مجتمع مدني

شهادة عن دور الشيوعيين في انتفاضة آذار 1991 / خيون التميمي

من وحي آذار، في شهر آذار، تتفتح الأزهار، وفي آذار ربيع الحركة الوطنية، و آذارعيد المرأة والمعلم، وفي الأول منه انطلقت شرارة الأنتفاضة الشعبية عام 1991 واسقطت اربع عشرة محافظة، والتي جاءت بعد حرب الخليج واحتلال الكويت وهزيمة صدام الخائبة، وقد انهار النظام الدكتاتوري لولا تدخل دول الخليج السيئ وموقفها من الأنتفاضة، وسماح القوات المشتركة للنظام بتجميع قواته المنهارة والممزقة من منتسبي الحرس الجمهوري وغيرهم من المنهزمين، واعطاء الضوء الأخضر لطيران الجيش في التحليق بمستوى منخفض لضرب المنتفضين وفي كل المحافظات.
لن يغيب عني ذاك الصباح من يوم الجمعة الأول من آذار1991- 14 شعبان الذي انطلقت فيه شرارة الأنتفاضة من أهوارالناصرية لتسقط وبلمح البصرقضاءالفهود وناحية الطار وفي الساعة السادسة صباحا خرج ابناء الكرمة ليسقطوا مقرالمنظمة الحزبية ويستولوا على اسلحتها لتوزع على المنتفضين الذين لا يملكونها، وتوجهت الجموع للسيطرة على مركز الشرطة ومقر مدير الناحية والأمن، هذا المبنى الحصين والذي بني عام 1936 لمواجهة انتفاضات الفلاحين، عبارة عن قلعة حصينة من الصعوبة اسقاطها، واستمرالمنتفضون في الحصار وتبادل اطلاق النارمع رجال الأمن والشرطة المتحصنين داخل المبنى. لقد قدمنا في ذلك اليوم تسعة شهداء ابرار سقطوا بسلاح المجرم نقيب الأمن حميد البياتي واتباعه، استمر الحصار حتى الساعة الواحدة والأربعين دقيقة، ثم استسلم من استسلم وهرب نقيب الأمن وبعض منتسبي الدائرة الأمنية. في الوقت الذي نحكم فيه حصارنا على مركز الشرطة توجهت مجموعة من الشباب الى قضاء سوق الشيوخ وذلك في الساعة التاسعة والنصف تقريبا ووجدوا ابناء سوق الشيوخ يتظاهرون في الشارع العام وجرى تسيير التظاهرة الى مقر الشعبة الحزبية وقائمقامية القضاء، وعند وصول التظاهرة هرب جميع منتسبي الشعبة الحزبية وافرغ الشرطة مقرهم ومقرالقائمقامية للجموع المتظاهرة وجرى الأستيلاء على كافة الأسلحة وايضا تم توزيعها للثوار.
كان دور اليساريين البارزآنذاك في التظاهرة ان لم يكن الغالب. وبعد ان سقط القضاء بيد المنتفضين جرى فتح مقر للشيوعيين وجماعتهم اذكر منهم الأخ عبد الأمير خلف (ابو هدف) والشهيد ابو صدى ومقر للأسلاميين واتباعهم قبل الكرمة التي يستمر ثوارها في محاصرة مركز الشرطة العصي كما اسلفت. سقطت الكرمة بعد الظهر لتكون بالكامل بيد الثوار بعد هزيمة منتسبي البعث ، اعدت زوجتي طعام الغداء لقسم كبير من المنتفضين القادمين من عشائر الكرمة، وبعد تناول الطعام ذهبت والشهيد احمد البغدادي ( استشهد في القتال الذي دار في العمارات في الناصرية ) الى مركز المحافظة لنرى ماذا نستطيع فعله، او ما ذا عن مركز المحافظة، ولأخبر معارفي في المحافظة، وفعلا وجدت ابناء الناصرية متجمهرين في الساحات، على شكل مجاميع مكونة من خمسة افراد او اكثروعند ترجلي من السيارة تجمهروا حولي وهم يسألون عن ماذا يجري في السوق والكرمة وكانهم على موعد للأنتفاض على اجهزة حكم المحافظة، اخبرتهم انها الانتفاضة الشعبية وعليهم ان ينتفضوا ضد النظام واننا سنأتي لمساعدتهم عند الفجر، اكملت مشواري في الناصرية وعدنا الى ناحية الكرمة. فوجئنا في منطقة آل ابوعظم بوجود سيطرة امريكية تفتش السيارات الذاهبة الى الناصرية والعائدة منها، وقعنا في الفخ دون ان نستطيع تغيير مسارنا. جرى تفتيشنا بدقة وقد سيطروا على اسلحتنا و صادرها الجنود الأمريكان حيث كانوا مسؤولين عن قاطع الجنوب آنذاك وانزلونا ليجري احتجازنا لأكثر من ساعة، بعدها اطلق سراحنا بدون الأسلحة. في طريق عودتنا كانت سيارة مارسيدس كبيرة ( تسمى البي) تحمل منتفضين من قضاء السوق متجهين الى الناصرية، اوقفتهم قبل ان يصلوا الى السيطرة، تعرفت على صديقي المحامي الشاب علي شاكر الذي يجلس جنب السائق ( كان ملثما ) طلبت منهم العودة لكي لا يجري ايقافهم من قبل السيطرة وتجريدهم من اسلحتهم، للأسف لم يستمعوا لطلبي، وعند وصولهم السيطرة جرى ايقافهم بعد ان وجهت عليهم اسلحة الدبابات وتم انزالهم والاستيلاء على اسلحتهم، ازعجني ذلك الموقف كثيرا لخسارت الثوار كافة الأسلحة . في نفس اليوم ليلا اتينا مجموعة كبيرة من الكرمة الى مركز المحافظة، وفي سوق الشيوخ وجدت الثائر الشيخ كاظم الريسان والعقيد عبد المنعم يسيرون الثوار باتجاه نهر الفرات لكي يتجنبوا السيطرة الأمريكية وفعلا نجحنا بالوصول الى مركز المحافظة عند الفجر الأول، تمت السيطرة على مركز المحافظة بعد قتال مع ازلام النظام وقد قتل من قتل والقي القبض على الباقين. عاد الثوار الى مناطق سكنهم بعد ان تم الأطمئنان على سيطرة الثوار من المركزعلى مفاصل المحافظة.
بعد ان جرح الخزرجي والقاء القبض عليه وعلى مجموعته من قبل الثوار، سمح لطيران الجيش بالعمل من قبل القوات المشتركة بحجة اتمام نظام صدام التوقيع على وثائق الأستسلام من قبل القادة العسكريين الذين استبدلهم بوزير الدفاع سلطان هاشم ولضرب المنتفضين في آن واحد. في اليوم الثاني من ايام الأنتفاضة اعلنت عن اعادة تنظيم الحزب الشيوعي وكنا انا والأخ عودة وهيب الممثلين عن الحزب، واعلن اليساريون البعثيون السيد عبد الصمد جمال الدين وسيد كريم الحصونة وعماد ناصر وآخرون معهم عن تنظيمهم، جرى بيننا تعاون ومفاوضات لم تستمر طويلا واعلنا احياء الجبهة الوطنية للضرورة في حينها ولكوننا من الفاعلين في الأنتفاضة . بعد عدة ايام اجتمعنا اعضاء الجبهة الوطنية لمناقشة وضع الأنتفاضة، تمخض عن اجتماعنا الأتفاق على تشكيل وفد مشترك للذهاب الى المملكة العربية السعودية للقاء المسؤولين من المعارضة العراقية لغرض دعم الأنتفاضة، وكانت حسب ظننا انهم موجودون في المملكة لوجود اذاعة المعارضة العراقية (والتي عملنا فيها بعد وصولنا الى رفحاء) وكان الوفد مكوناً من السيد كريم الحصونة عن البعث السوري اواليساري كما كنا نطلق عليهم وانا عن الحزب الشيوعي العراقي والسيد موحان جاسم مترجما لنا والسيد خليل ياسر الحسناوي عن مجموعة من المنتفضين، وصلنا الحدود الكويتية وقابلنا الضابط المسؤول عن السيطرة واخبرناه اننا نريد الذهاب الى المملكة العربية السعودية، تعذر لنا بقوله ان الشعب في حالة هيجان ولا يستطيع ضمان حمايتنا واقترح علينا الذهاب عن طريق الخفجي المثلث العراقي الكويتي السعودي، ذهبنا كما وصف لنا الطريق لكننا حوصرنا من قبل القوات الأمريكية وذلك اثناء انسحابها من المدن تاركين الثواروالمدن العراقية تحت رحمة القصف المدفعي الثقيل وتقدم الدبابات الصدامية لضرب المنتفضين. ان اسلحة?الثوار لا تتعدى الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والتي لا قبل لهم بمواجهة المدفعية الثقيلة والدبابات والطيران، انسحب الثوار من المدن لكي لا يجري تدميرها واهلها وبدون رحمة كما شاهدنا شريط الفديو الذي يامر الجنود بتدمير سوق الشيوخ وال ريسان والكرمة وال جويبر، ذلك الفيديو سيئ الصيت. بقينا ثلاثة ايام محتجزين في الصحراء وبعد عودتنا الى اهلنا مرورا بتل اللحم وجدنا عوائلنا هناك ولا نستطيع الذهاب الى منطقتنا الكرمة كون قضاء سوق الشيوخ ساقطاً بيد الجيش وكذلك الكرمة.
اتوقف هنا لكوني لا اريد الخوض اكثر في مفردات الأنتفاضة الباسلة سوى اني استذكر آذار والأنتفاضة التي جاءت في اول يوم منه. لأذار وكل شهداء الأنتفاضة الشعبية في 1991 وللحزب الشيوعي وشهدائه وذكراه الحادية والثمانين المجد والخلود. ستبقى الأنتفاضة في ذاكرة التاريخ اياما اتشحت بالبطولة والفداء من اجل عراق خال من قمع الدكتاتورية، انها القوى الدولية التي حالت دون نجاحها واجهاضها وهي في ايامها الأولى .