركة الجماهيرية وبالتالي الحركة الوطنية من دوامة اليأس والاحباط والقبول بالامر الواقع والبحث عن الحلول في اطار المؤسسة الحاكمة او على هامشها. وهو ما اضعف نشاط الاحزاب والتنظيمات السياسية وحدد اساليب نشاطها في أضيق نطاق وكرس هيمنة سلطة صدام حسين المطلقة.
لقد كانت الانتفاضة باعتبارها حصيلة مبادرات جماهيرية واسعة سبقت تحرك الاحزاب والقوى المنظمة، تجسيداً مباشراً لارادة الشعب كله، اكبر من كل الاحزاب ومن المعارضة مجتمعة واستفتاء بالدم يرفض صدام حسين ونظامه ومطالبة باسقاطه.
اخطاء وثغرات
وفي معرض تحديد الاخطاء والثغرات تظهر الانتفاضة بالاضافة الى افتقارها للقيادة السياسية الموحدة والتنسيق على نطاق عموم البلاد، اعتقادها بسبب عفويتها وضعف القوى المنظمة فيها امكانيات تعبئة قواها وتنظيمها وتحديد اهدافها ووجهتها وفي مرحلة صدامها مع القوات الحكومية وعجزها عن تجميع قواها المبعثرة واعادة تنظيمها والعمل على استعادة مبادرتها لتأمين مستلمات استمرارية طابعها الهجومي المبالغ في تقدير قواها الذاتية والاستهانة بقوى الخصم وذلك من خلال:
• التقدير الخاطئ لحجم القوى العسكرية التي نجت من مجزرة الحرب.
• عدم الاخذ بالحسبان الاحتياطي الذي زج في الحرب من القوات المسلحة وخصوصاً من الحرس الجمهوري واجهزة القمع والملاحقة.
• عدم ادراك قدرة النظام على تعبئة قواه الضاربة وامكانياته في احتواء الضربات الموجعة الموجهة اليه.
• تجاهل الاحتلال في توازن القوى عسكرياً بين المنتفضين والقوات الحكومية المدججة بالاسلحة الثقيلة، السمتيات، الدبابات، الدروع، والاسلحة الكيميائية، مقابل الاسلحة الفردية.
• التعويل على تمرد القوات المسلحة بعد هزيمتها ورفضها الانصياع للاوامر وضرب الجماهير وتوقع انحياز اوساط واسعة منها الى صفوف الانتفاضة والالتحام معها .
• المبالغة في تقدير اهمية وجود القوات الاجنبية في الجنوب كعامل ردع للنظام عن استخدام الاسلحة الثقيلة والطائرات السمتية واغفال تواطؤ هذه القوات عبر تشجيع صدام حسين لضرب الانتفاضة.
وقد لعبت جملة من العوامل الاخرى دورها في انحسار الانتفاضة كان في مقدمتها غياب دور العاصمة والتعتيم على تحرك الجماهير في بعض اطرافها، ما شكل نقطة ضعف اساسية في مسيرة الانتفاضة ومصيرها.
كما ادى عدم انطلاقها في وقت واحد او متقارب بحيث تؤمن اشغال قوى السلطة الى افساح المجال لها (قوى اسلطة) للانفراد باي موقع بقدرتها الكاملة. وقد استطاعت قوات السلطة عمليا الانفراد بالانتفاضة في الجنوب وتوجيه ضربة موجعة لها، قبل انطلاقتها (الانتفاضة) في الشمال، ما سهل لها الانتقال من منطقة الى اخرى، مع ما اكتسبته من خبرة في القمع والتصفية.
وبسبب غياب القيادة السياسية لم تحسب الجماهير المنتفضة الحساب، بما ينبغي عمله وما يتطلبه الوضع بعد استيلائها على المراكز الحكومية، وتصفية الاجهزة القمعية المحلية وشكل اقتحام المدن واحتلالها عبئاً ثقيلاً على الانتفاضة في ظل تعذر او استحالة تأمين شروط حمايته من اسلحة الابادة الحكومية وضمان متطلبات حياة المواطنين المعاشية الضرورية.
ان ضعف اليقظة السياسية والانشغال بالنجاحات العسكرية المتحققة، حال دون تقييم دقيق لسلوك الوحدات والمواقع العسكرية التي اعلنت انضمامها إلى الانتفاضة.
وتحت تأثير العوامل نفسها تخلفت الانتفاضة وقيادتها السياسية في كردستان خصوصا عن تأمين توظيف الكفاءات العسكرية في استخدام الاسلحة والمعدات الثقيلة التي وقعت في ايدي المنتفضين.
اخطاء سياسية
وفي مجرى الانتفاضة ارتكبت جملة من الاخطاء السياسية.. وكانت حصة بعض القوى الاسلامية من هذه الاخطاء فادحة تمثل ابرزها في:
• اضفاء الطابع الشيعي على انتفاضة الجنوب واشاعة اجواء سياسية مبشرة بجمهورية اسلامية شيعية.
• تجيير الانتفاضة وقيادتها لحسابها والعمل على تغييب دور الفصائل الاخرى.
وتجلت الاخطاء البارزة في:
• المراهنة على انهيار النظام من الداخل بفعل الهزيمة العسكرية وحجم الدمار.
• المراهنة على الدعم الخارجي.
• سوء تقدير ميزان القوى.
• تخلف الجبهة الكردستانية عن تطبيق توجهاتها السليمة التي وضعتها في خريف 1990 وتعويلها على الدعاية على حساب النشاط التنظيمي والعسكري الجدي.
• عدم التهيؤ للانتفاضة بحجمها الكبير وسرعتها وعنفوانها ومستوى استعدادها للتحدي والتضحية.
• استفادة صدام من الاخطاء المرتكبة بالعودة في خطابة السياسي الى تحريك المخاوف العربية والدولية من جمهورية اسلامية ومن تمزيق العراق وانقسامه.
• ضعف خبرة القوى الاسلامية التي اندفعت نتيجة خطأ تقديرها لميزان القوى وتعويلها على الخارج، بشكل استثنائي، واندفاعها في اتجاهات خاطئة وافتقارها لنظرة واقعية ازاء الوضع الناشئ وتطوراته والعوامل المحيطة به.
ضعف خبرة الحركة الوطنية في التعامل مع القوى الرجعية والامبريالية التي اصبحت تتعامل بشكل مكشوف بوصفها اطرافاً معنية مباشرة بمستقبل العراق.
• تعويل فصائل كردية على الاستفادة من ضعف النظام، وسعيها إلى انتزاع ما يمكن منه، وهذا الموقف ينطلق من عدم الثقة بالقوى السياسية البديلة في الموقف من المسالة الكردية، وحقوق الشعب الكردي القومية، والقلق من الموقف العربي السلبي، والتحفظات الدولية الاقليمية التي تلعب دوراً مؤثراً في صياغة الموقف الدولي (الولايات المتحدة والدول الاطلسية)، من القضية الكردية.
• عدم اتخاذ احتياطات سياسية للحيلولة دون انجرار هذه الفصائل بفعل عوامل اليأس والاحباط والشعور بثقل المأساة وجحيم الخسائر، الى التعامل مع النظام، وجر الحركة كلها الى هذا الطريق الخطر.
• اثارة مخاوف اوساط عراقية سنية من الاندفاعات الشيعية او الكردية.
عوامل خارجية
• التوجه الامريكي إلى انتزاع تواقيع صدام على جميع شروط الاستسلام، من جانب وتشجيعه لتهشيم الحركة الشعبية وإنهائها من جانب آخر؛ لصالح مواصلة الضغط السياسي والعسكري. ولتشجيع المؤسسة العسكرية والسياسية القائمة، على ازاحة صدام عن الحكم. مع استمرار المؤسسة ذاتها في قيادة البلاد، وهي ضعيفة مستعدة للرضوخ إلى المطالب والاهداف الإستراتيجية الامريكية المعادية لمصالح شعبنا والامة العربية وشعوب المنطقة ككل، وتحقيق تطلعاتها والدفاع عن مصالحها الحيوية في العراق وفي المنطقة، والسعي إلى اجهاض الحركة الشعبية وإنهاكها وتيئيسها وصولاً لقبولها بأي بديل عن صدام.
ــــــــــــــــــ
مقتطفات من محضر اجتماع المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ربيع 1991