- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 20 كانون2/يناير 2016 19:39

اليوم، ونحن نحيي الذكرى السنوية الاولى لرحيل رفيقنا واخينا وصديقنا الغالي فتاح حمدون، لا ننسى - ولن ننسى يوما - رعشة الوجع التي سرت فينا، وذلك الشعور بالمرارة الذي ملأ افواهنا، ونحن نتلقى الخبر المفاجيء المباغت: فتاحُ مات!
كذلك لا ننسى قسوة الالم والاسى، والشعور العميق بالحيف، اللذين بقيا غائرين في نفوسنا حتى بعد ان تجاوزنا الصدمة الاولى.
الموت حق، نعم!
لكن ما وقع لأبي ياسر لا أثر فيه للموت الحق! كان تجسيدا لئيما لعدم الانصاف، كان ظلما في ظلم، وغدرا صارخا من ألفه الى يائه!
كان ابو ياسر منشغلا بكل احاسيسه وقلبه وعقله، في تدبير كيفية الوصول عاجلا الى اخوته، ابناء شعبه، النازحين المعذبين المهانين، المرميين في المخيمات البائسة على اطراف المدينة، وهو يحمل شيئا مما يمكن ان يخفف عن بعضهم آلام المعاناة التي عصفت بهم على غير انتظار .. كان غارقا كليا في همّهم وفي كيفية الاسراع في اسعافهم.
فهل جزاؤه ان تستباح حياته، ويلقى جسده مهشما على ارض الشارع .. وفي ساعة النبل العظيم هذه، والتجلي الساطع النادر للتضامن الانساني؟
هل هذا هو الموت الذي يستحقه انسان كبير في حجم فتاح حمدون؟ الشيوعي الذي وهب عمره بعقوده الثمانية، لابناء شعبه، للمعذبين في الارض، ساعيا من دون كلل او وَهَن الى تهدئة اوجاعهم، والى إعانتهم وتبصيرهم واستنهاضهم، ليبنوا الحياة التي تليق بالبشر، وينعموا بها وابناؤهم واحفادهم..
واي معنى للشيوعية في النهاية، بالنسبة الى فتاح ورفيقات فتاح ورفاقه، سوى الانحياز الى الناس والتماهي معهم، سوى الانشغال بهم وبهمومهم، سوى السعي الحثيث لتنويرهم والارتقاء بوعيهم، سوى خوض الكفاح معهم وفي صدارتهم، من اجل عيش سعيد في وطن ينعم بالحرية والامان والرقي.
نعم، فكرةُ سعادة الشعب وحرية الوطن، التي رسمت طريق حياة فتاح حمدون ونضاله المتفاني، طيلة ثلاثة وستين عاما في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، هي ما ظل يسكن جوانح فقيدنا فتاح حمدون، ويغمر عقله وقلبه، حتى اللحظة الاخيرة، حين وقع ضحية الحادث الاهوج قبل عام وأيام.
شقّ علينا في السنة المنقضية، ان يلتئم شملنا بين حين وحين، من دون ان يكون ابو ياسر بيننا.. فكيف ونحن نجتمع اليوم لنتذكره، ونتشبثَ بألق ذكراه، ونتنوّرَ بها؟
يدهمنا الاسى والالم في هذه اللحظات، فقد كان فتاح عزيزا علينا، غاليا.
لكننا نشعر ايضا بالفخر ونحن نتذكره، ونتباهى به وبمسيرته الانسانية والنضالية المشرفة.
وكذلك كنا حين ودعناه، على عجل للأسف، آخر سنة 2014.
ويومها ودعناه متشجعين بنفحات من شعر الجواهري:
رضيّ السمات، كأن الضميرَ على وجهه ألِقـــا يطـــفح
كـــأن العبيــــــر بأردانـــــــه على كـل "خاطرة" ينفـح
كــأن بريـق المــنى والهنــــا بعينيـه عن كوكـب يقدح
كــأن غديـرا فُويــق الجبيــن عـن ثقةٍ في "غد" ينضح