- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 01 شباط/فبراير 2015 17:43

في حياتنا شخصيات أثرت فينا كثيراً وطبعت فينا الكثير من الصفات والأمثال والعبر.. وتكون القيمة الحقيقية للأشخاص عندما تجدهم مؤثرين على عدد كبير من البشر من حولهم .. لتحظى بمكانة مرموقة كانسان ومربي ومعلم وصديق وحبيب وأب وأخ ورفيق..
واليوم أكتب عن شخصية لها مذاق خاص في حياتنا، فكرت مراراً الكتابة عنه ولكن تسرقني الكلمات ويخدعني الوقت حيث لم اجد وقتاً كافياً للكتابة بذهن صاف عنه .. ولكن ما وصلني من صديقي ورفيقي العزيز جمال دحام يكفي لكي يدفعني ان اقول شئ بحق والده (دحام رومي مسلّم البيضاوي) ..
ولد دحام رومي في مدينة الناصرية عام 1925 لعائلة متوسطة الحال، ولكنها كانت عمدة بين ابناء عمومتها، فالوالد رومي مسلّم كان صائغاً ماهراً، يتنقل من هنا إلى هناك بحثاً لما يوفر العيش له ولعائلته وآخرين من حوله، رجلاً عصامياً محترماً ذا قيم عالية، يحظى بحب واحترام المجتمع بأسره .. وأمه امرأة بسيطة من عائلة محترمة كانت طيلة حياتها أم ليس فقط لأولادها بل احتضنت أولاد الآخرين فأعطتهم الدفء والحنان والحب، ورعتهم في السراء والضراء .. فكانت عامرة بحب الناس جميعاً..
فأخذ دحام رومي من هذا الجو العائلي النبل والأخلاق والطيبة والبساطة وحب الآخرين والاستعداد للتضحية من أجلهم، والنشاط والحيوية والتواضع والصدق.. وكان أميناً في أن يعطي لمن في جيله قوة المثل في تلك الصفات الحميدة .. فاجتهد لكي يدخل المدرسة حتى تخرج من الثانوية ليدخل دار المعلمين ليتخرج معلماً عام 1945 .. فيلتحق بسلك التعليم الابتدائي ويكون معلماً باهراً في مادة الرياضيات .. شهد له المشرفون التربويون، كما كتبت عنه في وقتها مجلة "المعلم الجديد" وأشادت بامكانياته العالية وطرقه التدريسية المبتكرة .. وكان له حضور متميز في الوسط الاجتماعي، ذو علاقات حميمة مع كل اطياف مجتمع الناصرية يكنون له الحب والاحترام ، وكان مصدر ثقة لهم .. كما أنه ربى أولاده ليسيروا مثله على نفس المبادئ والمثل والاخلاق .. وكانوا فعلاً كذلك ..
في المرحلة الأولى من حياته كانت بوادر الأفكار الاشتراكية تنمو في المجتمع العراقي وخصوصاً في الناصرية، والبطولات التي تجترح في المعارك ضد النازية من قبل النظام الاشتراكي في روسيا وكذلك الانتصار على النازية الهتلرية ولّد لدى الشبيبة اندفاعا قويا نحو الأفكار الاشتراكية، حيث وجدوا الطريق للانضمام إلى الحزب الشيوعي العراقي .. فانضم الى صفوف الحزب مع نخبة من خيرة شباب ومثقفي الناصرية ..
انضمامه إلى الحزب الشيوعي عرضه إلى جملة من المضايقات والاعتقالات من قبل اجهزة الأمن وكذلك القوى السياسية الرجعية .. ولنذكر منها على سبيل المثال: في عام 1960 تعرض بيت العائلة إلى التفتيش من قبل رجال الأمن برئاسة مفوض أمن، وكانت العائلة مجتمعة في ذلك اليوم بكامل أفرادها بما فيهم الفقيد دحام الذي كان شجاعاً بالتصدي لهم وهم يفتشون البيت بكل شراسة ووحشية وعندما اكملوا الطابق الأول صعدوا للطابق الثاني والفقيد امامهم يتصدى لعملهم اللاانساني في التهجم على حرمة العائلة بهكذا وحشية، فقام مفوض الأمن بالاعتداء على الفقيد، الذي كان بجانبه أخيه الأصغر محسن رومي، حيث كان محسن آنذاك شاباً رياضياً وكثير الاعجاب والاحترام لشخص أخيه، فأعطى المفوض ركلة من قدمه اليمنى فيتدحرج على الدرج من اعلاه إلى اسفله، وكان نتيجة ذلك ان اعتقل كلاً من الفقيد دحام واخيه محسن .. ولم يطلق سراحهم إلاّ بعد وساطة قام بها خاله المرحوم أحمد مجيد السعدي وابن عمه المرحوم شاهين خليل مقابل مبلغ مالي، ومع ذلك أحيل إلى المحكمة بتهمة ضرب مفوض شرطة ..
لكنه بعد هذا الحادث استمرت مضايقة رجال الأمن على الرغم من أن ذلك الوقت كان عصر الجمهورية الصاعد، ولكن للأسف كان الشيوعيون المناصرون والمدافعون عن الثورة أكثر الناس تعرضاً للاضطهاد حيث أشتد تكالب القوى الرجعية على كافة المستويات وبدون رادع من قبل مؤسسات الجمهورية الفتية..
وبفعل نشاطه السياسي واستمرار مضايقة رجال الأمن له اضطر إلى طلب النقل إلى بغداد فكان له ذلك في العام الدراسي 1960-1961 .. فترك مدينة الناصرية متوجهاً إلى بغداد حيث استمر في مهنة التدريس هناك .. وهناك استمر في عمله الحزبي حيث كان مدار اهتمام كل الكادر الحزبي فتبوأ مناصب ومهمات حزبية كثيرة منها قيادة تنظيم عسكري ..
اعتقل الفقيد بعد انقلاب شباط الاسود عام 1963 وتعرض إلى أصناف وحشية من التعذيب في مراكز للتعذيب متعددة دون أن ينطق بكلمة، ولكن شاءت الصدف أن لا يموت لكون في المعتقل العديد من اصحاب الشهادات العليا والأطباء من بينهم مثلاً كان الدكتور تحسين عيسى السليم وغيرهم الذين أسعفوه.
ثم تنقل من سجن إلى آخر وشهد اعدامات الكثير من خيرة رفاق الحزب فقد اغتالوا الاستاذ النقابي متي الشيخ في زاوية من زوايا معتقل المأمون حين كان هو هناك ايضاً لكي يرهبوا بقية المعتقلين .. وبقي دمه على حائط المعتقل .. ثم أحيل إلى المحكمة العسكرية ..
بالمقابل، وبسبب من علاقة الفقيد الحميمة بقطاعات واسعة من الناس كانت شفيع له احياناً، فقد توسط له في فترة ما المرحوم ابراهيم النقيب (ابو خليل) حينما كان مديراً للتدوين القانوني في وزارة العدل، لكي يطلق سراحه اثر المحكمة التي احيل لها.. لكنه بقي مسحوب اليد لمدة سنتين..
وللتاريخ نذكر أنه رغم اعتزاله العمل السياسي لكنه بقي أمينا على الحزب، مواكب لحركته، متفاعل مع الاحداث وقارئ ومحلل جيد لها وله ملاحظات متنوعة عند كل المنعطفات السياسية ...
توفي دحام رومي عن عمر يناهز التاسعة والثمانين في مدينة مالمو السويدية..
الذكر الطيب للأستاذ والمربي والمناضل دحام رومي مسلم البيضاوي ..