- التفاصيل
-
نشر بتاريخ السبت, 18 نيسان/أبريل 2015 20:15

1- الحزب الشيوعي العراقي هو الوحيد من بين الاحزاب اليسارية التقدمية والوطنية العراقية التي ظلت تقاوم لتعزيز وجودها طيلة واحد وثمانين عاما، رغم ما تعرض اليه الحزب خلال هذه المسيرة الطويلة من اضطهادات وانكسارات وانشقاقات. ولهذا يمكن تشبيه ذلك بحال طائر الفينيق الاسطوري ، فكلما تم الاجهاز عليه من قبل الحكام والمستعمرين وتصور اعداؤه بانه انتهى ما يلبث ان يبعث من جديد. وهذه ميزة خاصة انفرد بها الشيوعيون عن بقية احزاب العراق .
فللحزب الشيوعي دورات تاريخية من الانتكاسات تحصل كل 15 عاماً حسب رؤية الشيوعي المخضرم الفريد سمعان، الاولى حصلت بعد استشهاد الكوكبة التاسيسية الاولى 1949 والثانية وقعت بعد مجازر عصابات الحرس القومي في 1963، والثالثة على يد نظام الدكتاتورية البعثي عقب انهيار الجبهة الوطنية 1977، وتكاد تكون تلك ميزة انفرد بها الحزب عن بقية الاحزاب وعلى ضوء ذلك يمكن لتاريخ الحزب الشيوعي العراقي ان يكون نموذجا لقراءة تاريخ احزاب اليسار العراقية، واستخلاص التجارب منها في الاعداد لبيئة حزبية صحيحة ومعافاة في المستقبل .
2- الشيوعي العراقي هو الوحيد الذي لم تجزه الحكومات العراقية الملكية باسمه الصريح (الحزب الشيوعي العراقي) دونا عن بقية الاحزاب اليسارية والقومية، وحتى بالفترة الاستثنائية التي تولى فيها الوزير الوطني سعد صالح وزارة الداخلية، واجاز خمسة احزاب يسارية اخرى لم يكن الحزب الشيوعي العراقي بينها ،مما اضطر الحزب الشيوعي لان يعمل بلا فتات وعناوين اخرى ليواصل وجوده على الساحة العراقية وفعاليتها الثورية، واهم تلك العناوين كان حزب التحرر الوطني ،ورابطة المراة العراقية، والاتحاد العام لشباب العراق ، واتحاد نقابات العمال ،والشبيبة وغيرها وهذه ميزة اقترنت بالحزب الشيوعي العراقي وحده .
3- النزعة الوطنية العراقية للحزب الشيوعي العراقي كانت ميزة ارتبطت بالشيوعيين دون سواهم ،فمع ان الحزب امتدت خلاياه لجميع مفاصل شرائح المجتمع العراقي من عمال وفلاحين وشباب وطلبة ونساء ومثقفين بخلاف القواعد والقيادات النخبوية التي ارتبطت باحزاب يسارية اخرى كالحزب الوطني الديمقراطي او حزب البعث والاحزاب القومية التي اقتصرت تنظيماتها على فئات محدودة من الوسط الطلابي ومن ثم العسكر لاحقا الذين استخدموهم كادوات انقلابية ،فان الحزب الشيوعي ومنذ بداياته التاسيسية استوعب جميع العراقيين بلا تفاضل او تمييز بين دين وقومية ومذهب ،فوضع جميع ممثلي الطوائف العراقية بصماتهم في تاريخ مسيرته النضالية، وهذه نقطة قوة يمتلكها الشيوعيون حتى يومنا هذا ليكون بديلا محتملا للاحزاب الطائفية والقومية التي ادى تحكمها بشؤون الدولة والمجتمع الى الخراب والفساد والكوارث
4- رغم ان الشيوعيين كانوا رقما صعبا في المعادلة السياسية العراقية منذ التاسيس ،الا انهم انفردوا بانهم طالما يقدمون التضحيات الجسيمة والدماء الغالية ولا يقطفون الثمار ولا ينالون استحقاقات هذه التضحيات او ما يناسبها. فهم لا يسعون للغنيمة ابدا ولا يلهثون وراءها ، فرغم انهم تقدموا صفوف المعارضة في العهد الملكي وقادوا الاحتجاجات والاضرابات والتظاهرات ولا سيما في انتفاضات العمال في البصرة وكركوك وانتفاضتي 1948 و 1952 ،وقدموا في هذا الطريق المئات من الشهداء وكانوا الطرف الابرز في امضاء وثيقة الاتحاد الوطني التي رسمت سيناريو ما بعد الملكية والتي مثلت لحظة نادرة من الوفاق بين الاحزاب الوطنية ،الا انهم لم يمثلوا بوزير في حكومة قاسم الاولى، ولكنهم كانوا يحركون الشارع بقوة وكانت تظاهرتهم الميلونية الفريدة في الاول من ايار 1959 دليلاً على ذلك الحضور الجماهيري مقابل الضعف في الاستحقاق الحكومي الذي لا يعادل دورهم وتضحياتهم، وهذا ما لم يحظ به حزب مثل الحزب الشيوعي العراقي ولاسيما انه تعرض لضربة قاصمة من قبل حكومة الزعيم بعد هذه التظاهرة القت بقيادات الحزب ونخبه العسكرية في غياهب السجون مما افسح المجال لقوى الردة اليمينية والاحزاب الفاشية لتنخر بجسد الثورة وتنهش بمنجزاتها الوطنية وتطيح بها لاحقا.
5- ارتبطت الثقافة العراقية وتاريخها الابداعي بالحزب الشيوعي العراقي برباط استثنائي فلا يمكن ان تؤرخ للفنون والصحافة والادب في العراق دون ذكر اسماء الشيوعيين كعلامات بارزة فيها ،وتميزت من بين اشكال الثقافة الصحافة الشيوعية بكونها مدرسة تخرجت منها الاجيال على مر السنوات، وبرزت منها اسماء لامعة وخالدة في مدرسة (اتحاد الشعب) و(طريق الشعب ) فلمع اسم الصحفي الشهيد عبدالجبار وهبي منذ خمسينيات القرن السابق مما جعل سائحاً بريطانياً يقول ان اعمدة ابو سعيد جعلتني اقرا جريدة اتحاد الشعب بالمقلوب للهفتي لعمود ابو سعيد ،
وكانت مدرسة (طريق الشعب) في السبعينيات ما بعد الجبهة مدرسة تخرج منها اعلام الصحافة والادب الذين اثروا خارطة الابداع العراقي في المنفى لاحقا، ومنهم زهير الجزائري وصادق الصائغ والخالد شمران الياسري وخليل الاسدي وشاكر لعيبي وجمعة الحلفي، وفي مقدمتهم: فخري كريم وعبدالرزاق الصافي.
وفي الختام:
هذه مثابات سريعة اقدمها للباحثين في تاريخ الاحزاب الوطنية العراقية والتعمق فيه واستنباط الدروس والعبر منه .
على ضوء ذلك يمكن للحزب الشيوعي العراقي اليوم ان يملك عصا التوازن وسط الصراع الحزبي للاحزاب الاسلامية المذهبية ،فهم سعوا ما بعد التغيير في واقع سياسي حكمه منطق المحاصصة والتشرذم الطائفي العرقي الى التاكيد على هوية الحزب الوطنية العراقية كميزة تميز بها الشيوعيون وانفردوا بها عن جميع المشتركين في المارثون الحزبي الذي ظهر ما بعد سقوط الدكتاتورية .
وعلى ضوء ذلك يكون الحزب الشيوعي العراقي البديل الاقرب للجماهير العراقية المتطلعة الى المدنية والسلم الاهلي والى مجتمع ديمقراطي ووطن بلا عنف ولا توترات يستوعب الجميع بلا تمييز ولا مفاضلة.