مجتمع مدني

حجارة الدرب أسالك على اللي بالكلب؟/ سهاد ناجي

توسلت ببنتيها الصغيرتين كي تذهبا لرمي "حجر الدرب" علهما تأتيانها بجواب يفرحها، ويهدئ نار قلبها المستعر على فراق ولدها البكر الوحيد. اذ انقطعت أخباره منذ اسبوع بعد ان فقدت الاتصال به مذاك الوقت، فقد كان يتصل بها يوميا ليبلغها بأخباره ومخاوفه في ساحات المعارك.
"يووو أمي قولي لنا عن ذاك التقليد القديم"، اجابتهن: التقطن اول حجر واهمسن له قبل رميه على قارعة الطريق "يا حجارة الدرب وليدي غايب واسال عنه أنطيني جواب على اللي بالكلب"؟
كررت الجملة كي تحفظها ابنتاها لكن لا جدوى، قالتا لها: كيف نقول وليدي وهو ابنك وليس ابننا بل أخونا!
شردت الام لبرهة مستذكرة ابنها حين كان يناديها يا حلوة يا جميلة، ما احلاك وانت تلبسين القرط الذهبي الذي اهديتك اياه في عيد الام. ارتسمت بسمة على محياها، ودون شعور تلمست اذنيها، وقالت "حرامات أضعت احدى الاقراط" أحست بألم يعتصر قلبها فرفعت وجهها نحو السماء داعية: "يا رب الرحمة عسى ولدي بخير ..انه فال سيئ".
فجأة وبصوت عال: سأذهب انا وأسال حجر الدرب!
التقطت اول حجر صادفته في طريقها وهمست قبل رميه: "يا حجارة الدرب وليدي غايب وساكن الغرب. اسألـچ عن وليدي.. وجاوبيني على اللي بالكلب".
مر بها شابان يتجاذبان اطراف الحديث، فانتبهت الى قول احدهما لصاحبه: اتصل بي الجندي علي وقال سيدي أرجوك ارسل المساعدة، نحن محاصرون من قبل الارهابيين القتلة، واخذ العتاد بالنفاد، اما الاكل والماء فقد نفدا منذ اربعة ايام، لذا نشرب مياه الانهر المالحة. عليه اتصلت بالجهات المسؤولة لارسال التعزيزات العسكرية لهم، فوعدوني بسرعة الاجابة للجنود المحاصرين. وبعد اربع ساعات اتصل بي مرة اخرى، وقال سيدي ارجوك، اين التعزيزات، قلت له المساعدة في الطريق، فقال الجندي لا شيء يلوح في الافق. قلت له ابق على اتصال معي. بعدها قمت باحداث ضجة من الاتصالات بمعية زملائي الاخرين.
اتصلت به لأستفسر عن احواله، فقال سيدي الارهابيون ضيقوا الخناق علينا، الا اننا نقاتلهم بشراسة، عهدا منا ان لا نخون الوطن ولا الدفاع عنه. أجبته: ابطال يا ولد الملحة، ونحن معكم.
اتصلت بكل الخطوط المتاحة من اجل إنقاذهم .. احد الجنود اتصل من جانبه باحدى الفضائيات الإعلامية واستنجد لتخليصهم.. وفي منتصف الليل اتصلت به مرة اخرى فاجابني: لقد بدا الجنود يتساقطون بين شهيد وجريح. لقد نفدت منا الهمة وسيطر علينا الجوع والعطش.. ولا تعزيزات لغاية الان.
حاولت الاتصال به عدة مرات في الصباح، كان الخط مشغولا على طول، لا جواب.. كلهم راحو راحو يا اخي .. رغم ان أحد الطيارين الابطال حاول فتح ممر لهم الا انه عوقب بسبب مخالفته الأوامر العسكرية.
لماذا نكون كبش الفداء ووقود الحروب وحطبها .. ولماذا يرسلون الجنود الى مناطق غير آمنة، اليس هم ابناء البلد ام انهم مجرد ارقام لضحايا في قائمة طويلة..
في تلك اللحظة تشبثت الام بالفتى باكية، وقالت له: " خالة وليدي سالم لو راح وياهم؟" اجابها: الله كريم!
تناولت الام حجراً اخر وأمسكته بقبضتها بقوة كي لا يفلت منها وانهمر دمعها مدرارا وهي تنادي: يا حجارة الدرب وليدي مو غايب ولا ساكن الغرب وليدي بين الكلب. يا حجارة الدرب ياهو يفتح الطريق ويوصلني للي بالكلب..
سارت الام مرددة يا جحارة الدرب وليدي مو بعيد.. اهنا بنص بالكلب وليدي، بنص الكلب ..