مدارات

في "الثقافة الجديدة": طاولة حوارية عن اصلاح العملية الانتخابية

(اصلاح العملية الانتخابية... أحد متطلبات البناء الديمقراطي الحقيقي
ووسيلة رئيسية في التغيير)
في يوم السبت المصادف الرابع من شهر آذار عام 2017، وعلى قاعة مقر مجلس السلم والتضامن، اقامت مجلة (الثقافة الجديدة) طاولة حوارية، استضافت بها عدداً من السادة القضاة والمحامين والمتخصصين، بالإضافة الى ممثلي عدد من منظمات المجتمع المدني. وكانت الطاولة بعنوان (اصلاح العملية الانتخابية... أحد متطلبات البناء الديمقراطي الحقيقي ووسيلة رئيسية في التغيير).
شارك في أعمال الطاولة:
• القاضي قاسم العبودي، عضو مجلس النواب
• القاضي هادي عزيز
• الدكتور جاسم الحلفي
• المحامي زهير ضياء الدين
• الانسة فيان الشيخ علي
• الاستاذ كامل مدحت
• السيدة هناء ادور
• الاستاذ عبد الكريم عناد مطلك
• الاستاذ فرحان قاسم
وقدّم للطاولة وأدارهاـ ممثلا عن هيئة تحرير مجلة (الثقافة الجديدة)، الدكتور سوران قحطان.
في البداية رحب الدكتور سوران بالحضور قائلا: نشكر السادة الحضور على المساهمة في هذه الطاولة، حيث عوّدتكم مجلة (الثقافة الجديدة) على اقامة العديد من النشاطات ومنها عقد الطاولات الحوارية التخصصية. والمجلة عقدت الكثير من الطاولات الحوارية، وفي النية عقد طاولات اخرى مستقبلا .
وقدم بعد ذلك نبذة عن تاريخ المجلة، مشيرا الى أن مجلة (الثقافة الجديدة) يعود اصدارها الى تشرين الاول من العام 1953 بالتعاون بين عدد المثقفين والفنانين والشعراء اليساريين والديمقراطيين. قبل ثورة 14 تموز 1958 صدرت ثلاثة أعداد من المجلة (عامي 1953 و1954) وتم حجب العدد الرابع ولم يصدر الا بعد الثورة وواصلت الصدور بعد ذلك. ومنذ 2003 تصدر المجلة بمعدل مرة واحدة كل شهرين.
بعد ذلك اشار د. سوران الى ان المجلة تتصدى في طاولتها الحوارية هذه، الى موضوعة الانتخابات في العراق، وإلى أي مدى تتطابق التجارب الانتخابية التي جرت في العراق بعد 2003 مع شروط ومعايير الانتخابات الديمقراطية؟ وإلى أي مدى انسجم الاطار التشريعي والقانوني العراقي الذي اجريت هذه الانتخابات ضمن نطاقه وما يتصل به من انظمة وتعليمات واجراءات مع الاطر والتعليمات الدولية، ذات الصلة التي اقرها المجتمع الدولي من خلال معاهدات واتفاقيات ومدونات السلوك.
واضاف د.سوران، إننا في مجلة (الثقافة الجديدة) نهدف من هذه الطاولة الى اطلاق حوار حول الاشكاليات المرتبطة بالعملية الانتخابية، خصوصا وانه لا يفصلنا الكثير من الوقت عن انتخابات مجالس المحافظات التي مخطط لها ان تنعقد في ايلول 2017 وكذلك الانتخابات البرلمانية القادمة.
ان طاولتنا الحوارية هذه تنطلق من فرضية قوامها ان اصلاح العملية الانتخابية يعد أحد أهم متطلبات البناء الديمقراطي الحقيقي ووسيلة رئيسية في التغيير.
لنتفق على آليات الطاولة: يقدم الضيوف مداخلة عن رؤاهم وافكارهم لمدة عشر دقائق، وبعد ذلك يتم فتح المجال لتقديم المداخلات والتساؤلات والآراء.
ثم فتح باب المداخلات للسادة والسيدات الحضور، وحسب التسلسل الآتي:
بدأ القاضي قاسم العبودي مداخلته بشكر مجلة (الثقافة الجديدة) على الاستضافة، وأضاف قائلا:
ارجو ان تعتبروني مدعوا الى طاولتكم بصفتي مختصا بالانتخابات، ولست كعضو مجلس نواب وسأنقل رأيي بحيادية. في البدء اود ان اذكر مفاتيح رئيسية للحديث عن طبيعة النظم الانتخابية والانتخابات وهي عبارة عن مقولات بعضها لمصممي النظم الانتخابية. الاولى ان النظام السياسي عادة ما يعمل على صياغة نموذج انتخابي من فئة دمه. والثانية النظام الانتخابي يعمل عمل العجلات التي تسير العملية السياسية، اما ركابها فهم الاحزاب والحكومة والتحالفات وحتى شكل الدولة. أما الثالثة والتي انا مغرم بها كثيرا واقتبستها في كتابي (تأثير نظم الانتخابية في النظام السياسي) فهي لرئيس الوزراء البريطاني الاسبق (ونستون تشرشل) عام 1945 عندما قال: ان الديمقراطية هي اقل نظم الحكم سوءا. واعتقد ان الرجل قال هذه المقولة بعد ان خسر الانتخابات في نفس العام الذي خرج فيه منتصرا من اكبر حرب كونية. إن تقصي النظم الانتخابية وطبيعتها وطبيعة تأثيرها في النظام السياسي يكشف ان ما قاله (تشرشل) يصدق كثيرا على تلك النظم.
دعونا نتفق انه ليس هناك نظام انتخابي او قانون انتخابي يوصف بالحسن المطلق او القبح المطلق، فهذا الوصف ليس علميا، فلا وجود لنظام انتخابي مثالي. وان المجتمعات الديمقراطية لا تختار نظاما انتخابيا لأنه الافضل او الاحسن او الاكمل بل تختاره لأنه الانسب لذلك المجتمع في وقت معين.
لذلك من المهم ان نستعرض بسرعة انواع النظم الانتخابية لنطلع على مزاياها وعيوبها. وانا في ابحاثي عن النظم الانتخابية كنت قد قسمت العالم من حيث طبيعة النظم الانتخابية الى اربعة معسكرات أو اقسام رئيسية:
الاول هو معسكر انكلترا والدول الناطقة بالإنكليزية. وهي دول تطبق نظام الاغلبية ذا الدور الواحد.
والثاني هو معسكر فرنسا والدول الناطقة بالفرنسية وهي تطبق نظام الاغلبية ذا الدورين.
والثالث معسكر غرب أوربا الذي يطبق نظام التمثيل النسبي.
والمعسكر الرابع والاخير يشمل روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق وأوربا الشرقية الذي يطبق النظام المختلط.
نظام الاغلبية ذو الدور الواحد هو اقدم النظم الانتخابية الديمقراطية. ومن مزايا هذا النظام انه عادة ما يخلق حكومات قوية. اذا هناك حزب يحصل على الاغلبية ويشكل الحكومة وتتمترس الاحزاب الاخرى في معارضة قوية وتشكل أحيانا حكومة ظل. أما اهم عيوب هذا النظام فانه أبعد ما يكون عن المفهوم التقليدي للديمقراطية، بسبب بعده عن التمثيل الحقيقي لإرادة الناخبين؛ حيث أن حزبا قد يحصل على ربع الاصوات فقط، يمكنه من ان يشكّل الحكومة. ومن عيوبه ايضا انه يعتبر نظاما عدوا للمرأة، حيث لا تتمثل المرأة في ظل هذا النظام بشكل جيد. مثلا في الكونغرس الامريكي لم تصل نسبة النساء الى 5% لحد الآن. ومن عيوبه ايضا تغييب الاقليات بشكل كبير.
وبسبب عيوب هذا النظام، وسعيا الى وجود نظام انتخابي اقرب الى عكس التمثيل الحقيقي، تم (اختراع) نظام الاغلبية ذي الدورين. وهذا النظام له اشكال كثيرة يطول شرحها. لكن عموما يقتضي هذا النظام ان المرشحين للهيئة التنفيذية او التشريعية او الى البرلمان يجب ان يحصلوا على (50% +1) من اصوات الناخبين للفوز. وعادة لا يمكن تحقيق هذه النسبة من المرحلة الاولى، لذلك يجري الذهاب الى مرحلة ثانية. من مزايا هذا النظام هو الاقتراب اكثر نحو عكس التمثيل الحقيقي وعكس الارادة الشعبية.
لكن أبرز عيوبه خصوصا في الدول حديثة العهد بالديمقراطية، هو ان الفترة بين الدورتين هي فترة صعبة جدا، وحرجة وتتخللها مشاكل كثيرة، تصل في بعض الاحيان الى نزاعات مسلحة.
بالنسبة لطريقة التمثيل النسبي، فلقد تم اختراعها من اجل ضمان تمثيل جميع الشرائح. وبالتالي فإن كل حزب وكل مجموعة بمقدار ما لديها من اصوات تحصل على مقاعد على وفق نسبتها من اجمالي التصويت. من مزايا هذا النظام انه يعكس الارادة الشعبية بشكل جيد، ويضمن تمثيلا للأقليات والمكونات، كما انه نظام صديق للمرأة؛ تتمثل به بشكل جيد في الهيئات التشريعية. لكن اكبر عيوبه انه لا تنشأ عنه حكومات قوية، لذلك عادة ما لا يستطيع حزب واحد ان يحوز اغلبية المقاعد؛ فيضطر الى التحالف مع حزب اخر او اكثر لتشكيل حكومة . وبما ان هذه الاحزاب قد تكون مختلفة في رؤاها وافكارها وأيدولوجيتها لذلك غالبا ما تنهار تلك الحكومات قبل انتهاء ولايتها وتتم الدعوة الى انتخابات مبكرة.
لذلك دار جدل كبير حول طبيعة وشكل النظام السياسي ونوع الحكومات المطلوبة. والجدل محصور بين منظورين؛ الاول هو للمزيد من التعددية والسماح للمزيد من الاحزاب بالتمثل وكذلك الاقليات. والمنظور الثاني هو تشكيل حكومات قوية. يبدو ان المنظور الثاني وتشكيل الحكومات القوية هو المنظور الراجح الآن. مثلا تركيا لم تستطع تشكيل حكومة قوية إلا بعد وضع عتبة هي الـ 10% . والآن جميع دول أوربا، وانا مسؤول عن كلامي، فيها عتبة للدخول الى المجالس المنتخبة. ومتوسط العتبة في أوربا هو 2.4 % . لذلك فالجدل يدور حول طبيعة وشكل النظام السياسي ونوع الحكومات.
نظام الاغلبية ونظام التمثيل النسبي، كلاهما لهما مزايا وعيوب. وكان هناك حديث ماذا لو جمعنا بين النظامين؟ بحيث سيجد الواحد منهما الخلل في النظام الاخر. وبذلك نشأ النظام المختلط. وهذا النظام مطبق في المانيا وانتشر في كل الدول التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بالإضافة الى دول شرق أوربا.
في المحصلة ليس هناك نظام انتخابي مثالي، أو نظام انتخابي يمكن ان نقول عنه انه الجيد او الافضل او الاحسن. لكننا في وقت ما نحتاج الى نظام انتخابي معين للمجتمع؛ فالنظام الانتخابي هو من يترجم طبيعة وفلسفة النظام السياسي؛ ففي بعض الاحيان نحتاج الى نظام يمنح تمثيلا واسعا وتمثيلا للأقليات. وفي احيان اخرى نحن بحاجة الى نظام انتخابي يؤدي الى تشكيل حكومة قوية. ومن جهة اخرى فالعكس صحيح ايضا؛ فالنظام الانتخابي يؤثر في طبيعة النظام السياسي وفي شكل الدولة، فيما اذا كانت ماضية في نقل مزيد من الصلاحيات الى الوحدات الادارية المكونة او استرجاعها الى المركز.
ان الجدل في العراق حول النظام الانتخابي لن ينتهي في وقت قصير، بل يحتاج الى وقت طويل حتى نستقر على نوع النظام الانتخابي المناسب لمجتمعنا.
نحن الان نشبه الوضع اللبناني بشكل كبير لأننا نمر بنفس المرحلة. بالنسبة لي الانتخابات عبارة عن مجموعة قوانين: قانون الانتخابات، قانون المفوضية وقانون الاحزاب، ولا يمكن فصل الواحد عن الآخر. عندما تكون هذه القوانين صالحة للتعبير عن ارادة الناخب في ذلك الوقت، نقول اننا امام قوانين ديمقراطية حقيقية. المشكلة التي تواجهنا حاليا تنحصر في طريقة توزيع المقاعد؛ فهي التي تجعل الاحزاب "الكبيرة" تستحوذ على المقاعد البرلمانية او تمكن القوى والاحزاب "الصغيرة" من الوصول الى المجالس التمثيلية. الحراك السياسي العام الذي شهده البلد في الفترة الاخيرة، يجعلنا امام ثلاث طروحات:
الاول: هو التصويت الفردي، نقل الدائرة الانتخابية من المحافظة الى الاقضية، في الوقت الذي نطمح فيه، بجعل العراق دائرة انتخابية واحدة.
الطرح الثاني: هو نظام الاغلبية الذي تتبناه احدى الكتل السياسية الكبيرة.
والطرح الاخير: هو اللعب العراقي بامتياز بسانت ليغو (1.6) او (1.7) أو حتى وصولا الى (1.9(.
وكل هذا لا ينزع نحو تأسيس دولة مدنية ديمقراطية. فنقل الدائرة الانتخابية – في انتخابات مجالس المحافظات – من المحافظة الى القضاء، معناه اختيار صاحب الوجاهة ومن هو صاحب الوجاهة في الاقضية؟ انه امام الجامع او شيخ العشيرة. واذا كان هذا النظام مطبقا في انكلترا فلأن انكلترا الآن تعيش في مرحلة ما بعد الحداثة، ونحن لم نزل في مرحلة ما قبل الدولة. اما نظام الاغلبية، فمن يأخذ كل المقاعد في المجلس المنتخب للمنطقة الانتخابية، اما البقية حتى لو كانوا قد حصلوا كلهم على اربعة اضعاف عدد المصوتين له، فيذهبون الى المعارضة. وعندما اضع النسبة الاولى لسانت ليغو (1.7) فإن ذلك يعني منع الاحزاب والقوى "الصغيرة" من التمثل.
الدرس البليغ الذي تلقته الاحزاب الكبيرة عندما اضطرت واضطر مجلس النواب ان يضع تشريعا جديدا اذعانا لقرار المحكمة الاتحادية العليا بإلغاء الفقرة رابعا من المادة ثالثا من قانون رقم (26) لسنة 2009 والتي اعتبرت غير دستورية. وكان التشريع في انتخابات مجالس الانتخابات بوضع سانت ليغو بصيغته الاصلية كآلية لاحتساب الاصوات. وعندما اتت النتائج وتمكنت القوى والاحزاب المدنية على قلتها من ايصال عشرة اعضاء الى مجالس المحافظات على صعيد الوطن، اهتزت بقوة عروش القوى والقيادات المهيمنة. هذا الامر دعا المتنفذين والمتمكنين من السلطة الى تعويق سانت ليغو بوضع صيغ جديدة.
ان القوى المتنفذة والماسكة بالسلطة والتي تسعى الى الحفاظ او زيادة عدد مقاعدها تعمل وتتصرف بصيغة الاغلبية، على الرغم من ان النص القانوني يشير الى التمثيل النسبي. ونحن كمدنيين ومنظمات المجتمع ومساهمين بالحراك، يجب ان نخرج بقرار موحد حول: ماذا نريد؟
شكرا لمجلة (الثقافة الجديدة) وشكرا للحضور. بداية لا بدّ من الاشارة الى أنه لا وجود لنظام انتخابي عادل، ولا قانون انتخابي مثالي او صالح لكل المجتمعات. الامر المهم في كل هذه الانظمة وفي كل هذه القوانين انها نظم وقوانين تمثل وتعبر عن مصالح الماسكين بالسلطة. واضعها هو صاحب السلطة، يشكلها ويكيفها لأجل تأبيد وجوده بها.
ان التجربة التاريخية المتعلقة بالانتخابات قد تطورت. وحق الشعوب بأن تتمثل تمثيلا عادلا، اصبح ليس قضية رأي عام وحسب، وانما جزء من منظومة قوانين واخلاق للشعوب واهمية مشاركتها في صنع تاريخ آخر؛ تاريخ يحدد مستقبلها ويدافع عن مصالحها، لا سيما مصالح الكادحين، والفقراء والمهمشين وكل البعيدين عن السلطة والمال.
في بداية التسعينيات وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية اصبح موضوع اشراك الشعوب في تقرير مصيرها بواسطة الانتخابات وبنظم وقوانين انتخابية الديمقراطية في رأس اهتمامات المنظمات الدولية، بما فيها الامم المتحدة. لذلك سعت هذه المنظمات الى ضمان كوتا نسوية والى اشراك وفسح المجال امام القوى الجديدة بأن تتمثل، سواء كانت هذه القوى صغيرة أم كبيرة، وذلك انطلاقا من اهمية توسيع المشاركة السياسية، وعدم حصر المشاركة السياسية بيد من يملك المال ويملك السلطة والنفوذ واعطاء الفرصة للآخرين ليتمثلوا.
ولنتحدث الآن عن العراق بشكل ملموس دون الاستغراق بالتجارب التاريخية؛ التجربة الانتخابية الاولى في العراق، مع كل العيوب، كانت جيدة. فقد كان في ذهنية الامم المتحدة توسيع المشاركة ولكن نظام المحاصصة سيطر في تلك الفترة بعد أن تشكلت الكتل السنية والشيعية والكردية. لقد بدأت تلك الكتل بعملية ترسيخ هذا النظام عبر وجودها في البرلمان، فبدأت تشريع القوانين لتأبيد وجودها في السلط. واصبح العراقي مؤمنا ان النتيجة الانتخابية معلومة سواء ذهب الى الانتخابات ام لم يذهب. هذا النظام انتج فسادا وولد واحة للإرهاب والفوضى وقلة الخدمات. وتشكلت منظومة للحكم محصورة في منطقة تعني من ضمن ما تعني حتى وجود نظامين للأخلاق؛ واحد للعراقيين عموما، وآخر للمنطقة الخضراء وحكامها. وكل الجهد منصب من طرف سكنة هذه المنطقة ـ بما يمثلونه اجتماعيا وطبقيا وفكريا وذهنيا ـ على ان يبقوا من اصحاب "الدم الابيض" اي دم خالص لهم. في حين ان المنطقة الاخرى دمها مباح للقتل والجوع.
وما ان بدأت المنطقة الاخيرة تنتفض لإحقاق حقوقها حتى بدأنا نشاهد استمرارا بالتشبث بالسلطة. فالمتنفذون واعضاء مجلس النواب يسعون فقط الى المال والنفوذ والجاه والمزيد من السلطة. وبواسطة الحصانة حموا انفسهم من الملاحقات والمحاسبات القانونية، لما اقترفوه من جرائم بحق الشعب العراقي، وهي كثيرة.
المعركة الآن ليست معركة سهلة، كما انها ليست معركة انتخابات، وانما معركة مصير لهذا الشعب الذي يبقى في دوامة القتل والعنف والسرقات. هي معركة تحول العراقي الى مالك للحرية ومالك للكرامة الانسانية. انها معركة حول النظام السياسي الذي انتج هذه المنظومة الانتخابية.
ان الاستقرار السياسي لا يتحقق بإعادة انتاج الكتل الكبيرة نفسها، وإن بأشكال جديدة وانما يتحقق الاستقرار بتوسيع المشاركة وتوفير البيئة المناسبة للشعب، كي ينتخب ممثليه، كي يحقق مصيره، بتوفير القناعة للناس وبردم الهوّة من عدم الثقة التي تكونت، وبدأت تزداد عمقا بين المواطن والمسؤول.
هناك عزوف عن التسجيل وتحديث سجل الناخبين، وهذا يمثل تعبيرا عن رفض الانتخابات ويعني رفضا للنظام السياسي القائم، رفضا للشريحة السياسية الحاكمة وهو رفض ليس سلبيا بل اعتبره رفضا ايجابيا في بعض معانيه ايضا؛ فهو نوع من انواع الاحتجاج. ولا يمكن القضاء على ظاهرة عزوف الناخب عن المشاركة في الانتخابات الا بتغيير المنظومة الانتخابية التي انتجها نظام المحاصصة المنتج للفساد.
بالنسبة لمفوضية الانتخابات ولجنة الخبراء التي ستختارها هناك قناعة، انه مهما قيل عن اختيار المستقلين فإن المفوضية لن تكون مستقلة. لذلك انا مع المقترح الذي يدعو الى اختيار قضاة لإدارة العملية الانتخابية؛ فهم اقل تأثرا بالضغوط و بالطائفية وبأجندة الفساد.
بالنسبة الى قانون الانتخابات، فالأفضل بالنسبة لوضع العراق هو ان يكون العراق دائرة انتخابية واحدة، واذا لم يكن، فنصف عدد المقاعد للدائرة الواحدة والنص الباقي للدوائر المتعددة وهو مشروع الصدر. بينما قوى المحاصصة ما زالت تطالب بأن يكون العراق عبارة عن 18 دائرة انتخابية. بالنسبة لطريقة توزيع المقاعد، فإن الطريقة الأكثر ديمقراطية بالتأكيد هي الباقي الاقوى، واذا لم يكن فطريقة (سانت ليغو) بصيغتها الاصلية، علما أن قوى المحاصصة تطالب بسانت ليغو مشوه، وذلك بهدف تأبيد سيطرتها.
ماذا يدل قانون الانتخابات الذي يطرحه هؤلاء؟ انه يدل على انهم متوحدون لمجابهة الشعب كله.
ان الانتخابات في العراق تعني ان 80% اموال شراء وجدان وشراء ضمير اعلام، 10% ولاء والـ 10% المتبقية برامج سياسية وانتخابية.
ختاما، يمكن القول انه ومن دون قانون منصف وعادل يشجع المشاركة، ودون تغيير المفوضية ودون اعلان النتائج في يوم الانتخابات ذاته ودون ان يكون (السيرفر) الرئيس بيد مجموعة ثقاة وليس بيد واحد، فلا يمكن ان تحصل انتخابات نظيفة. ان المراقبة في المحطة الانتخابية لا تعني شيئا، اذا تم التلاعب في السيرفر الرئيسي والرقابة من وراء الشاشات في المفوضية لا تعني شيئا، اذا تم جمع النتائج في غرفة واحدة، ولا نعرف كيف تتم ترجمة الاصوات الى نتائج.
في الحقيقة سأتحدث عن موضوع واحد فقط هو مبدأ علوية الدستور؛ فنصوص الدستور حاكمة. المحكمة الاتحادية العليا عندما اصدرت اكثر من قرار بخصوص قوانين الانتخابات واعتبرت عددا من مواد قوانين الانتخابات غير دستورية، انطلاقا من أن مبدأ ترحيل اصوات الناخبين من المرشح الذي انتخبه الى مرشح لم ينتخبه يعتبر غير دستوري. اذن وبغض النظر عن النظام الانتخابي سواء كان ينسجم او لا ينسجم مع قوانين الدول المتطورة فإن هذا المبدأ اصبح مبدأ دستوريا. وبالتالي فإن مجلس النواب ملزم بأن يعتمد هذا المبدأ عند اعداد القوانين الانتخابية الجديدة.
سأحاول ان أمر على جميع محاور الورقة. بالنسبة الى مفوضية الانتخابات حسب رأينا كمنظمات مجتمع مدني مراقبة للانتخابات، فمن الصعب ضمن هذه الظروف أن تأتي مفوضية انتخابات مستقلة وبعيدة عن مبدأ المحاصصة حتى وان كان المرشح لعضوية المفوضية مستقلا فإنه في النهاية سيتبع هذه الكتلة او تلك والاسباب لهذا كثيرة. ومعالجة هذا الموضوع في هذه المرحلة تقوم على مراقبة مستمرة على آلية اختيار المرشحين للمفوضية، من اجل ضمان استقلال المفوضين مستقبلا ضمان التزامهم بالعمل بمهنية. فيجب الضغط من اجل اختيار المهنيين وبهذا لن تؤثر اسس المحاصصة التي جاؤوا بها. إن تأجيل انتخابات المحافظات ودمجها مع انتخابات مجلس النواب في سنة 2018 معناها اختيار مفوضية جديدة، وبالتالي نستطيع مراقبة اختيار المرشحين، ونركز على تشكيل مجلس المفوضين والتصدي لأية خروقات.
بالنسبة لسجل الناخبين فإن العراق يعاني منذ عام 2004 ولحد الآن من عدم وجود سجل انتخابي رصين. وحاليا هناك عملية التسجيل البايومتري ومثل كل مرة ليس هناك اعداد لسجلات رصينة وهناك عزوف عن تحديث سجلات الناخبين. لكن هذا العزوف لا يكشف عن حجم المشاركة في الانتخابات. فالمشاركة في الانتخابات تتأثر وتتغير بسبب العديد من الظروف والعوامل في الايام الاخيرة ما قبل الانتخابات مباشرة. وبالتالي سوف تكون هناك مشاكل في السجل الانتخابي كما حدث في السابق. والسبب الرئيسي في كل هذا هو عدم وجود تعداد سكاني يوفر قاعدة بيانات رصينة.
طبعا السجل الانتخابي معلق على باب المحطة في يوم الانتخابات، ومن اهم المسائل التي طالبنا نحن كمنظمات مجتمع مدني مراقبة للانتخابات، ان يعلن السجل الانتخابي قبل فترة وهذا السجل من الممكن ان يعلن من خلال الانترنت، بسبب وجود قاعدة بيانات الكترونية. وسجل الناخبين من الضروري ان يوزع على المراقبين في محطات الاقتراع. وهذا سيحد من التجاوزات وعمليات التصويت المتكررة .
اما بالنسبة لقانون الانتخابات فإن منظمات المجتمع المدني لم تتفق الى حد الان على شكل للقانون. وآن الاوان ان نتفق على شكل القانون الانتخابي ومن ثم الضغط بحملة فليس فقط المهم ان ندخل بنقاشات حوله. المهم إيجاد آلية ضغط.
بالنسبة لموضوعة دور منظمات المجتمع المدني فإن دورها يشمل مراقبة عملية الانتخابات في كل المراحل، بالإضافة الى دورها التقييمي للعملية الانتخابية. مع دعوتنا الى تغيير طبيعة ودور مراقبة منظمات المجتمع المدني في يوم الانتخابات وابراز دورها، فاعتماد تقارير المراقبين وهذا سيعطي المنظمات قوة اكثر.
ونحن كمنظمات مجتمع مدني مع دمج الانتخابات (انتخابات مجالس المحافظات مع مجلس النواب) فهو يوفر لنا الاموال كمنظمات كما انه يخلص الجميع من مأزق المفوضية الحالية. كما يوفر الاستقرار للمناطق المحررة من سيطرة داعش، وعودة النازحين وبالتالي يوفر مناخا افضل لتوسيع دائرة المشاركة في الانتخابات. كما يوفر وقتا لتحرير مناطق اخرى.
وبالنسبة لموضوعة الدعاية الانتخابية؛ فنحن مع ان يتضمن قانون الانتخابات وكذلك تعليمات المفوضية تشديد العقوبات على الجرائم الانتخابية، وعلى المخالفين لتعليمات الداعية الانتخابية وان لا يقتصر الموضوع على دفع غرامة (15) مليون لمن خالف مرة واحدة او لعدة مرات. والعقوبة يجب ان تطبق على الجميع. لم نلحظ انه تم تغريم الحزب الحاكم او حزب رئيس الحكومة الذين قاموا بأبشع حالات استغلال للمال العام.
نحن مع الغاء مرحلة التصويت الخاص لأنه حلقة زائدة 97- 98% من اعضاء وزارة الدفاع قاموا بعملية التسجيل البايومتري، بينما نسبة التسجيل بين النازحين وبين المواطنين في بعض المحافظات 4% . مع ملاحظة ان المشاركين في التصويت الخاص يحصلون على بطاقة الناخب وفي بعض الاحيان يصوتون لمرتين. ونحن ايضا مع الغاء تصويت الخارج لأنها غير مجدية بسبب كلفته العالية، وان مقدار ما ينفق عليها من اموال اكثر من مردود الاصوات ويحرم العددين من المشاركة ويكثف المشاركة في بعض الدول.
حقيقة الزملاء قدموا موضوعات اساسية في مجال اصلاح العملية الانتخابية، لكني سأؤكد على بعض المسائل ذات العلاقة بنزاهة وحرية الانتخابات. في الاساس لدينا موضوعة قانون الاحزاب والذي إلى الان لم يفعل بشكل صحيح، والانتخابات قادمة على الابواب والكثير من الاحزاب الماسكة بالسلطة تنطبق عليها المحاذير التي وردت في قانون الاحزاب، مثلا. وسنتكلم بشكل مباشر: في مجال الطائفية وتشجيع التطرف.
نعم، لا يوجد قانون مثالي ومطلق وعادل للانتخابات لكن في العراق ونحن ما زلنا في مرحلة انتقالية فيها الديمقراطية ما زالت متعثرة تتطلب الركون اولا الى الدستور، ومن ثم الى قرارات المحكمة الاتحادية الضامنة لشيء من العدالة في هذا الموضوع. وعليه فإن الجهد الاساسي لكل النشاطات المدنية الآن هو كيف نستطيع كسر احتكار السلطة من القوى المتنفذة في السلطة التشريعية او السلطة التنفيذية. ان السلطة التشريعية الان هي انعكاس مباشر للتقسيم الطائفي والاثني في العراق. وبالتالي هذه المؤسسة اذا بقيت على حالها فإن العراق سائر من ازمة الى ازمة وبالتالي فهو مهدد بمستقبله.
من المهم ايضا وجود ادارة مستقلة للانتخابات. كيف نضمن ذلك والتجربة اكدت في الانتخابات السابقة ان هذه الدائرة/ المفوضية هي انعكاس للنظام السياسي في العراق، نظام المحاصصة الطائفي الاثني. الاستقلالية تعني ان تكون المفوضية بعيدة عن تأثيرات المتنفذين في السلطة والتأثيرات الحزبية. في الانتخابات السابقة، لاحظنا كيف ان المتنفذين يدخلون الى قاعات الفرز والعد والكنترول الرئيسي ويتحكمون في كود وشفرة البرنامج الخاص بجمع واعلان النتائج. وبالتالي كان هناك مجال واسع للتزوير. القضاء العراقي وان كانت عليه بعض التساؤلات لكنه يبقى هو الضمانة الوحيدة المتبقية في الحقيقة، في أن يكون داعما لعملية انتخابية نزيهة.
ومن جهة اخرى، وددت ايضا ان اركز على ان تحديات العملية الانتخابية يجب ان لا تغيب عن البال طبعا، عدا موضوعة الفساد واستخدام المال العام في الانتخابات. من ابرز هذه التحديات، الارهاب، فالمعركة ضده ما زالت قائمة، وكذلك موضوعة المهجرين والنازحين وكيف ستتم عملية ادارة الانتخابات بطريقة تضمن ان النتائج ستعكس حقيقة تمثيلهم. وكذلك لدينا موضوعة التغيير الديمغرافي في بعض المناطق وكيف يصحح هذا التغيير؟ كل هذه التحديات يجب ان لا تغييب عن واضعي القانون او عن من سيدير العملية الانتخابية.
نحن مع ان يكون العراق دائرة انتخابية واحدة لكن الماسكين بالسلطة يقفون ضد هذه المسألة. ونحن ايضا مع نظام انتخابي متوازن يسمح بالمشاركة العادلة في ادارة الشأن العام في البلد ولا يسمح او يؤبد التهميش والاقصاء الذي هو اساس الكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لا للتهميش لا للإقصاء في اي قانون والحراك المدني والمجتمع المدني سوف يصر ويواصل عملية الضغط على اصحاب القرار، كي يكون لدنيا قانون عادل ومنصف للانتخابات.
اولا هناك اجماع من قبل من هُم بالسلطة ومن قبل منظمات المجتمع المدني ومن المواطنين من ان النظام العراقي يمر بأزمة عميقة. وان هذه الازمة ولدت كوارث عديدة، ولا يوجد اختلاف حول هذا الموضع. ثانيا، الكل متفق على ضرورة الاصلاح وهذه من المسائل المهمة التي يجب ان نضعها امامنا في عملية الانتخابات سواء كانت قوانين او نظما او اجراءات. وأخيرا ونحن مقبلون على القضاء، ما هو الحل بعد ان ننظر لكل هذه التفاصيل والتعقيدات، حل يضمن مصلحة البلد ومصلحة الناس. هذه القضايا الثلاث من الضروري ان نضعها في حسابنا قبل ان نطالب بتشريع القوانين. نحن امام مرحلة معقدة جدا وانا لا اعتقد ان السياسيين لا يشعرون بهذا.
اريد هنا ان ارجع الى المادة (1) من الدستور، فمرجعيتنا هي الدستور بالإضافة الى قرارات وانظمة المحكمة الاتحادية. تنص هذه المادة على الآتي: (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق). وايضا اذا رجعنا الى الدستور في المادة رقم (5) والمادة رقم (6) والتي تؤكد مسائل مهمة. بالنسبة للمادة رقم (5) تنص على: (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية). أما المادة رقم (6) فتنص على الآتي: (يتم تداول السلطة سلميا، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور).
فاذن نحن امام هذه الاسس ندخل العملية الانتخابية، والعملية الانتخابية القادمة ليس كما هو الحال في العمليات الانتخابية السابقة لأن المأزق الذي يمر فيه العراق الآن هو مأزق عميق وقد يضعنا امام خطر كبير كبلد وأيضا كشعب في الاساس. هل المسألة هي مسألة حكومات أغلبية من اجل استقرار العملية السياسية؟ بالعكس، ان المسألة يجب ان تنطلق من الاسس السابقة وليس ان تخدم كتل سياسية او فئات سياسية فشلت تماما في ادارة دفة الحكم في العراق وكانت سببا في كل هذه المآسي التي نعيشها في بلدنا اليوم. لذا يجب ان يكون لنا هاجس الناس وليس هاجس الكتل السياسية، هاجس الناس هذا مثلته ايضا منظمات المجتمع المدني، وايضا هاجس الاصلاح الذي رفعه السياسيون حتى وان كان على الورق دون ان يستجد شيء حقيقي على ارض الواقع.
في العملية السياسية الحالية وطيلة اربع عشرة سنة نلاحظ استبعاد دور مهم، هو دور الشباب. والشباب هم من يصنع المستقبل وهم من سيبني ويعيش في هذا البلد. ومنذ البداية عندما طرحنا ان يكون سن المشاركة السياسية وسن المرشحين للانتخابات اقل ما يمكن، دائما ما كنا نجابه من قبل السياسيين بمقولات مثل: هؤلاء عبثيون، هؤلاء غير ناضجين! و برأيي ان سن الشباب المسموح لهم بالمشاركة السياسية والانتخابات يمكن ان يكون حتى اقل من (25) عاما، ففي المغرب مثلا تم تخفيض السن الى (18) سنة. وحتى في قضية تأسيس الاحزاب يجب ان يخفض السن. فلننظر الى كل السياسيين الحاليين متى مارسوا العمل السياسي؟ لقد دخلوا عالم السياسة في فترة الفتوة وبداية الشباب. وبرأيي يجب ان نضع كوتا للشباب بالإضافة الى النساء في القانون الجديد. وكوتا الشباب موجودة في بعض بلدان العالم. فما بالكم في بلد 65% من نفوسه هم من الفئة العمرية اقل من 30 سنة.
اما بالنسبة الى كوتا النساء فللأسف الشديد جرى التلاعب بها دائما، وهذا تم بأشكال مختلفة. لن ادخل في تفاصيل هذه المسألة لكني أود ان اقول انه يجب على المرشحة التي تأخذ مقعدها الانتخابي من خلال الانتخابات ان لا تحسب ضمن الكوتا، وإنما تحسب الكوتا لمن لم يصل الى عتبة الانتخابات، وبذلك تفسير الدستور على ان لا تقل عن نسبة 25%. وكنا نصر في انتخابات مجالس المحافظات ما قبل الاخيرة، ان تكوّن كوتا النساء الربع في كل مجلس محافظة، وليس على العدد الاجمالي.
ايضا في ما يخص قانون الاحزاب السياسية، فإنه لأول مرة سيطبق وسيبقى تطبيقه اعوج. فهذه الانتخابات ستأخذ بنظر الاعتبار قانون الاحزاب، لكن هذا القانون اصبح مجرد قانون شكلي. والاغرب من ذلك اننا نلاحظ اليوم ان تنظيمات مسلحة ستدخل الانتخابات وهذه كارثة. بل ان الكل فرح بان هذه التنظيمات المسلحة هي جزء من العملية السياسية. اننا في الوقت الذي نطالب فيه انه حتى في الاجهزة الامنية والعسكرية يجب ان يستبعدون حتى من التصويت اذا كنا نريد ان يكون ولاء العاملين في السلك الامني والعسكري للدولة العراقية وليس ولاء الى فئات سياسية محددة. وبذلك انا لا ادعو الى الغاء التصويت الخاص فقط وانما ادعو الى عدم مشاركة اعضاء الاجهزة الامنية والعسكرية في الانتخابات. نعم، هذا فيه شيء من الانتقاص من الديمقراطية ولكن هذا مهم اليوم اذا كنا نبحث عن بناء دولة وطنية في هذه المرحلة. ويمكن في المستقبل وبعد استقرار الوضع الامني والسياسي ان نلغي هذا المنع.
ايضا في ما يخص تعديل الدستور، اننا نريد ان نقلص عدد النواب بشكل خاص، ولكن هل نتصور ان يتعدل الدستور خلال هذه الفترة؟ وسواء شئنا ام ابينا ستضاف اعداد جديدة الى مجلس النواب بسبب زيادة عدد السكان.
ما يتم تداوله بين الناس ان السياسيين سيدخلوننا بدوامة قانون الانتخابات والمفوضية فترة طويلة وقبل اسابيع من الانتخابات سيتم اقرار قانون يدير العملية كما يرغب به السياسيون. اذن علينا نحن - كمجتمع مدني وكمنظمات - ان نوعي الناس كيف يتم العمل على وقف هذه المناورة من قبل السياسيين المرفوضين من قبل هؤلاء الناس.
ان القضية التي يجب ان نضغط عليها، هي ان الاصلاح ليس كلاما او ادعاءات او احلاما بل هو عملية عميقة لبناء الدولة العراقية والنظام السياسي في العراق. واستقرار العملية السياسية لا يتم من خلال تشكيل حكومة قوية او حكومة اغلبية تمرر القرارات والسياسية. فهذا المفهوم مبسط وبدائي وفيه تلاعب بالتعابير وتلاعب بعقول الناس.
بالنسبة للدعاية الانتخابية فلننظر الى قانون تونس. هذا القانون حدد تحديدات واضحة لكيفية قيام الاحزاب بالدعاية الانتخابية. وهي تحديدات مقيدة تماما، في عدم تجاوز نسبة محددة من الاموال في الدعاية التي يقوم بها المرشح للانتخابات او الاحزاب المرشحة. واذا تجاوز على هذه النسبة يحرم من الانتخابات. وهنا أتساءل: لماذا لا نستعين بمثل هذه التجارب التي هي جزء من المحيط الذي نعيش فيه، والتي يمكن ان تضمن نزاهة وعدالة وشفافية الانتخابات؟
منذ بداية التجربة الديمقراطية في العراق نتذكر كم ساعدت منظمات المجتمع المدني المواطنين في التعريف بالانتخابات وماذا تعني وتشجيعهم على تحديث السجل الانتخابي. والآن هناك انعدام لأي شكل من اشكال الدعم لمنظمات المجتمع المدني وبرامجها التي تشجع المواطنين على المشاركة في الانتخابات وتعرفهم بأهمية العملية الانتخابية. ما جرى في الفترات الاخيرة ان المفوضية عندها برامج الدعاية والاعلام وهي من تقوم بعملية الدعاية... الخ. وباعتقادي حدث تلاعب كبير في هذه العملية واصبحت ايضا عملية سطحية اكثر منها عملية دقيقة. ونحن امام ضرورة القيام بوضع برامج تشجيعية من قبل المنظمات قبل الانتخابات بسنة.
للأسف الشديد قانون اختيار مفوضية الانتخابات، يخلو من ضرورة وجود منظمات المجتمع المدني في عملية اختيار المفوضين. ولكن من الممكن ايضا ان يكونوا مراقبين لكل الاجتماعات والاجراءات من اجل اختيار المفوضية الجديدة. ومن الضروري ايضا فسح المجال امام وسائل الاعلام من الضروري ان تتواجد كي يكون واضحا امام الناس كيف تتم عملية الاختيار.
اعتذر كثيرا على الاطالة لكني اؤكد اننا بحاجة الى ان تؤدي العملية الانتخابية هدفا اساسيا هو ضمان وحدة العراق، ضمان ان يتوقف النزف المادي لثروات العراق، ضمان لإقامة نظام سياسي عادل يعبر عن تداول سلمي للسلطة.
الزملاء غطوا موضوع الطاولة بشكل كامل، ولكن اعتقد انه عندما انهارت الدولة العراقية وهو انهيار كامل بعد الاحتلال برزت بدائل الدولة ممثلة بالعشيرة والطائفة والاثنية... الخ. وبدلا من تشريع قانون خاص يساعد في بناء الدولة ومؤسساتها وضع قانون يعزز دور الاثنيات والطوائف والعشائر. وبدلا من ان يكون العراق دائرة انتخابية واحدة كرست موضوعة ان يكون العراق (18) دائرة انتخابية بعدد محافظاته. اذن نحن امام هذه الاشكالية، فبدلا من ان تكون الانتخابات وسيلة لبناء مؤسسات الدولة المنهارة، اصبحت وسيلة لتعزيز بدائل الدولة. لا بد من الاشارة هنا الى أن العراق ليس هو الدولة الوحيدة الذي مر بمثل هذه الظروف، فمثلا سبقتنا روسيا عندما انهار الاتحاد السوفيتي وقد عشت هذه التجربة بحذافيرها. لكن الروس استشرفوا هذه المسألة وكان لديهم احساس ان الدولة تنهار: مثلا استقلال دول البلطيق الثلاث. لذلك بدا الروس بوضع تشريعات لهذه الفترة واطلقوا عليها (تشريعات المرحلة الانتقالية). واستمرت هذه التشريعات منذ عام 1989 اي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي بحوالي سنتين، واستمرت الى عام 1993 اي الى حين اقرار الدستور الروسي. بالنسبة لنا في العراق فإننا دخلنا مباشرة ـ وبعد انهيار الدولة ـ الى العملية الديمقراطية دون تشريعات للمرحلة الانتقالية. وما يجري الآن هو بالتأكيد حصاد لسنوات التي اعقبت 2003. كان من الممكن ان توضع قوانين وتشريعات انتقالية اشبه ما تكون بقانون (ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية). قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية من وجهة نظري يعتبر نموذجا إذ بعد ان تراجع قسم من مواده، تجده يفوق الدستور بكثير من جوانبه. الدستور جاء ليجمع ما لا يجمع، ووضع اساسا للدولة الاثنية والطوائف. اذن باعتقادي ان الخلل الذي يجري هو بسبب انتقال العراق الى الديمقراطية دون المرور بمرحلة انتقالية. الآن يوجد بصيص من الامل لإعادة بناء البلد على اساس المواطنة من خلال قانون انتخابي يجعل من العراق دائرة انتخابية واحدة. فالعراقي وفق القانون الحالي قانون الدوائر ينتخب الاقرب والاقرب هو الاثنية او الطائفة او ابن المنطقة او العشيرة. بينما في وضع العراق دائرة واحدة يمكن لابن بغداد ان ينخب ابن البصرة وابن ديالى ينتخب ابن نينوى وهكذا. وكان من الممكن تعزيز اللحمة الوطنية من خلال قانون انتخابي رصين يحول العراق الى دائرة انتخابية واحدة. ايضا ان الوصفة التي يستخدمها المتنفذون للتمسك بالسلطة هي (سانت ليغو) بصيغته العراقية المشوهة. فسانت ليغو الاصلي اساسا وضع وفيه شبه عدالة وشبه مساواة، لاشراك اكبر عدد ممكن من الناس في ادارة الدول.
طبعا، هناك الكثير من التشويهات الاجرائية ايضا من خلال استعراض تجارب البلدان، ومن ضمنها ان بعض الدول تقوم في فترة ما قبل الدورة الانتخابية بتغييرات ادارية. فلجمع اصوات الموالين تقوم بدمج محافظات او اقاليم. واما لتضييع اصوات المعارضة فتقوم بتفريق او تقسيم المحافظة او الاقليم الى اثنين او اكثر، وهذا جرى في روسيا في الانتخابات ما قبل الاخيرة.
هناك اساليب كثيرة لتشويه العملية الانتخابية، ومنذ انتخاب مجلس شيوخ روما عندما كان التصويت يجري بالصراخ (ومن هنا اشتق مصطلح التصويت) والذي يتحصل على اعلى اصوات الصراخ يعتبر فائزا. فمنذ ذلك الحين تتكرر اشكاليات الانتخابات وستبقى قائمة والاصلاحات تنتزع ولا تمنح. وهكذا فإنه ومن خلال الضغط الجماهيري ومن خلال النضال يمكن اصلاح العملية السياسية، وفي المرحلة الحالية يجب التركيز على تغيير القانون الانتخابي.
اعتقد ان الاخوان غطوا الموضوع من جميع جوانبه وبجميع تفاصيله، غير أن النقطة الاساسية – برأيي - هي ما هو المخرج من هذا الحديث كله؟ المواطن وكيف نستطيع النهوض به، المواطن الذي يعيش حاليا في ظل ازمة. الانتخابات تجري منذ 2003 ولحد الآن لكن المواطن وبسبب وضع البلد بدأ يشعر بانه لو بقي على النظام السابق افضل له من التغيير من هذا النظام.
النقطة الاخرى التي يجب ان تعطى بعدا اكبر هي ان الديمقراطية دون قوانين ليست ديمقراطية. فالولايات المتحدة الامريكية تعرف نفسها انها بلد دستوري. فبوجود الدستور والقوانين يستطيع ان يحدد المواطن مجال عمله وسيعرف حقوقه وواجباته.
اننا نسعى في الظرف الحالي الى تحقيق مصلحة المواطن العراقي من خلال الانتخابات في نهاية المطاف، وفي الظرف الحالي ما الذي يمكن ان نقدمه لهذا المواطن؟
اشكر الاخوات والاخوة الذين قدموا طروحات تمثل هموم الشعب العراقي. انا اريد ان انطلق من قضية اساسية، من ما هو ملموس في التجربة العراقية بعد اربعة عشر عاما على التغيير. وسأنطلق من تجربة محافظة بغداد. مجلس المحافظة هو جهة تشريعية وجهة رقابية حسب ما مثبت بالدستور. فهل مارست مجالس المحافظات ومنها مجلس محافظة بغداد الدورين الرقابي والتشريعي؟ بالنسبة لمجلس المحافظة فإنه لم يؤد دوره التشريعي بصورة حقيقية وهذا ليس ارتباطا بإشكالية قانونية دستورية، وانما هي قضية كفاءة. فالعناصر التي وصلت الى مجلس المحافظة هي بشكل عام – اقول بشكل عام – لا تمتلك كفاءة المشرع. ولذلك ونحن بتجربة اربع سنوات لم نصدر الا تشريعين فقط؛ الاول ساعدنا فيه مشروع تقدم وهو قانون المشاركة الضريبية، والقانون الثاني هو قانون الشفافية. هذا عدا بعض التشريعات البسيطة التي تتعلق بالجباية. لكن امامنا الكثير من التشريعات التي لم نستطع تشريعها بسبب الخلافات والاهم بسبب غياب الكفاءة. كذلك لم يستطع المجلس ان يمارس دوره الرقابي. فعضو مجلس المحافظة بدل من ان يكون رقيبا للمواطنين على الجهات التنفيذية، أصبح ذيلا للجهاز التنفيذي بل اصبح عاملا مكرسا للفساد، وأصبح طرفا للفساد بشكل مباشر أو غير مباشر. ما أريد أن اقوله انه ليس فقط النظم الانتخابية يجب ان تتغير، بل ان النظام السياسي نفسه الذي انتج مثل هذه المجالس يجب ان يتغير. لماذا؟ لان النظم الانتخابية كما قال د. جاسم الحلفي هي نتاج نظام سياسي، وهي بالتالي اداة بيد النظام السياسي لتحقيق مآربه. اننا عندما نتحدث عن اربعة عشر عاما من الكارثة ومن الفشل يجب ان نركز على ما هو اساسي وهو: النظام السياسي الذي انتجها.
ان تغيير النظام السياسي والنظم الانتخابية، لم يعد مطلبا لقوى سياسية او لقوى مدنية وإنما اصبح مطلبا شعبيا. والاصرار على ان يسير العراق على نفس النهج، وبنفس الطريقة وبنفس نمط التفكير هو اصرار على بقاء العراق في مرحلة غير محسوبة النتائج، بل اصرار على تدمير البلاد. ان الاصرار على اعادة انتاج مجالس المحافظات والهيئات التشريعية الاخرى بنفس الطريقة هو اصرار على الخطيئة.
اذن، المسألة هي ليست فقط تغيير هذه النقطة او رفع تلك عن قانون الانتخابات: دائرة واحدة ام دوائر متعددة، الباقي الاقوى ام سانت ليغو، سانت ليغو المشوه ام غيره. فأي تغيير في القانون قد يبقى شكليا ما لم يتم تغيير المنظومة السياسية التي انتجته. وإن المسألة يجب ان تكون اعادة نظر جذرية وبرؤية جديدة تسمح للشعب العراقي بأن يعبر فعلا وبشكل حقيقي عن آرائه، وان ينتخب فعلا من يمثلون ارادته الحقيقية.
ان سبب فشل مجلس المحافظة ليس الكتل الصغيرة، بل الكتل الكبيرة التي تقاسمت المناصب والامتيازات والمنافع، وهي الآن تعمل على اعادة توزيع المناصب والامتيازات من جديد. فالسياسة في فهم هؤلاء هي فن التلاعب، فن السيطرة غير المشروعة. وما هي النتيجة؟ النتيجة 780 مشروعا متلكأ الى اليوم .
في النهاية اقول اذا استمر الوضع على ما هو عليه، فنحن ذاهبون الى المحرقة، لذا يجب اعادة النظر في النظام السياسي وايضا في النظام الانتخاب
اننا في ديمقراطية وليدة، والديمقراطية حديثة على المجتمع وبالتالي فإن احتمالات استمرارية ايجاد صيغ قانونية جديدة للانتخابات واردة؛ فمن منظور ديمقراطي فإن الديمقراطية هي من تصلح نفسها بنفسها. والديمقراطية ليس فيها حل مثالي ولا نتوقع منها ان تأتينا بملائكة. ان الاساس في المشاركة في العملية الديمقراطية هي المشاريع السياسية التي تطرحها قوى سياسية.
وملاحظة اضافية، اذهب من جديد الى ما قاله القاضي قاسم العبودي وهو اننا نختار القانون الانتخابي الملائم لمجتمعنا. وان تكون هناك ورشة او طاولة حوارية مثل هذه ايضا، تدرس وتبحث اختيار افضل اشكال النظم والقوانين الانتخابية. تساؤلي هو عندما يقال ان الهدف من النظام الانتخابي وقانون انتخابي معين هو انتاج حكومة قوية بمعنى حكومة فاعلة، حكومة منسجمة وذات قرار. لكن تساؤلي هو بعد انتخابات مجالس المحافظات جرى تغيير سانت ليغو الاصلي بسانت ليغو المعدل بهدف ان تكون هناك كتل كبيرة وقليلة داخل مجلس النواب كي ينتج عنها حكومة قوية. انا اعتقد ان هذا قد يكون عاملا من عوامل خلق حكومة قوية لكنه ليس العامل الاوحد او الرئيسي، وبالتالي فإن الفرية التي قد تنطلي على بعض الناس بأن مجلس النواب قد يتشرذم يفترض ان تفند؛ ففي مجلس النواب الحالي جرت اصطفافات مختلفة ثم جاءت "كتلة الاصلاح" وغيرها وكل هذا لم يؤكد صحة هذه "النظرية". ونحن كمجتمع فيه الديمقراطية وليدة يجب ان نسعى الى ان يكون هناك تمثيل حقيقي واسع في الوقت الحاضر، اما حينما تستقر الديمقراطية في ذلك الوقت يمكن الحديث عن اشكال ونظم مختلفة اخرى.
النقطة الاضافية التي اود التأكيد عليها هي ان القاعدة الاساسية التي يجب ان ينبني عليها النظام الديمقراطي والتي اقرها الدستور هي قاعدة التداول السلمي للسلطة، وهذه القاعدة لا يحققها إلا وجود ثلاثة اشياء: قانون انتخابات حقيقي، الحرية الكاملة للترشيح والانتخاب، والمراقبة وما شابه ذلك. وبدون هذا لن يتحقق نظام ديمقراطي حقيقي. ان الاخلال بعملية التداول السلمي للسلطة هو من صنع المأزق الذي نعيش فيه والذي يسعى نحوه عبر تشريع قانون انتخابي يعطل على الناس حرية المشاركة الواسعة وحرية ان يكون للناخب صوت فعلي.
بعد ذلك قدم القاضي قاسم العبودي عددا من التوضيحات والردود معبرا فيها عن وجهة نظره بشان بعض القضايا التي طرحت.
النقطة الاولى وتتعلق بانتخابات الخارج، يرى القاضي العبودي انها غير مجدية بسبب كلفتها العالية، وان مقدار ما ينفق عليها من اموال اكثر من مردود الاصوات، ولحد الان لم يشارك اكثر من 250 الف مواطن في كل هذه الدول، برغم كل الاستعدادات والاموال التي انفقت.
اما القضية الثانية فتتعلق باستخدام التقنية في الانتخابات وهي لا غنى عنها في هذه العملية، لكن ستتفاجؤون من المعلومة التالية، وهي ان العالم يعود من استخدام التقنية الالكترونية الى استخدام الورق. فمثلا بلجيكا وهولندا تركتا التصويت الالكتروني، كما ان نصف الولايات في الولايات المتحدة تصوت ورقيا. في الانتخابات التشريعية في روسيا استخدمت آلة (صندوق) اشبه بجهاز السكنر تدخل فيه ورقة الاقتراع دون ان يحفظها لكنه يسجل معلوماتها ثم يرسلها الى المكتب الوطني. في انتخابات الرئاسة في روسيا استخدمت فقط في 5% من المراكز. والسبب في تقليص استخدمها الكبير هذا هو كثرة العطلات، وكذلك تعقيدها بالنسبة الى المواطن والاهم هو تعرضها الى عمليات التهكير الالكتروني.
من طرق المراقبة الالكترونية المستخدمة ايضا في روسيا هو تزويد كل محطة بـ(ويب كوم webcam) ويمكن لكل من يشاء متابعتها ومشاهدة مجريات التصويت والعد والفرز. لكن تبقى التقنية الالكترونية، وبرأي كل الخبراء، تتميز بعيب مهم وهو افتقارها الى الشفافية، كون الورق يستطيع الجميع متابعته لكن اشخاص محدودين ولأسباب مختلفة يستطيعون متابعة التقنية والاجهزة الالكترونية. وللتذكير فإن مشكلة فلوريدا عام 2000 في انتخابات بوش – ال غور سببها عطل في الجهاز. لذلك يجب ان لا نذهب بعيدا في مسألة التقنية خاصة في بيئة مثل العراق ليس فيها كهرباء مستقرة، ليس فيها خبرة الكترونية. طبعا التقنية لا غنى عنها في مسألة العد والفرز بسبب تعقد الحسابات.
بالنسبة لنظام التسجيل البايومتري، فإنه يجب ان يتضمن المادة الحيوية (الصورة، بصمات الاصابع، قزحية العين) منذ البداية وقبل التوزيع. لكن هذا لم يحدث فوزع كبطاقة اعتيادية والآن تتم عملية التضمين ولحد الان كما اعلن لم يصلوا الى الحد المطلوب وهناك العديد من الاجهزة معطلة عن الاستخدام بسبب غياب الكادر. بالنسبة لتسجيل منتسبي الاجهزة الامنية والعسكرية فانه يتم الضغط عليهم انك لن تستلم الراتب اذا لم تقم بعملية التسجيل.
من القضايا الخطرة في مسألة استخدام التقنية في الانتخابات اننا عندما نتعاقد على استيراد الاجهزة الالكترونية، فيجب ان يكون هناك اعداد جيدة للقيام بإدامتها حتى لا نبقى رهينين للشركة المصنعة.
القضية الثالثة هي مسألة القضاة، فإنه ليس هناك مانع دستوري من ان يتولى القضاة ادارة الانتخابات، وهذا لا يعني ان يتولى القاضي منصبا تنفيذيا. ولكننا اعتدنا ان ينسب او ينتدب القاضي الى منصب تنفيذي (عمل غير قضائي) لمدة معينة اقصاها ثلاث سنوات في مجلس الوزراء او رئاسة الجمهورية. وهو بذلك لن يعمل بصفته كقاضي او يمارس القضاء. وأعتقد ان مسألة عدم دستورية ادارة القضاء للعملية الانتخابية هي مسألة مبالغ بها.
نعم، الاحزاب تؤثر في اختيار اعضاء المفوضية. لكن المشكلة هي ليست في من يدير العملية الانتخابية؛ من الممكن ان تكون مفوضية مستقلة ومن الممكن ان تكون وزارة الداخلية أو حتى من الممكن ان تكون الاحزاب هي من يدير العملية الانتخابية، كما يحدث في الدنمارك والنروج فالأحزاب ترسل من يمثلهم لإدارة كل العملية الانتخابية دون ان يكون هناك حبر سري ولا علامات مبنية في ورقة الاقتراع، والسبب هو وجود ثقة في النظام السياسي. بل حتى اختيار النظام السياسي لا يعتبر مشكلة اذا كان هناك ثقة في النظام السياسي. اذاً المشكلة هي ليست في اختيار المفوضين، او ان القضاء هو من يدير الانتخابات. في الحقيقة المشكلة هي انعدام الثقة في النظام السياسي.
بالنسبة الى سانت ليغو، فهو طريقة وضعت عام 1910 للسماح بالمزيد من التعددية. عدلت النسبة بعد ذلك لتبدأ بـ (1.4) واليوم لا وجود لسانت ليغو يبدأ بـ (1). بل وبعد ذلك توجهوا الى وضع عتبة بالإضافة الى سانت ليغو من اجل تشكيل حكومات قوية.
اتفق مع د. جاسم الحلفي على خطورة استخدام المال السياسي ليس في العراق وحده لكن في العالم اجمع. وحدثت ظاهرة شراء المصوتين بطرق مختلفة.
المسألة التي لم تبحث في الندوة اليوم هي مسألة السلوك الانتخابي للناخب نفسه. الناخب دائما ما ينتقد بشدة لكنه امام صندوق الاقتراع مسير. ودائما ما تحرك الناخب الشعارات التي تظهر بشكل كبير في فترة الانتخابات خصوصا الطائفية والقومية. لذلك من الضروري الارتقاء بالسلوك الانتخابي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة "مجلة الثقافة"
العدد 387 – 388
آذار 2017