- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 08 شباط/فبراير 2017 12:45
الأسلحة الكيمياوية
منذ بداية شهر اذار1988 كانت منطقة قرداغ ودربندخان تتعرضان للقصف اليومي وبعدها تم قصف القرى بالقنابل الكيمياوية من خلال الطائرات. اما في يوم 22 اذار من نفس العام تم قصف قرية سيوسينان بالراجمات، والتي كانت تحتوي قنابلا للمواد الكيمياوية. وقد قام الأطباء الأنصار بدورهم المتميز في معالجة ابناء القرى.
يقول قادر رشيد عن ذلك:
" .. كان الدكتور موفق المعروف ابو العقب، وطبيبان أخران لا اتذكر اسمائهم يقومون بمعالجة العشرات من الجرحى ويبدلون ملابسهم الممزقة، وقد اسود لون جلدها واصبحت عيونهم كبركة من الدماء. ولم يكونوا يبصروا شيئاً. هؤلاء الذين اصيبوا بالعمى كانوا يتعرفون على اقاربهم عن طريق الاصوات خلال الاحاديث والبكاء، وقد غطى دخان مختلف الالوان سماء المنطقة، ونتيجة لامتصاص غاز السيانيد والتابون والخردل، تأثر الجهاز التنفسي لهؤلاء المصابين، وانتشرت رائحة البيض الفاسد المطبوخ والبطاطا في المنطقة".
كما قام النظام في الخامس من حزيران 1987 وفي الساعة السابعة وعشرة دقائق مساءً بهجوم على مقرات الأحزاب المعارضة ومنها الحزب الشيوعي العراقي بالأسلحة الكيماوية والغازات السامة، السيانيد والخردل والأعصاب والتي اصيب العشرات من الأنصار بها. وادى الهجوم الى استشهاد نصيرين (ابو فؤاد وأبو رزكار)، إضافة الى جرح العديد. كانت معاناة الأنصار كبيرة جدا من جراء هذا السلاح الممنوع دوليا حيث أصيبوا بحروق كبيرة في مناطق الجسم الحساسة (العيون والحلق والجهاز التناسلي)، و فقد بعضهم البصر مؤقتا. ولم تكن هناك أية أدوية او مضادات لهذا السلاح الفتاك.
تعاون الأنصار فيما بينهم لتجاوز هذه المحنة بإرادة قوية وبمعنويات عالية. كان كل نصير يعرف ماذا كان عليه أن يعمل، خاصة الأنصار الذين لم يتأثروا بالسلاح وهم حضيرة الدوشكا التابعة لسرية مقر قاطع بهدنان، الذين عملوا المستحيل من اجل شفاء رفاقهم الأنصار والنصيرات.
كما جرح النصيران عباس رش وخابور في الساق وكانت اصابة مؤذية. وقد قام الأطباء بدور كبير من اجل تطبيب الجرحى ومنهم النصيرة الطبيبة ام هندرين والنصير الطبيب ابو تضامن وطبيب من حزب الإتحاد الوطني، وبرغم من قلة الادوية والعلاجات الا ان الجرحى تماثلوا للشفاء بسرعة جيدة.
يصف احد الأنصار عدنان اللبان (ابو عجو) حالة الهجوم فيقول:
"... تحول الجو الى رمادي واسود من الدخان والاتربة، ارتفعت عدة اعمده صفراء، ولكنها ليست بلون الشمس التي ذهبت منذ قليل ، الصفار داكنا وبكثافة التراب، اشبه بعاصفة رملية، تمكن بعض الرفاق الوصول الى الملاجئ القريبة، شظية صاروخ كبيرة سقطت على رجل احد الرفاق امامنا، ورفيق اخر سقط على بعد عشرة امتار، تقافز الرفاق اليهم، سحبوهم الى ساقية صغيرة جافة، اشتعلت النار في السفح الذي امامنا ، صاروخ كبير لم ينفجر، وصوت ارتطامه هز المنطقة التي ننبطح فوقها، انفتحت جهنم بكل ابوابها، إمتلى الجو بروائح الدخان والاتربة، وروائح اخرى عفنة اقرب الى البيض الفاسد. إرتفعت اخر مجموعة من الطائرات وولت، تاركة صمتا مفاجئا وخرابا لكل شيئ. لقد نفذت الغارة بدقة كبيرة، قال البعض انها استغرقت عشرة دقائق وقال اخرون نصف ساعة، قال البعض كان مجموعها اربعة طائرات واخرون قالوا انها ثمانية. وقد بثت اذاعة بغداد مجموعة من الاغاني التي تتغزل بالعيون، لمعرفة السلطة بتأثير الغاز على العيو).
ويكمل النصير أبو عجو: " لم تكن فقط ملحمة الالام المبرحة للشهداء، وللذين جرحوا او فقدوا نظرهم وحافظوا على العهد، لم تكن ملحمتهم فقط، بل ملحمة القلة الذين سلموا ونظموا عملية الانقاذ، علاج وتامين الطعام والدواء، مفارز استطلاع، حراسات، حماية الحشد المصاب، الاستعداد لمواجهة الانزال العسكري المتوقع، وكل نصير تحول الى فصيل، اى ان وصلت المساعدة بعد عدة ايام، ولم تسجل ولو حادثة انهيار واحدة".
في اليوم الثاني صرح المجرم الجزراوي في دهوك (بأنهم ابادوا الشيوعيين). كما تأثرت مناطق كردستان من خلال الهجوم بالأسلحة الكيماوية على مدينة حلبجة وقد اشرف على حرب الابادة المجرم (علي حسن المجيد)، وهذه جريمة بشعة ارتكبها النظام الدكتاتوري بحق الشعب الكردي والجنس البشري. كم تجسدت وحشية النظام في تعذيب اناس هم من نفس الجنس، فكانت ابادة جماعية حيث قتل 5000 انسان في لحظات. كان الموت بطيئاً. هذه اساليب النظام والطغيان لتشهد كردستان قبورا جماعية، انها جريمة مروعة للبشرية والعالم بآسره انه يوم 18 اذار 1988 حيث تحولت مدينة حلبجة الى ركام والى موت مفاجئ، كان الاب يصرخ والأم تصرخ وضمير النظام يضحك على موت ابنائه.
كان النظام يعلن العفو بين فترة وأخرى، خاصة للهاربين من الحرب العراقية – الايرانية، التي احرقت عشرات الالاف من الجنود والمراتب، ولم يستجب لهذه القرارات سوى قلة ضئيلة من الأنصار، الذين إلتحقوا من أهالي المنطقة والذين كانوا يخشون على عوائلهم المتواجدة في مناطق خاضعة تحت سيطرة النظام. وكان يجري توقيت العفو مع الظروف الصعبة منها كالحصار والهجوم المسلح التي تقوم به القوات العسكرية والجحوش على موقع الأنصار، خاصة بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية في نهاية اب 1988.
الكمارك
لم تكن لنا في بداية العمل الأنصاري أية معرفة بطريقة عمل الكمرك والإستفادة منه ماديا وعينيا، فيما كانت باقي الأحزاب كالحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني والحزب الإشتراكي تستفيد منه في تمويل نشاطاتها. ربما كانت هناك محاولات أولية من بعض الرفاق للتعامل مع التجار الذين يعبرون الحدود في مناطق تواجد مقراتنا او رفاقنا، يحصلون فيها على خروف أو نعجة أو غيرها، معرضين أنفسهم لسيل من الإنتقادات من الرفاق والحزب.
كان التجار يهّربون البضائع بين إيران والعراق أو بين تركيا والعراق، مجموعة من المواد كالالمنيوم والشاي والسكائر والاحذية والملابس والاقمشة، إضافة الى دخول اعداد كبيرة من الماشية من ماعز وغنم وحتى ابقار وغير ذلك، وهي تعد بالالاف وتنقل في البدء الى سهول العراق الواسعة (سهول نينوى ودشت حرير وسهول السليمانية)، التي يمكنها أن تكون مرعى شبه دائمي لتك الحيوانات قبل أن تباع الى التجار فى مناطق مختلفة من العراق.
فيما بعد ومنذ العام 1981 تم وضع نقاط كمرك عشوائية في مناطق تواجد قواتنا، وبمرور الزمن تم تثبيت بعضها بعد ان إنتقلت قوات النظام والأفواج الى الداخل واصبحت المناطق مهيئة لهذا العمل.
كانت الضريبة محددة بنسبة 10% على الماشية التي تدخل الى العراق، وكانت هناك نسب ضريبة مختلفة على باقي المواد. لكن ذلك لم يمنع من جباية الكمارك أحيانا بشكل عشوائي، وأن لا تكون هناك سجلات منظمة وتعليمات محددة دائماً. وقد وفرت نقاط الكمارك في كردستان ملايين الدنانير والتومانات الايرانية والليرات التركية وحتى الدولارات والعملات الاخرى للاحزاب. وكان يتم توزيع الأموال المجباة على أساس عدد القوات الموجودة لدى كل حزب وعدد الشهداء والعوائل وغير ذلك من الحسابات. وكانت النسبة التي نحصل عليها 15% في منظقة بهدنان.
كان الأنصار المكلفين بالعمل في نقاط الكمرك يواظبون على الحضور في تلك النقاط. وبعض الأنصار كانوا من العرب ولهذا كانت تجري أمور كثيرة بغير صالحهم دون أن يعرفوها، بسبب عدم معرفتهم للغة الكردية، كما كان بعض الذين يعملون في الكمرك من الأحزاب الاخرى، يمارسون كل الخدع للإستفادة الشخصية من تلك الموارد.