- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 14 شباط/فبراير 2017 10:58

تواجه البلاد أزمة بنيوية عميقة سببها الأرأس النظام المحاصصي، تطول مختلف اصعدة التشكيلة التي بدأت بالتبلور بعد 9 /4 /2003. وقد بيّنت التجربة عجز قوى هذا النظام عن تأمين حلول جذرية للمشاكل والتحديات الوطنية والاجتماعية - الاقتصادية والثقافية التي تواجه البلاد. وتواجه البلاد في الظروف الراهنة سؤالا ذا شقين:
• هل المطلوب بناء ديمقراطية معطوبة من خلال اعادة هيكلة الحقل السياسي ولكن من دون اجراء تغييرات جذرية فيه؟
• أم بناء ديمقراطية حقيقية تشكل منطلقا لبناء دولة ديمقراطية عصرية ونظام اتحادي؟
التجربة الملموسة لثلاث عشرة سنة ونيّف، تشير الى ضرورة بناء ديمقراطية حقيقية تشكل نفيا للديمقراطية المعطوبة السائدة، ومنطلقا لبناء دولة ديمقراطية عصرية ونظام اتحادي. ويعني ذلك ان تجاوز هذه الازمة ينبغي أن يرتبط ببلورة بديل عابر لهذا النظام. غير أن تحقيق ذلك مرتبط بعوامل عديدة من بينها بل وأهمها هو تبلور الكتلة التاريخية القادرة على إنجاز هذه المهمة، علماً أن الواقع يشير الى ان هذه الكتلة ما زالت تعاني من الفرقة والتشتت لأسباب عديدة لا مجال للخوض فيها هنا.
ومن هنا فإن المطلوب في المرحلة الراهنة هو بناء وحدة القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية، ذات المصلحة الحقيقية في بلورة المشروع الوطني – المدني - الديمقراطي، وفي النضال لتحويله إلى واقع ملموس وليس مجرد شعار. فهو المشروع الأقدر على تحقيق المهام الوطنية والديمقراطية العامة، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وتوفير العدالة الاجتماعية. كما أنه يوفر افضل الضمانات للتصرف السليم بالموارد النفطية، وتوظيفها لبناء اقتصاد وطني متنوع وكفوء.
ومن بين القوى المعنية بتحقيق هذا المشروع هي قوى التيار الديمقراطي والمدني والقوى اليسارية، على تنوع مشاربها ومرجعياتها الفكرية والسياسية العملية، وكل الراغبين حقا في تفكيك النظام المحاصصي.
الحاجة ملحة الى بديل مدني - وطني – ديمقراطي وقطيعة ثقافية
بعيدا عن أي صخب إيديولوجي، واستنادا الى التجربة الملموسة، فإن المرء لا يجازف حين يقول انه ليس هناك في العراق، في لحظة تطوره الراهن الصاخب والمضطرب، من بديل أفضل من البديل المدني - الوطني – الديمقراطي العابر للطوائف والهويات الفرعية ومتاريسها المتقابلة فهو وحده القادر على إعادة بناء الدولة على أسس جديدة، لتكون دولة مواطنين احرار، وليس رعايا أسرى لسطوة دولة الطوائف والهويات الفرعية وجبروتها، فليس هناك بديل عن تقييد التسييس المنفلت للهويات الفرعية بهدف توظيفها في صراع المتحاصصين، إلا دولة مدنية ديمقراطية وعراق حر وسيد نفسه.
وبالمقابل تحتاج البلاد اليوم الى قطيعة ثقافية أيضا تشكل نفيا لـ "ثقافة" الاستبداد والنزعات الماضوية المناهضة للحداثة والتنوير ورفض الآخر وعدم احترام التنوع، ثقافة يكون عمادها الترويج لبديل ثقافي جديد، يقوم على تعاقد وتعايش ومشاركة حقيقية، ويتسع للتنوع والخصوصيات ويحترمها وان لا تكون قيدا على تطوره الصحيح. وإذا كان تشكّلُ ثقافة سياسية كهذه في عراق اللحظة الراهنة أمراً صعبا فإنها تظل، مع ذلك، رهاناً حقيقياً، لا بد من مواصلة العمل على تحقيقه برغم كل الصعوبات والمخاطر ومناورات النظام المحاصصي، الطائفي - الاثني.
وفي هذا الاطار يتعين الرهان على المثقفين العراقيين وما شهدناه من نشاط لهم خلال الفترة الاخيرة حيث تعاظم دورهم ومواقفهم النبيلة وصرخاتهم الأصيلة، "ضد كل ما يشوه تاريخ شعبنا ولحمته الوطنية وتاريخ الحركة الوطنية والتنويرية، ويسعى إلى تكريس قيم ومفاهيم فات أوانها". ولهذا يمكن التطلع الى عمل مشترك لإقامة مشروع ثقافي وطني، إنساني النزعة، وديمقراطي المحتوى، يكون حاضنة لكل التيارات الداعية الى بلورة هوية وطنية منفتحة متجددة، تحترم التعددية الثقافية والفكرية.
وبالمقابل، فإنه وفي مواجهة استحقاقات هذه المرحلة وتفاقم التناقضات الداخلية وتعقد العملية السياسية واستعصاءاتها المتكررة، يصبح من الضروري تكثيف الفعل السياسي الديمقراطي – الميداني والجماهيري والاحتجاجي- وكافة وسائل النضال السياسي والثقافي التي يتعين أن تشمل وتغطي كافة العناوين المجتمعية والقضايا المطلبية.
إن الرهان الأرأس، في اطار ميزان القوى السائد، هو تطوير وتفعيل جاذبية القطب الذي يضم طيفا واسعا من القوى السياسية الحية، وفي مقدمتها قوى التيار الديمقراطي والمدني، وكل الراغبين في تفكيك النظام المحاصصي، في سبيل تطويق عوائق الانتقال الديمقراطي المعقد واحتواء تحديات المرحلة التاريخية التي تجتازها بلادنا، بما يمكن من دحر "داعش" وأمثالها وشركائها، وبناء عراق ديمقراطي اتحادي مستقل ودولة مدنية ديمقراطية عصرية، تقوم على فكرة المواطنة الحقة، وتشكل نفيا حقيقيا لنظام المحاصصات الطائفية - الاثنية.
وطبيعي الاشارة هنا الى أنه لا يمكن تحقيق الدور في أعلاه من دون إنجاز التقارب المطلوب بين القوى والشخصيات المدنية والديمقراطية وتفعيل دورها بهدف تشكيل الكتلة الوطنية الحاملة لمشروع البديل الوطني الديمقراطي، والعاملة من اجل تغيير موازين القوى لصالح مشروعها. وتأسيسا على ذلك لا بد ان تتوحد جهود كافة الداعين الى قيام دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، دولة المؤسسات والقانون، والبدء فورا باللقاء والتشاور، وتجاوز حالة الفرقة والتشتت ولملمة الصفوف وصولا الى تحقيق الاصطفاف المدني الديمقراطي الواسع القادر على انجاز الاصلاح والتغيير الجذري.
تغيير ميزان القوى لصالح المعنية بالتغيير الديمقراطي الحقيقي لن يأتي بضربة حظ
ولا شك أن تغيير ميزان القوى لصالح الطبقات الشعبية والقوى المعنية بالتغيير الديمقراطي الحقيقي لا الشكلي لن يأتي بضربة حظ، بل يستوجب تطوير وتنظيم وتوحيد الحركة الاحتجاجية والحراك المجتمعي عموما، وتحصينها ضد محاولات الاحتواء والتهميش وحرفها عن وجهتها المطلوبة، وترقية اشكال التعاون والتنسيق في ما بينها. ويتعين أن يرتكز هذا البناء على نبذ أي هيمنة عليها من أي طرف كان فالساحة تتسع لكل الساعين الى تغيير أسس النظام المحاصصي.
إن التجربة التاريخية تؤكد الاستنتاج القائل بأن وحدة القوى اليسارية والديمقراطية والمدنية عموما تبعث على الدوام الثقة والأمل في نفوس الجماهير الشعبية، وتساعد على تعبئتهم للقيام بأعمال ملموسة وفعالة في آن.
وبالمقابل، يتعين على المستوى الفكري والممارسة السياسية والثقافية، العمل على تعميق التناقضات داخل الجبهة الايديولوجية للقوى المتحاصصة، وإجبارها على الاختيارات الحقيقية للمجتمع من خلال النضالات اليومية بمختلف أشكالها للمساعدة في احداث استقطاب كبير بين قوى التغيير والديمقراطية والحداثة وبين القوى التي تراهن على النزعات والخيارات الماضوية والهويات الفرعية والمحاصصات من أي نوع كان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة "الثقافة الجديدة"
العدد 386
كانون الثاني 2017